مناظر الخراب والأماكن المدمرة التي خلفتها الحرب الأخيرة ضد تنظيم داعش الإرهابي، لم تكن عائقاً أمام طموح أهالي مدينة الموصل شماليّ العراق، لإعادة الحياة إلى سابق عهدها وإزالة الأنقاض منها.
طلال محمد، أحد أهالي المنطقة القديمة، تحدّى الدمار وأصرَّ بمساعدة جيرانه على إزالة الركام من منطقته، ليجعل من الأنقاض والمخلفات الحربية مشتلاً للزهور والنباتات والفخاريات في محلة حمام المنقوشة في الجانب الأيمن من مدينة الموصل.
جهود ذاتية بسيطة يسعى من خلالها طلال لإعادة ثقافة اقتناء زهور الزينة ونباتات الظل وغيرها، التي توفر الأكسجين والهواء النقي في منطقة أنهكتها الحروب وأرهقت مخلفاتها الأهالي.
هذا المشتل الذي افتتح في مارس/آذار من عام 2019 بلغت كلفة إنشائه مليوناً و750 ألف دينار عراقي (ما يقارب 1190 دولاراً)، وهو أول مشتل في الموصل، والأول من نوعه كمشتل داخل منطقة سكنية قديمة يحتوي على زهور ونباتات ظل متنوعة.
يقول طلال محمد لـ"العربي الجديد": "بعدما تحررنا سنة 2017 من داعش، جينا على بيوتنا ومحلاتنا وكانت المنطقة متضررة ومليانة أنقاض"، مضيفاً أنّ أرض المشتل كانت مكباً للنفايات والأنقاض من بقايا الحرب، إلى أن قرر إعادة الحياة إليها، موضحاً: "زرعت أشجاراً وشتلات ووروداً، وكان عندي هدف أن أرجع الحياة إلى المنطقة القديمة".
يضيف: "أزلت كميات كبيرة من الأنقاض"، مشيراً إلى أن المنطقة كلها أصبحت خضراء، وانتشرت فيها الشتلات، "صار عندي زبائي يأتونني من مناطق بعيدة كانوا يتوقعون أن منطقتنا لا تحتوي إلا على آثار الدمار والحرب".
ويصف طلال تفاعل أهالي المنطقة مع مبادرته بالقول إنّ "الأهالي كانوا مستأنسين، لأنّ المنطقة صارت أشبه بالحديقة، وتأتي العوائل لالتقاط الصور فيها".
من جانبه، يرى سعود هاني الحيالي من أهالي محلة حمام المنقوشة في أيمن الموصل، أنّ المشروع مهم للمنطقة التي كانت في أمسّ حاجة لمناطق خضراء ومشهد جمالي يعوّض آثار الحرب. وأثنى العم حازم محمد الطائي على فكرة المشروع وما يمنحه من رائحة فواحة بعيداً عن رائحة الحرب والدمار والخراب.
وسقطت مدينة الموصل، ثانية كبرى مدن العراق، بقبضة تنظيم "داعش"، في العاشر من يونيو/ حزيران 2014، وتبع هذا الحدث مآسٍ وأحداث مروعة على بلاد الرافدين، أدت إلى مقتل وإصابة مئات آلاف العراقيين، وتغييب عشرات آلاف آخرين.
ومنذ سقوط الموصل وحتى إعلان تحرير العراق بالكامل، بين عامي 2014 و2017، أدت معارك تحرير المدن العراقية إلى سقوط نحو ربع مليون قتيل وجريح، إلى جانب عشرات آلاف الأشخاص المختطفين والمغيبين، فضلاً عن دمار البنى التحتية. وبلغت كلفة الدمار، وفقاً لوزارة التخطيط العراقية، أكثر من 88 مليار دولار، كان نصيب الموصل منها كبيراً، بعد تدمير أكثر من 56 ألف منزل، وتسجيل أسماء 11 ألف مفقود.