طوال خمسة أعوام، لم يحظَ حصار أكثر من 70 ألف مدني تبقى منهم اليوم نحو عشرة آلاف نازح سوري في مخيم الركبان، في عمق بادية حمص على الحدود السورية الأردنية، باهتمام منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي، وإن كان النازحون محرومين من أبسط مقومات العيش والرعاية الصحية.
على الرغم من آلاف المناشدات والمطالبات بتحييد الملفات الإنسانية عن الصراع العسكري والمفاوضات السياسية في سورية، يصرّ النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون على تجاهلها، بل استخدام الملفات الإنسانية كإحدى أدوات الحرب والضغط على المناهضين لهم، إذ يواصلون حصار مخيم الركبان، ومنع دخول المواد الغذائية والأدوية إليه، ضمن سياسة الحصار والتجويع لإجبارهم على العودة إلى العيش تحت سطوة النظام.
دفع العنف عائلات سورية من عدة مناطق للنزوح إلى منطقة الركبان، واحدة من أكثر البقاع القاحلة في سورية، حيث تكاد تغيب مظاهر الحياة، ليجدوا أنفسهم محاصرين ومحرومين من أبسط مقومات العيش، فلا طعام ولا دواء ولا تدفئة إلّا عبر ما ينجح بعض المهربين في إيصاله إلى المخيم من خلال شبكات الفساد والرشوة في القوات المحاصرة بالذات، في وقت يغلق فيه الأردن حدوده في وجههم، مبقياً على خرطوم مياه لا غير، هو المصدر الوحيد للمياه الصالحة للشرب في المخيم.
يسكن النازحون في غرف جدرانها من طين، وأسقفها من شوادر بلاستيكية وأبوابها صنعت بطرق بدائية من بعض القطع الخشبية والنايلون أو البطانيات. إلى جانب تلك الغرف قد تجد ملحقات خدمية كمطبخ صغير فيه بعض الرفوف الخشبية والطينية، تضع الأسرة عليها ما تملكه من صحون وأوانٍ للطبخ. وبالقرب منها بناء طيني صغير هو الحمام، يعتمد في غياب شبكات الصرف الصحي على حفرة فنية، منها ما هو مكشوف للهواء لتشكل مستنقعاً جاذباً للحشرات.
تمرّ الأيام رتيبة ثقيلة متشابهة على سكان المخيم، بحسب أبو محمود الحمصي، الذي يقول لـ"العربي الجديد": "نحن في معتقل كبير، وأعمالنا الشاقة هي تأمين الماء والطعام، فالكابوس اليومي لدى سكان المخيم هو الذهاب باكراً إلى خزان المياه، ونقل ما نحتاج إليه يومياً من مياه للشرب والغسيل إلى المنزل، نحملها بعبوات بلاستيكية كبيرة لمئات الأمتار أو نضعها في العربات التي تجرها الحيوانات. وإن ملكت الأسرة مالاً يمكن أن يذهب الوالد إلى السوق لشراء شيء ما للأكل، وبالطبع ليس أمامه كثير من الخيارات، فغالباً ما تكون الوجبة اليومية لسكان المخيم الأرزّ أو البرغل أو العدس، مع قليل من الخبز".
يضيف: "غالبية الأسر في المخيم تعيش على ما يصلها من مساعدات مالية من ذويها خارج سورية، لأنّ فرص العمل قليلة جداً في المخيم، وغالبيتها في السوق، حيث يباع ما يتوفر من مواد غذائية ووقود، بالإضافة إلى بعض أعمال البناء وإصلاح الدراجات النارية، التي تشكل وسيلة النقل الأكثر انتشاراً في المخيم، عدا عن عدد قليل من السيارات".
