لا يزال الخلاف مستعراً بين الأطراف السياسية الليبية حول الأطر الدستورية والقانونية للانتخابات، في ظل تدخلات أممية وإقليمية ودولية لا تثمر شيئاً، وفشل في حسم النقاط الخلافية الخاصة بشخصيات طامحة إلى حكم البلاد، توصف بأنها "جدلية".
بعد الإعلان عن إجراء الانتخابات في نهاية عام 2021، أقبل الليبيون على التسجيل في المنظومة الانتخابية للمشاركة في التصويت، وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات تسجيل 2.8 مليون ناخب، لكن فشل إتمام العملية الانتخابية على خلفية شكوى من أطراف سياسية حول قوانين الانتخاب، وتفصيلها على مقاس بعض الشخصيات.
ويتداول كثيرون من بين أسباب الفشل، وجود مرشحين كاللواء المتقاعد خليفة حفتر، والذي لا تسمح له القوانين بالترشح كونه عسكريا ويحمل جنسية دولة أجنبية، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، كونه اختير كرئيس لحكومة مؤقتة شريطة ألا يترشح لمناصب سياسية بعد انتهاء ولاية حكومته، فضلاً عن سيف الإسلام القذافي المطلوب للعدالة، والذين قبلت مفوضية الانتخابات ترشحهم جميعاً.
يقول معتصم الهادي، وهو موظف حكومي من مدينة سبها (جنوب)، إنه لا يرى جديداً على الساحة، وإن المشهد الحالي متكرر، فالهدف والمضمون واحد، وهو بقاء هؤلاء القادة كل في موقعه، في حين تتغير العناوين المعطلة بين قوانين الانتخابات، وشرعية من يرسمها أو يحددها، فضلاً عن الاتهامات التي يوجهها كل منهم إلى الآخرين.
يوضح الهادي لـ"العربي الجديد": "الصراع حول شكل القوانين، وضرورة أن تخدم مصالح شخصيات بعينها وتقصي آخرين، يعني بشكل واضح أنه لا ثقة لهم في جمهور الناخبين، فالواقع أن مختلف شرائح المجتمع ترى في هؤلاء القادة شخصيات تعرقل أي استحقاق يمكن أن يخدم المجتمع. ما يهمهم هو الحكم لتحقيق مصالحهم، ولو فاز في الانتخابات أي من الشخصيات المتحكمة في المشهد حالياً، فلا نتوقع أن يختلف أي شيء عن الأوضاع القائمة. الجهود يجب أن تنصب على تحديث سجل المترشحين، والدفع بشخصيات جديدة".
في المقابل، يرى أيمن البزاز، وهو طالب جامعي من بنغازي، أنه "لا توجد ثقافة سياسية مجتمعية، وإفراز شخصيات جديدة يقتضي وقتاً طويلاً من الممارسة، وحتى ذلك الحين، ستضيع الحقوق والثروات"، مضيفاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "القبول بأي شخصية يجري انتخابها بات الأمل القريب والوحيد. حين أعلنت المفوضية موعد الانتخابات في 2021، ترشح 5 آلاف شخص للبرلمان، وما يقارب 100 شخصية للرئاسة، وبخلاف المعروفين من قادة السلاح والمصالح والكراسي، وهم عدد محدود، لا نعرف الشخصيات الأخرى التي ترشحت، فكيف نثق بانتخابهم؟ وماذا سيحدث إن حسمت الأصوات لصالح الشخصيات المعروفة داخل حلقة الصراع؟ علينا ألا نعاكس الواقع، فمن سيحكم هو من يملك السلاح والمال".
لا تبدي ربيعة رافع، المعلمة في مدرسة خاصة بالعاصمة طرابلس، أي اهتمام بالانتخابات، وتقول لـ"العربي الجديد": "أهتم بأحوال أولادي، فالمهم أن تتوفر احتياجات الحياة اليومية ويعود الأمن. الاهتمام المجتمعي بالاستحقاق الانتخابي يعتبر من معوقات إجراء الانتخابات، فليست الأطراف المتصارعة وحدها من يعرقل الانتخابات، فهناك الثقافة القبلية المتفشية، والتي تحدد خيارات غالبية المواطنين، فعلى سبيل المثال، إذا ترشح شخص من قبيلتي فسيكون مفروضاً علي انتخابه، رغم أنني لست من المهتمين بالانتخابات أصلاً".
ويشير الناشط السياسي، مالك هراسة، إلى حجم الاستياء المجتمعي حيال العراقيل والعقبات التي تعترض إجراء الانتخابات، مؤكدأً لـ"العربي الجديد"، أن "تسجيل أكثر من 2.8 مليون ناخب في السابق كان بمثابة أمر مدهش بالنسبة لكل متابعي الحدث الليبي، فهذا الرقم لم يكن متخيلاً. كثير من المراقبين يتوقعون إحجام المواطنين عن التسجيل في منظومة الناخبين مجدداً، لكني أعتقد أن الزخم سيكون أكبر من ذي قبل، لأن مماطلات القادة لتجيير مصير الانتخابات لصالحهم باتت أكثر وضوحاً".
يتابع: "رغم الاستياء الكبير، فإن تكرار التسجيل في منظومة الناخبين سيشكل مع الوقت ضاغطاً مجتمعياً يرغم كل المماطلين على القبول بإجراء الانتخابات. لكن حالة الاستياء قد تنعكس على حجم المطالب والحقوق. المواطنون يرغبون بتوفر الحاجيات الأساسية للحياة، وعودة الأمن، ما يعد تراجعاً كبيراً في التطلع إلى حياة كريمة، وربما يحمل هذا رسالة مضمونها أن من يحقق التطلعات سيكون مقبولاً، حتى لو كان من بين أصحاب القوة والمال والنفوذ الحاليين".