نشطت مبادرات للبحث عن المفقودين في قطاع غزة، في ظل انقطاع التواصل بين أفراد العائلات بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل، بسبب تدمير شبكات الاتصالات، وضعف شبكة الإنترنت، أو عدم القدرة على شحن بطاريات الهواتف، في حين تقبع جثامين المئات تحت أنقاض المباني المدمرة، ويتواصل اعتقال مئات آخرين.
تعيش الإعلامية الفلسطينية إسلام البربار في مصر مع زوجها وأطفالها، لكنها تحاول الإبقاء على التواصل مع أسرتها التي نزحت إلى جنوبي قطاع غزة، بعد تدمير القصف الإسرائيلي منازل العائلة في الشمال، وتبين أنها كمغتربة ليست أكثر حظاً من الباقين في غزة، لأنها لا تعيش حياة طبيعة، وتشعر بغصة لتدمير كل تفاصيل الحياة في القطاع الذي كان معروفاً بحجم الترابط بين الناس.
تقول البربار لـ"العربي الجديد": "لاحظت خلال متابعتي عشرات الفتيات اللواتي يفقدن التواصل مع عائلاتهم أثناء محاولات النزوح، فقررت إطلاق مبادرة لجمع مناشدات الأهالي في قناة تواصل على منصة (تليغرام) تضم شبكة من الصحافيين والناشطين، وبعضهم موجودون في مراكز النزوح بجميع محافظات قطاع غزة. جمعنا مناشدات كثيرة، بعضها لأطفال، وبعضها لنازحين، ومناشدات من خارج القطاع من ذوي نازحين لا يستطيعون التواصل مع أسرهم. خلال أيام زاد عدد أعضاء المجموعة من داخل وخارج قطاع غزة، وبينهم كثيرون من دول أجنبية عدة".
تضيف "تعرضت المجموعة لمحاولات اختراق بعد أن باتت مشهورة بين أعداد كبيرة من الناس، وأعتقد أن الاحتلال هو المسؤول عن الاختراق، فهو صاحب المصلحة في قتل أي مبادرة للبحث عن المفقودين. لكن سرعان ما قمنا بضبط الإعدادات لحمايتها من الاختراق، ونمارس واجبنا حالياً كمبادرة نابعة من الحس الوطني. لا أنكر أن الاستجابات محدودة، لكننا تمكنا من التوصل إلى أماكن عدد من المفقودين، ومعرفة تفاصيل حول آخر مرة شوهد فيها الشخص، لكن كثيراً من المفقودين استُشهدوا، أو لا يملكون وسيلة للاتصال، ما يجعل الوصول إليهم صعباً، وهناك من جرى اعتقالهم ونقلهم إلى السجون، أو أُعدموا ميدانياً".
وينشط كثير من الصحافيين وبعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في إعادة نشر المناشدات الخاصة بالمفقودين، خصوصاً الأطفال. فقد محمد الديري أثناء رحلة النزوح من مدينة غزة جنوباً اثنين من أبنائه، فقام بالتواصل مع عدد من الناشطين على مواقع التواصل لنشر تفاصيل وبيانات طفليه، وتمكن لاحقاً من العثور عليهما.
يعمل الديري كمنشط أطفال، بإحدى الجمعيات المحلية، ويقول لـ"العربي الجديد": "كثير من الناس يفقدون أبناءهم خلال النزوح، أو أثناء البحث عن مكان فارغ في المدارس، ومؤخراً بات من يفقد أبناءه يبحث عنهم في مراكز الإيواء التي يجري تسليم الأطفال المفقودين إليها، كما تنشر صور الأطفال على مواقع التواصل، ويتكرر نشرها حتى يعثر الأهل عليهم".
تعيش أسرة الصحافي الفلسطيني علي بخيت في مخيم النصيرات، وهو يعيش في ألمانيا مع زوجته وأطفاله الثلاثة، وبعد معاناته في التواصل مع عائلته، قرر تفعيل صفحة "مين بيعرف" على موقع "فيسبوك"، وهي صفحة قديمة كانت فكرتها البحث عن الأشياء المفقودة بشكلٍ عام، وحالياً ينشر عبرها غزيون تفاصيل مفقوديهم، وأحياناً للسؤال عن توفر طعام للشراء في بعض المناطق.
يقول بخيت لـ"العربي الجديد"، إنه ما زال يحاول الحصول على معلومات حول المنطقة التي توجد فيها أسرته في مخيم النصيرات، ولا يعرف إن كانت ضمن المناطق التي طلب الاحتلال أخيراً من سكانها الإخلاء أم لا، مشيراً إلى أن التواصل محدود للغاية، وتصله رسائل قصيرة مكونة من ثوان معدودة كل بعضة أيام لطمأنته على أفراد الأسرة.
يضيف: "أتلقى مناشدات وطلبات من أسر حول توفر الطحين ولوازم حياتية أخرى، لكن المناشدات حول المفقودين هي الأكثر، وأقوم بإعادة صياغة المناشدة، وعرضها كمنشور لفتح المجال أمام التعليقات، وأحياناً يقوم المتفاعلون بإضافة معلومات لمساعدة صاحب المناشدة، والمناشدات التي يجري التعرف على مصير المفقودين المذكورين فيها نقوم بحذفها".
ويشدد بخيت على أن "هناك قيوداً ضد المحتوى الفلسطيني من إدارة شركة ميتا المالكة لموقع فيسبوك، إذ تقوم بتحييد وصول بعض المنشورات، وأتوقع أن يكون الوصول أفضل عندما ينتهي العدوان الإسرائيلي، ويمكن أن يزيد التجاوب مع المنشورات، وبالتالي إيجاد مزيد من المفقودين، باعتبار أن الظروف ستكون أفضل، ويستطيع الناس الوصول إلى الإنترنت بشكلٍ أكبر".