يصعب أن يوفر النازحون السوريون الوقاية المناسبة لأبنائهم من مخاطر الإصابة بأمراض فصل الشتاء، خصوصاً حين يكونون في المدارس، وهذا ما تعاني منه فاطمة المهجّرة من ريف حمص الشمالي، والتي تقيم مع أطفالها الثلاثة في تجمّع مخيمات دير حسان في ريف إدلب.
يتسبب السعال بالضيق الأكبر لها ولأطفالها كونه يحرمهم من النوم ليلاً، وتشير إلى أنها تحرص على ارتداء أبنائها ملابس سميكة لدى ذهابهم إلى المدرسة، كما تبقي المدفأة في حال العمل في البيت، وتمنعهم من الخروج إلى غرفة ثانية باردة في بيتها الصغير.
تقول: "حين تعود ابنتي الصغرى من المدرسة مصابة بارتفاع طفيف في الحرارة أعلم أنني سأحُرم من النوم خلال الليل، لأن الأدوية التي أعطيها إياها لا تعالج سعالها بسرعة، وقد لا تنام حتى حلول الصباح، ثم أضطر إلى عدم إرسالها إلى المدرسة حتى تشفى تماماً. وأنا لا أعرف كيف تمرض لكنني أعتقد أنها تصاب بعدوى حين تلعب مع رفاقها في المدرسة".
وتقول النازحة إلى مخيمات مشهد روحين، علياء السلوم (33 سنة) لـ"العربي الجديد": "لم تفارق الأمراض التنفسية أبنائي الثلاثة منذ بداية موسم البرد هذا العام، نتيجة انتشار الأمراض المعدية في المدارس المزدحمة بالمخيم، وأنا أقدم علاجات لهم بالإمكانيات المتاحة حتى لو كانت قليلة مقارنة بحاجتهم إلى دواء وعلاج. أعاني من الأمراض المعدية التي تنتقل في المدارس، وتظهر في أجسام الأطفال سواء تلك الجلدية في فصل الصيف أو التنفسية في فصل الشتاء".
وتتحدث المعلمة نور العبد الرحمن (29 سنة) لـ"العربي الجديد" عن الصعوبات التي تعترض كوادر المدارس في المخيمات لدى مواجهتهم أي عدوى تصيب الأطفال داخلها، بسبب قلة الإمكانات وصعوبة الحصول على الدواء والمستلزمات الطبية اللازمة للعلاج، وأيضاً بسبب عدم وجود منظومة طبية داخل المدارس للحدّ من العدوى. وتقترح إنشاء نقاط طبية داخل المدارس للتعامل مع الأطفال وتوفير الأدوية اللازمة لهم، لأنهم الفئة التي تستهدفها الرعاية من المشاكل الصحية الناتجة من ازدحام المدارس، الذي يسّرع انتشار الأمراض المعدية بين الأطفال ذوي المناعة الضعيفة.
وتعزو أسباب انتشار الأمراض الى الأجواء الباردة، وازدحام المخيمات، والاعتماد على حرق مواد ضارّة للتدفئة، مثل النفايات وأكياس النايلون والفحم التي تطلق دخاناً كثيفاً. وكل هذه العوامل تنشر الأمراض، في حين يبقى العامل الأهم تكرر العدوى وانتشارها بين أطفال المدارس.
وأورد تقرير، نشرته منظمة "أطباء بلا حدود" في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن "الظروف المعيشية المتعلقة باستخدام مواد خطرة وناراً مكشوفة للحصول على تدفئة تعرّض الفئات المستضعفة في المخيمات، خاصة الأطفال وكبار السن، إلى مخاطر البرد وأمراض الجهاز التنفسي والعدوى ولسعات الصقيع".
ويقول طبيب الأطفال بسام الحميدو لـ"العربي الجديد": "فاق الانتشار الكبير لأمراض القصبات الشعرية والالتهابات التنفسية والربو المزمن قدرة المستشفيات الموجودة في المنطقة على استيعاب المرضى، خاصة الأطفال وتلاميذ المدارس، علماً أنه يجب منع الأطفال من الذهاب إلى المدرسة في حال ظهرت عوارض محددة عليهم، ويجب أن يلازموا المنزل حتى يتعافوا بالكامل منعاً لنقل العدوى إلى زملائهم. تشمل هذه الأعراض ارتفاع درجة الحرارة والعطس والرشح والسعال، حتى لو كانت بدرجات بسيطة، لمنع تدهور الوضع الصحي للطفل نفسه أو نقله العدوى إلى باقى زملائه في الصف".
ويشير إلى أنه يمكن رفع مناعة الأطفال لدى عودتهم من المدرسة عبر تنفيذ إجراءات بسيطة، أهمها تناول أغذية صحية وعصائر طبيعية، مثل البرتقال والليمون الغني بفيتامين "سي" الذي يقوي المناعة. كما يجب جعل الأطفال يعتادون على ضرورة الالتزام بارتداء الكمامات الواقية، والحفاظ على مسافات آمنة بينهم وبين زملائهم في الصف".
ويمكث مئات الآلاف من سكان شمال غربي سورية في مخيمات من قماش لا تحمي من العوامل الجوية، ولا تعزل الحرارة أو توفر الدفء، ما يعرّض الأطفال تحديداً إلى مخاطر الإصابة بأمراض في ظل عجز الأهالي عن وقايتهم أو تأمين علاجهم.
وتقدر الأمم المتحدة أن 800 ألف نازح يقيمون في خيام من قماش في شمال غرب سورية، والتي لم تستبدل معظمها منذ سنوات رغم أنها غير معدة للاستخدام أكثر من بضعة أشهر. ومع تراجع تلبية المتطلبات الإنسانية، ووجود عجز في تمويل نحو ثلثي المساعدات التي يجب توفيرها للمنطقة، لم توزع مساعدات التدفئة هذه السنة على نحو 62 في المائة من المستهدفين.