في وقت أثّرت فيه الأزمة الاقتصادية على غالبية محدودي الدخل في لبنان، يعاني أهالي التلاميذ مع فتح المدارس أبوابها من مشكلة تأمين الزي المدرسي المعروف بـ"المريول" باللغة العاميّة، والذي ارتفع سعره في شكل جنوني، وبات يتراوح بين 250 ألف ليرة لبنانية (12.5 دولاراً) و300 ألف ليرة (15 دولاراً). أما إدارات المدارس فتتمسك بشراء الزي والالتزام بارتدائه.
وللتعامل مع هذا الواقع، أطلق فريق" أترك أثراً" في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين ببيروت مبادرة لتبديل الزي المدرسي والتبرع به لآخرين. تقول خديجة المتحدرة من بلدة ترشيحا بفلسطين والمقيمة في المخيم لـ"العربي الجديد": "أبيع المراييل في محل الألبسة الذي أملكه. وقد اكتشفت أن الأهالي لا يستطيعون شراء المريول بسبب سعره المرتفع، ما يجعلهم عاجزين أمام أمر ملحّ، فقررت بالتعاون مع فريق أترك أثراً إطلاق مبادرة لتبادل الزي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتلحظ الفكرة أن الطالب الذي أنهى عامه الدراسي وبات لا يحتاج إلى مريول قديم يستطيع إحضاره وتبديله بمريول بمقاس أكبر. وتجاوب الأهالي بشكل كبير مع المبادرة، وبعدما حصلنا على عدد كبير من المراييل، قمنا بغسلها وكويها ووضعناها في أكياس، ثم توسّعت الحملة إلى حقيبة المدرسة، علماً أنها ليست الأولى للفريق، إذ شملت أخرى ألبسة عادية وأجهزة إلكترونية وأدوات منزلية".
تتابع: "المبادرة عفوية، وتجاوب عدد كبير من الناس معها، وما زلنا مستمرين فيها، لأن الظروف الاقتصادية لا تسمح بشراء كثير من الناس زياً مدرسياً واحداً، في وقت لا يتعدى معاش بعضهم مليون ليرة (50 دولاراً)، فكيف الحال إذا كان يجب تأمين زي مدرسي لثلاثة أو أربعة أولاد".
كذلك، تقول نهى ملك المتحدرة من بلدة دير القاسي بقضاء عكا الفلسطيني والتي تقيم في مخيم برج البراجنة وتشارك في المبادرة، لـ"العربي الجديد": "لا يستطيع اللبناني واللاجئان الفلسطيني والسوري تأمين قوتهم اليومي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة. ومع فتح المدارس أبوابها ارتأى فريق أترك أثراً أن يطلق مبادرة تهدف إلى توفير الزي المدرسي لجميع الطلاب. والمبادرة شبابية فردية يقوم بها شبان من المخيم، ولا تحظى بدعم مادي من أي شخص أو جمعية. والشباب الذين يقفون خلفها هم من الفئة المنكوبة أصلًا ويشعرون بمحيطهم ويتفاعلون معه".
وتخبر سلمى العلي المتحدرة من مدينة عكا بفلسطين وتقيم في مخيم برج البراجنة "العربي الجديد": "يحتاج ابني وابنتي إلى زيّين مدرسيين لا يمكنني توفيرهما بسبب الوضع الاقتصادي الصعب جداً، فأعطيت مريول ابنتي لرفيقتي، وأخذت مريول ابنة عمتي لابنتي، أما لابني فحصلت على مريول له في إطار المبادرة".
تتابع: "في الماضي، كنا نرمي المريول إذا صار عتيقاً أو تعرّض لمزق أو كتب عليه بالحبر، لكننا أوقفنا هذه العادة اليوم، وصرنا نتبرّع به أو نعيد تدويره. كذلك كان ولداي يذهبان إلى المدرسة بباص، أما اليوم فبات والدهما يوصلهما على الدراجة النارية لدى ذهابه إلى عمله. وبعد الظهر أحضرهما بنفسي سيراً على الأقدام، كي نوفّر ثمن أجرة الطريق".
أما وداد العشي المتحدرة من حيفا بفلسطين والمقيمة في مخيم برج البراجنة، فتقول: "حضرت لتبديل الزي المدرسي لأولادي الخمسة، لأنني غير قادرة على شرائه لهم، علماً أن أحد أولادي مريض ويحتاج إلى دواء بشكل دائم، أما زوجي فيعمل في مجال الأدوات الصحية وأجره غير ثابت".
تضيف: "بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة صار أولادي يذهبون إلى المدرسة سيراً. ابني البكر يدرس في معهد سبلين التقني التابع لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ومواصلاته مؤمنة، أما أخواه اللذان يبلغان 13 عاماً وعشرة أعوام فيذهبان إلى المدرسة سيراً، ويوصلان أخاهما الصغير إلى مدرسته التي تقع على أطراف المخيم. أما ابنتي ففي الصف العاشر وتدرس في منطقة بئر حسن، لذا أوصلها صباحاً إلى المدرسة ثم أذهب بعد الظهر لإحضارها مشياً بعدما طلب صاحب الباص أجرة 200 ألف ليرة (10 دولارات) أسبوعياً لنقلها ذهاباً وإياباً.