أبدت حكومة إقليم كردستان، شمالي العراق، معارضتها إغلاق مخيمات النزوح القائمة في ثلاث محافظات منه، معتبرة أنّه "قرار سياسي أو قسري"
قال وزير داخلية إقليم كردستان العراق، ريبر أحمد، في مؤتمر صحافي حضرته "العربي الجديد"، بمدينة أربيل، أخيراً، إنّ "حكومة كردستان لن تغلق مخيمات النزوح بالقوة، ويجب أن تكون هناك عودة طوعية للنازحين"، موضحاً أنّهم أبلغوا الأمم المتحدة والحكومة الاتحادية في بغداد بذلك.
جاء إعلان أحمد بعد تصريحات لوزيرة الهجرة العراقية، إيفان فائق جابرو، أشارت فيها إلى نية الوزارة مواصلة إغلاق المخيمات في عموم مدن البلاد، وإعادة السكان الى مناطقهم، متجاهلة المدن والبلدات العراقية التي تسيطر عليها فصائل الحشد الشعبي وتمنع عودة أهلها مثل جرف الصخر (بابل) ويثرب (صلاح الدين) والعوجة (صلاح الدين) والعويسات (الأنبار)، ومناطق شمال شرقي محافظة ديالى، وغربي الموصل (نينوى)، وجنوبي تكريت (صلاح الدين)، من دون أن تذكر مصير سكان تلك المناطق وأين سيتجهون بعد إغلاق المخيمات من قبل الوزارة.
وعلى الرغم من مرور نحو أربعة أعوام على انتهاء المعارك وطرد مسلحي تنظيم "داعش" فإنّ ملف النزوح الداخلي في العراق ما زال حاضراً بقوة بسبب إخفاق السلطات في بغداد، في فرض سيطرتها على جميع المناطق وإخراج الجماعات المسلحة وإعادة السكان. كذلك، يبرز جانب اجتماعي آخر يتمثل بالمشاكل العشائرية بين العائلات التي تورط أفراد منها مع تنظيم "داعش" إذ ترفض عشائر وعائلات أخرى عودتهم إلى مناطقهم، في إطار عرف وتقليد يتعلق بالثأر والعقاب وتحميلهم وزر أبنائها المتورطين بالعمليات الإرهابية مع التنظيم بين عامي 2014 و2018. ويقيم نازحو الموصل والأنبار وصلاح الدين بإقليم كردستان العراق في المحافظات الثلاث؛ أربيل والسليمانية ودهوك، في حين نزح أكثر من 85 في المائة من سكان قضاء سنجار (نينوى) الى محافظة دهوك. ويتجاوز عدد النازحين الإجمالي في الإقليم نصف مليون نازح. وتقول حكومة كردستان إنّها ليست مع إغلاق المخيمات "بقرار سياسي" وليست مع "عودة النازحين إلى مناطق غير آمنة وغير مستقرة" على لسان وزير الداخلية ريبر أحمد، الذي شدد على أنّ المخيمات ستبقى مفتوحة للنازحين ولن يتم إغلاقها، فيما قرار عودة النازح يجب أن يكون طوعياً.
يقول الناشط في حقوق الإنسان، رياض البدن، إنّ "الحكومة لم توفر البديل للنازحين لتشجعهم على العودة الى مناطقهم التي تشهد خروقات أمنية". يضيف البدن لـ"العربي الجديد" أنّ "سيطرة فصائل من الحشد الشعبي على مناطق في صلاح الدين وديالى تمثل العائق الأبرز والتخوف الأهم لدى النازحين". يشير إلى أنّ هناك جهات مسلحة بملابس حكومية، تنفذ أجندات طائفية بعيدة عن المهمة الأمنية الحكومية في ملاحقة المطلوبين، والخوف لدى النازحين هو من هذه القوى لا الدولة، بعدما باتت هذه القوى هي التي تحدد إن كان نازح ما مطلوباً أمنياً أم لا، إذ تنفذ الفصائل الاعتقالات بدلاً من الدولة.
