ليبيا تشهد تفاقم ظاهرة البنايات الآيلة للسقوط

22 ديسمبر 2023
لا يملك أهالي ليبيا بديلاً عن مساكنهم المتهالكة (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

تضم عاصمة ليبيا طرابلس مئات من المنازل القديمة المتهالكة والآيلة للسقوط، وبعضها تمثل خطراً محدقاً بسكانها الذين لا يمكنهم مغادرتها بسبب عدم توفر مساكن بديلة

ناشدت بلدية طرابلس، حكومة الوحدة الوطنية، إيجاد حلول جذرية لأزمة المباني المتهالكة والآيلة للسقوط في العاصمة الليبية، وركزت على مباني حي الظهرة في وسط العاصمة، ومبان أخرى في أحياء عمر المختار وميدان الشهداء وبلخير، والتي تظهر تصدعات واضحة في جدرانها وتشققات في أسطحها.
وتُعد الأحياء المذكورة من بين أكثر أحياء طرابلس في ليبيا اكتظاظاً، إذ كان يسكنها، بحسب كتاب مصلحة الإحصاء والتعداد لعام 2010، نحو 542 ألف نسمة، وقد تضاعف هذا العدد خلال السنوات الماضية، وغالبية هؤلاء لا يزالون يقطنون في تلك المساكن، رغم  المخاطر التي تمثلها على حياتهم.
يقول رئيس لجنة حصر العمارات الآيلة للسقوط في بلدية طرابلس في ليبيا، سامي حمادي، لـ"العربي الجديد"، إن "اللجنة استأنفت عملها بعد توقف دام سنوات، وحصرت حتى الآن أكثر من 60 عقاراً آيلاً للسقوط في أحياء الظهرة وعمر المختار وميدان الشهداء وبلخير، وكانت اللجنة قد حصرت خلال عامي 2017 و2018 قرابة 560 عقاراً ينبغي إخلاؤها فوراً. كان لدينا سابقاً تقديرات بوجود 3200 عقار متهالك في الأحياء الأربعة، لكن مع مرور السنوات، هناك مبان هدمت أو أزيلت، وأخرى تمت صيانتها، لكن مباني أخرى زادت أوضاعها سوءا، ما استلزم إعادة الحصر".
ولفت الحمادي إلى أن اللجنة يقتصر دورها على الحصر، وإعداد تقارير تحال إلى الحكومة التي تتولى تكليف وزارة الإسكان بالتعامل مع الأزمة، لكنه أكد أن "الحكومات السابقة التي أحيلت إليها التقارير، لم تقم بتنفيذ أي شيء يمكن أن يقلص من حجم المخاطر المحدقة بسكان هذه الأحياء".
وأخلت هيئة السلامة الوطنية في سبتمبر الماضي، بناية في حي الظهرة من سكانها، بعد سقوط أسقف الطابق العلوي منها. لكن غالبية سكان البنايات المتهالكة يرفضون مغادرتها بسبب عدم وجود بدائل للسكن. وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، انهارت بناية في حي الرشيد وأخرى في حي بلخير، وأسفر انهيار الأولى عن وفاة أحد سكانها.
وبدأ عمل لجان الحصر بعد انهيار بناية في حي بلخير في منتصف عام 2013، حين أعلنت وزارة الإسكان والمرافق عزمها على حصر المباني المتهالكة، وتجهيز 1200 وحدة سكنية عاجلة لاستيعاب سكان تلك البنايات كحل مؤقت إلى حين توفير مساكن لهم، مشيرة إلى أن أغلب تلك البنايات قديمة، ومعرضة للانهيار في أي لحظة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقول صلاح طريش، من حي بلخير: "الاهتمام الحكومي في ليبيا ظهر حين انهارت عمارة في عام 2014، ثم اختفى تماماً. أين هي المساكن البديلة؟ ما زلنا نعيش في عماراتنا التي نتوقع انهيارها في أي وقت". ويرجع في حديثه لـ"العربي الجديد"، أسباب المخاطر بأن أسقف العمارات لم تعد قادرة على مقاومة عوامل الزمن والطقس، ويتسرب منها ماء المطر، وطالبنا بدعم مؤقت للأسقف حتى لا تنهار، لكن لا يوجد تجاوب. "مخاطر السكن في هذه العمارات كبيرة، وفي حال ظلت قائمة، فإنها تهدد الصحة، بسبب تلوث الأجواء بالرطوبة، واختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي".

تسببت المعارك في أزمة سكن كبيرة في طرابلس (محمود تركية/فرانس برس)
تسببت المعارك في أزمة سكن كبيرة في طرابلس (محمود تركية/فرانس برس)

ويؤكد المهندس السابق بمكتب الإسكان في بلدية طرابلس في ليبيا، مجدي الأمين، أن "قضية المباني المتهالكة تعود إلى سنوات طويلة، وقد تسلمت سلطات النظام السابق ملفات السكان لتعويضهم عبر قروض سكنية، لكن تلك التعويضات لم تنفذ، ولم يحصل السكان على القروض التي أعلن عنها لإزالة البنايات، وبناء مساكن بديلة"، ويوضح لـ"العربي الجديد": "الكثير من السكان ينتمون إلى عائلات عريقة لها تاريخ في هذه الأحياء، وهم يرفضون مغادرتها للحفاظ على نسيجهم وتماسكهم الاجتماعي".
يتابع الأمين: "ترتبط أزمة العمارات المتهالكة بعدم قدرة الشركات المحلية على إنشاء مبان جديدة، أو تنفيذ مشروعات إسكان كبرى، والأزمة الأمنية ساهمت في تأجيل إنهاء أزمة المباني المتهالكة، إذ رفضت الشركات الكبرى القادرة على إنجاز المشاريع السكنية العمل في البلاد".

صحة
التحديثات الحية

بدورها، تطالب ليلى سلطان بإيجاد حل لأسرتها القاطنة في حي الظهرة، وتقول لـ"العربي الجديد": "قبل أيام، شهدت عاصمة ليبيا طرابلس هزة أرضية خفيفة، وسنكون من بين الضحايا في حال تكررت بقوة أكبر، وقد عشنا أياماً صعبة وسط شائعات وأخبار متضاربة لم تهتم الحكومة بتصحيحها أو تفنيدها".
ويلفت صلاح طريش إلى جوانب أخرى وراء تعطيل إنهاء الأزمة، قائلاً: "في عهد النظام السابق في ليبيا، كانت أراضي هذه العمارات محل طمع من بعض المسؤولين، والذين سعوا إلى تملّكها مقابل صرف قروض للسكان لدفعهم إلى المغادرة، أو الانتقال إلى مناطق أخرى، ثم إزالة العمارات بغرض بناء مشاريع تجارية مكانها، والآن يبدو أن ملف إعادة البناء مؤجل لأغراض مشابهة من قبل مسؤولي الحكومة الحالية".