حُرم النازحون في الركبان منذ أشهر طويلة من الوصول إلى طبيب، بعد إغلاق النقطة الطبية، التي كانت في الجهة المقابلة للمخيم داخل الأراضي الأردنية، في حين لا يوجد في المخيم أيّ طبيب، ويقتصر الأمر على عدد من المتطوعين ممن اكتسبوا خبرات صحية ميدانية، ولا تتوفر لديهم المعدات أو الأدوية اللازمة، ليبقى التوجه إلى مناطق النظام هو السبيل الوحيد لإنقاذ حياة من يتدهور وضعهم الصحي، في وقت تغيب عن المخيم وسائل الوقاية من فيروس كورونا الجديد.
في هذا الإطار، يقول الممرض في مخيم الركبان، يوسف هدروس، لـ"العربي الجديد": "الوضع الصحي عموماً سيئ جداً، ولا تتوفر في المخيم كمامات أو ملابس واقية من فيروس كورونا، في وقت تغيب فيه الإجراءات الوقائية بالكامل بين أفراد المجتمع، وحتى اليوم لم يسجل أيّ اشتباه بالإصابة". يلفت إلى أنّ الأمراض المنتشرة، خصوصاً بين الأطفال هي التهاب الأمعاء، وحساسية القصبات الهوائية من جراء استنشاقهم روائح القمامة وما ينتج عن حرقها، إذ تعتبر مصدراً رئيسياً لصنع الخبز المنزلي والتدفئة". يتابع أنّ عملهم الصحي "يعتمد على ميزان للحرارة وجهاز لقياس الضغط فقط، وهذا كلّ ما يتوفر من معدات طبية، كما أنّ هناك نقصاً شديداً بالأدوية، والاعتماد هو على ما يجلبه المهربون معهم، وغالباً لا يصل سوى القليل من أدوية تخفيض الحرارة، أما أدوية الالتهاب والسيرومات فهي نادرة وأسعارها مرتفعة جداً. لدينا أسطوانة أوكسجين واحدة لكنّها فارغة، بسبب كلفة تعبئتها المرتفعة". يضيف: "لدينا في المخيم نحو 70 شخصاً في حاجة إلى تدخل جراحي، لكنّهم يرفضون الذهاب إلى مناطق النظام بسبب مخاوف أمنية، في حين هناك نحو 150 شخصاً يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى الدواء، و32 شخصاً من ذوي الإعاقة الحركية السفلية، يحتاجون إلى أدوية وغيرها من الاحتياجات".
من جهته، يقول الناشط الإعلامي المقيم في مخيم الركبان، خالد العلي، لـ"العربي الجديد": "يتعرض سكان مخيم الركبان للحصار وسياسة التجويع، لإجبارهم على العودة إلى مناطق النظام. ويجرى كلّ هذا بمعرفة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الغائبة تماماً عن المخيم". يضيف: "نطالب ونناشد الجميع بالتدخل لإنهاء معاناة سكان الركبان، خصوصاً الأطفال والنساء والمرضى، وعدم السماح للنظام بإجبارهم على العودة إلى نطاق سيطرته بشكل قهري".
بدوره، يلفت الناشط عمر الحمصي، من سكان مخيم الركبان، إلى أنّ "الأسر التي تقرر الخروج من الركبان إلى مناطق النظام، تتلقى عبر الهلال الأحمر السوري العلاج اللازم، لترسل بعدها إلى مخيم الواحة، وهو مخصص لمن يخرجون من الركبان، ويبعد عنه نحو 150 كيلومتراً، ويقع على مثلث دمشق - تدمر - طريق العراق. تمكث الأسر ثلاثة أشهر على الأقل هناك، ليجرى ترحيلها بعدها إلى مراكز إيواء في حمص، وعقبها بفترات متباينة يسمح لها بالعودة إلى مناطقها". يعلق لـ"العربي الجديد": "هذا الاحتجاز الذي يزعم النظام أنّه فترة حجر صحي باب منفعة لفرع البادية الأمني التابع له، عبر سرقة الإغاثة المخصصة أساساً للنازحين، في حين تجرى عقب إخراجهم من مراكز الإيواء ملاحقة الشبان من بينهم لإجبارهم على أداء الخدمة العسكرية في القوات النظامية".