يعرف الجميع أن الطيور تغرّد وتزقزق وتتنادى فيما بينها نهاراً. وتستثنى من ذلك طيور الليل مثل البوم والسبد (ملهي الرعيان)، في حين تغرّد أخرى ليلاً ونهاراً، مثل أبو الحن والعندليب، والعصفور الساخر في القارة الأميركية.
طبعاً معظم طيور النهار تسكت ليلاً، أو مع بداية غروب الشمس حتى الفجر، ثم تعود لتنادي بعضها بعضاً، أو تغني لتعبّر عن السيطرة على أرض الزواج أو المنطقة التي يبني فيها الطائر عشّ الزوجية. إذن تتوقف الطيور عن الغناء والزقزقة والمناداة عند حلول الليل، لكنها تسكت تماماً في الواقع عندما ترى عدواً لها من البشر والحيوانات والطيور، خوفاً من اكتشافها وكشف عشها أو بيضها أو صغارها. وكلما تقدم فصل الربيع زاد اهتمام الأم والأب برعاية الصغار، وبالتالي زاد سكون الطيور، وامتنعت عن الغناء مع الإبقاء على القليل من الزقزقة والنداء.
عند الشعور أو الإحساس بالخطر، مهما كان نوعه، تهدأ الطيور وتقلل من حركتها كنوع من التمويه، خاصة إذا كان مصدر الخطر طائر جارح يحلق في السماء بحثاً عن فريسة. والغريب أن الطيور تستطيع تمييز الباشق أو الصقر أو العقاب من الغراب أو النسر من مسافة بعيدة فتصمت. وهو ما تفعله عندما تشاهد قطة أو إنسان قرب مكانها. ولا ننسى أن الطيور خبيرة بأحوال الطقس وأنواع أخرى من الحياة البرية، لذا من الطبيعي أن تتوقف عن الزقزقة والنداء والثرثرة، وتترك مأواها لتتجمع في أشجار كثيفة كالسرو الذي يحميها من الرياح والأمطار.
وإذا اعتدنا أن نشاهد باستمرار أنواعاً محددة من الطيور، فمن الطبيعي أن نرى أنواعاً كالدوري وأبو زريق وكسار البندق والقرقف (سن المنجل) تختفي في البداية، ويتبعها أنواع من البلبل والأبلق والدخلة. فهذه الأنواع لن نشاهدها مجدداً إلا بعد أن يتوقف المطر.
وتزقزق أنواع من طيور البلابل والدوري والزرازير حين تتجمع في أشجار كثيفة عند الغروب، وتصبح كثيرة الثرثرة أثناء اتخاذها مواضع الجثوم على الأغصان إلى جانب بعضها البعض. ويسمي البعض هذه الحالة بأنها تشبه "كورس (فرقة المرددين الموسيقية) ما قبل النوم"، قبل أن تتوقف الثرثرة بحلول الظلام. هنا لا داعي للقلق، لأن الأمر طبيعي ويتكرر منذ الأزل.
وإلى أسباب السكوت التي ذكرناها، لا بدّ من الإشارة إلى بداية الصمت في شهر أغسطس/ آب عند معظم أنواع الطيور مع انتهاء موسم التفريخ، لأنها تبدأ حينها في تبديل الريش تدريجياً في عملية تتطلب أسابيع ويبدو الطائر فيها في حال مزرية وبائسة في ظل عدم قدرته على الهرب من الحيوانات والطيور المفترسة. لذا تختبئ الطيور في هذه الحالة قدر الإمكان لتتفادى المفترسات، وتبدو كأنها صمتت أو غادرت المكان.
من ناحية أخرى، تنضج نهاية الصيف حبوب وتوت وفاكهة وتكثر، فتتخلى طيور كثيرة عن الأماكن التي فرّخت فيها صغارها، وتنتقل إلى أماكن يتواجد فيها طعام كثير. هذه الظاهرة تتوضح في مناطق تتواجد فيها الأراضي الزراعية قرب المنازل، وحيث تنتقل العصافير المنزلية كالدوري واليمام والحمام وأخرى إلى الحقول كي تتغذى بالحبوب الوفيرة قبل حصدها أو تجميعها في أماكن معينة تحت أشعة الشمس. وقد يتسبب ذلك في اختفاء مفاجئ للطيور من المناطق السكنية والحدائق، فيما يعتقد البعض بأنها أصبحت صامتة.
وحتى في المدن، تنجذب عصافير الدوري والخضيري والصلنج إلى أي قطعة أرض وعرة (بور) توفر محصولاً جيداً من بذور الأعشاب البرية. وتتخلى طيور القرقف عن أراضي تفريخها، وتقضي معظم وقتها في الصيف (أولاً في مجموعات عائلية صغيرة ولاحقًا في رفوف كبيرة) عالياً في قمم الأشجار حيث تصعب مشاهدتها.
أخيراً لا بدّ من الإشارة إلى نوع آخر من الصمت عند الطيور قد لا تجربه جميع أنواعها نظراً إلى ندرة حدوثه، باعتباره يرتبط بخسوف الشمس، فإذا حصل جزئياً، تتعامل الطيور معه كما في وقت غروب الشمس، أما إذا كان كلياً، ولو امتد لفترة وجيزة، فتتعامل معه الطيور كما لدى حلول الظلام.
(متخصص في علم الطيور البرية)