كذلك، يحول التحدي الخدمي دون عودة نازحين عراقيين في المخيمات، إذ تعاني مناطقهم من دمار البنى التحتية خصوصاً تلك التي طاولتها حرب استعادة المدن من تنظيم "داعش". يقول ناجي حجي (29 عاماً) وهو نازح في أحد مخيمات إقليم كردستان، لـ"العربي الجديد" إنّه عاد إلى سنجار بعد فترة نزوح لست سنوات، لكنّ المشهد ضبابي بالنسبة لمنطقته التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني، وفصائل من الحشد الشعبي. يضيف حجي أنّ مدينته ما زالت على حالها حين تركها عام 2014 يوم سيطر عليها تنظيم "داعش" فلا أثر لإعادة الخدمات والبنى التحتية إليها. حجي موظف في سنجار ترك عائلته في مخيم شاريا للنازحين الذي يضم ثلاثين ألف عائلة، وغادر وحيداً متجهاً إلى مدينته على الرغم من الخطورة التي قد تواجهه، بسبب تعدد القوى هناك. لكنّها، كما يضيف، مدينة أشباح، وقد شهد بنفسه أعداداً من النازحين الذين تركوا مخيمات النزوح يعودون إليها مرة أخرى بفعل تردي الأوضاع الإنسانية والخدمية فيها بالإضافة إلى التحدي الأمني، وهو الهاجس الأكبر لديه، كما لدى غيره من النازحين.
في وقت سابق، قالت بعثة الأمم المتحدة في بغداد إنّها تدعم عودة طوعية لجميع نازحي العراق، وقد أخلت مسؤوليتها من إغلاق المخيمات من دون تأمين أماكن عودتهم أمنياً وخدماتياً. من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية، في تقريرها الذي نُشر أواخر العام الماضي بعنوان "موصومون مدى الحياة: العراقيون النازحون في حلقة مُفرغة من الانتهاكات والمعاناة" إنّ آلاف النازحين العراقيين المشتبه في صلاتهم مع الجماعة المسلحة، والذين سبق لهم التعرض للاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والمحاكمات الجائرة، أصبحوا اليوم عُرضةً لمزيد من المخاطر، نظراً لمضيّ السلطات العراقية قدماً في إغلاق مخيمات النازحين، على الرغم من شتى العقبات التي تعترض عودتهم بشكل آمن وكريم ومُستدام.
تقول أم سامر (60 عاماً) وهي نازحة في أحد مخيمات كردستان إنّ ابنتها معتقلة في أحد السجون العراقية بعدما وشى أحد أقاربها بها واتهمها بمساعدة تنظيم "داعش" أثناء سيطرته على الموصل. تضيف أم سامر لـ"العربي الجديد" أنّ ابنتها وقعت ضحية لانتقادات اجتماعية مع أقاربها الذين اتهموها زوراً بالانضمام إلى تنظيم "داعش" وتقديم العون له. تواصل أم سامر، وهي تذرف الدموع، أنّ ابنتها ليست على صلة بذلك، وتتساءل مستغربة كيف يعتمد القضاء على وشايات لإصدار أحكام قد تصل إلى حدّ الإعدام.
من جهته، يلفت الناشط العراقي في شؤون النازحين محمد الدليمي، إلى أنّ "الحكومة أرغمت، خلال الأشهر الأربعة الماضية، النازحين، على الخروج من المخيمات، بقرار غير مدروس ولا ينسجم مع طبيعة المناطق الأصلية لهم. وفي حين تحتل الفصائل المسلحة معظم مناطقهم، فإنّها ما زالت مهددة أمنياً من تنظيم داعش الذي يسعى للانتقام من الأهالي". يوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "حكومة مصطفى الكاظمي تسعى إلى تحقيق انتصارات ورقية وإعلامية على حساب المواطنين الذين لا يملكون منازل أو أيّ فرصة عمل للبدء من جديد في حياة كريمة، ولذلك، فإنّ معظم الناشطين والحقوقيين يرفضون هذه الإجراءات لعدم توفر أيّ بدائل لمئات الأسر النازحة".
إقصاء وتمييز
قالت منظمة العفو الدولية إنّ الحكومة العراقية المركزية، وكذلك حكومة إقليم كردستان الشمالي، تواصلان وصمَ النازحين المشتبه في صلاتهم مع تنظيم "داعش" فتمنعان أو تعيقان حصولهم على الوثائق المدنية الضرورية للتوظيف والتعليم وتلقّي الخدمات والمزايا التي تقدمها الدولة، بالإضافة إلى ضرورتها للتمكن من التنقل بحرية.