مدينة صاراي أونو ... مزيد من كنوز تركيا تحت الأرض

27 أكتوبر 2022
تتواصل الاكتشافات التاريخية في قونية التركية (كريس جاكسون/ Getty)
+ الخط -

كلما ظن المعاصرون أنهم يتفوقون على الأقدمين في تنفيذ المنشآت، يخرج اكتشاف أثري ليؤكد أن العلم والمعرفة وهندسة البناء أوجدت أعمالاً تعجز التكنولوجيا الحديثة عن تنفيذه. والحقيقة أن منشآت الأهرامات في مصر ومدينة ديرنكويو (الجن) في تركيا، وغيرها من أمثلة التحف المعمارية حول العالم، تؤكد جهل وظلم وسذاجة النظر إلى أسلاف الشعوب والدول بعين الاستهتار.
أخيراً، اكتشف باحثون في تركيا بالصدفة مدينة صاراي أونو الأثرية في ولاية قونية، التي صممت في الأصل لتكون تحت الأرض، بهدف التعامل مع الخوف من الغزاة المحتملين، وتفادي جنون الطبيعة. وتمتد المدينة على مساحة 5 آلاف متر مربع، وهي مجهزة، بحسب رئيس فريق التنقيب حسن أوغوز، بمنافذ للتهوية وممرات ومستودعات ومصادر إنارة، وكل المستلزمات التي تضمن بقاء كل من يلجأ إليها على قيد الحياة، مثل آبار المياه ومخازن الأغذية، كما تحتوي على أنفاق تصل المباني بالغرف، وتسمح بالتنقل والهرب في الحالات الطارئة.
ويخبر أوغوز وكالة أنباء "الأناضول" أن "مدينة صاراي أونو الأثرية تعود إلى العهد البيزنطي المبكر، وأن أدلة تكشف أن سكانها المحليين، وهم مسيحيون، كانوا يستخدمون المدينة للاحتماء من الغزاة، وأنها الوحيدة في قونية حتى الآن، وربما أكبر المدن المكتشفة تحت الأرض حتى الآن".

وتقول أستاذة التاريخ سيهان كارمان لـ"العربي الجديد": "من الطبيعي أن نرى مدناً تحت الأرض، سواء مدفونة نتيجة تعاقب الحضارات، أو بنيت في العمق في الأصل، وهو حال صاراي أونو التي اكتشفت حديثاً في قونية. وليس صحيحاً أن تركيا شهدت تعاقب أربع حضارات فقط، هي الرومانية والبيزنطية والسلجوقية والعثمانية"، بل سبع حضارات هي الحثية، والفريغية واليونانية والرومانية والبيزنطية والسلجوقية والعثمانية. وتدل معالم مدينة أموريوم في ولاية أفيون قره وصاراي أونو المكتشفة حديثاً في قونية على ذلك".
وتعتبر كارمان أن مدينة قونية أقدم من أفيون "فهي تعود، بحسب الدراسات والاكتشافات، إلى 7000 عام قبل الميلاد، رغم عدم تسليط الضوء عليها إلا خلال أيام حكم السلاجقة الذين اتخذوا المدينة عاصمة لهم. وتبقى ولاية كابادوكيا أهم عجائب تركيا فوق الأرض وتحتها، وتضم مدناً وكنوزاً لم تكتشف بعد، ويمكن أن تغيّر من كتابة التاريخ، كما غيّر معبد غوبكلي تبه الذي يعد من أقدم دور العبادة في العالم، وشيّد قبل أهرامات مصر بنحو 7 آلاف عام.
ويعتبر موقع غوبكلي تبه الجبلي في ولاية شانلي أورفة، المحاذية لمدينة الرقة السورية، أقدم معبد في العالم، إذ يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 12 ألف عام، ويحتوي على أقدم المنشآت المعمارية في العالم، ويصفه بعض الباحثين بأنه "نقطة انطلاق التاريخ".
وفي عام 1995، أعلنت تركيا اكتشاف العديد من الآثار، بينها رسوم وأشكال حيوانية تعود إلى العصر الحجري الحديث، وأطلال معبد غوبكلي تبه الذي يعد أحد أقدم دور العبادة في العالم.
وفي عام 2018، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" معبد غوبكلي تبه على قائمة التراث العالمي، وهو يضم أقدم مجموعة من المباني الصخرية شمال بلاد الرافدين. لكن جميع تلك الاكتشافات وما تذخر به تركيا من معالم أثرية، لا تقلل أهمية اكتشاف مدينة صاراي أونو الذي زاد طلب السياح على زيارة ولاية قونية التي تشتهر أصلاً بمعالم مدينة مولانا جلال الدين الرومي، بحسب ما يقول مدير شركة "أي الحياة" السياحية محمد آيدن لـ"العربي الجديد"، والذي يوضح أن "السياح الأوروبيين واليابانيين يطلبون عادة خلال جدولة رحلاتهم زيارة مدن قديمة، خصوصاً تلك المشيّدة تحت الأرض، علماً أن منطقة السلطان أحمد في إسطنبول تعتبر الأكثر استقبالاً للزوار في تركيا، لكن قليلين يعرفون أن طلبات كثيرة للزيارات تركز على المدن تحت الأرض، إلى جانب معالم آيا صوفيا والجامع الأزرق وقصر الطوب كابيه".

من المعالم الأثرية في قونية (Getty)
من المعالم الأثرية في قونية (Getty)

ديرنكويو
وفي خيارات المدن المشيّدة تحت الأرض في تركيا، التي يطلب السياح زيارتها، مدينة ديرنكويو التي تصنفها المنشورات السياحية في تركيا بأنها "أعظم المدن التي صُممت في التاريخ"، ليس بسبب سمعتها في العالم فقط، بل لما يقال عن تصميمها العبقري والمعقّد، واحتوائها على ممرات وقنوات ومنازل وأماكن دينية توجد كلها تحت الأرض.
وتتألف ديرنكويو، القريبة من منطقة "كابادوكيا" الشهيرة، من طبقات ومستويات تحت الأرض. ويبلغ عدد المستويات المكتشفة نحو 18 حالياً، مع توقع تضمنها المزيد من المستويات التي لم تكتشف بعد. ويصف علماء أثار تصميم هذه المدينة بأنه "معجزة حضارية لا تقل أهميته عن الأهرامات في حضارة مصر الفرعونية".
وتنسب مصادر تركية بناء ديرنكويو، التي تعني "الفتحة العميقة"، إلى قوم عُرفوا في التاريخ باسم "الفرينجاس"، وهم من مختلف أنحاء أوروبا، تتشابه لغاتهم مع تلك التي ينطق بها سكان صربيا والبوسنة وكوسوفو وألبانيا، وتمركزوا سابقاً وسط الأناضول، المعروفة حالياً بالجمهورية التركية.

آيدن تبه
وإلى جانب ديرنكويو التي تحتوي، بحسب دراسة للمؤرخة التركية أرزو أولاش، على 285 مبنىً تحت الأرض و204 خزانات مياه وأنفاق تربط المدينة بكابادوكيا، يهتم السياح بمدينة آيدن تبه الأثرية تحت الأرض في ولاية بايبورت شمال شرقي تركيا.
واللافت في مدينة آيدن تبه التي اكتشفت أثناء تنفيذ شركة مقاولات أعمال حفر عام 1999، أنها محفورة بالكامل وسط الصخور، ولم تستخدم فيها أي مواد بناء. ويشرح قائم مقام منطقة آيدن تبه، مصطفى أكين، أن المدينة تتألف من غرف صغيرة وصالات وممرات تعلوها فتحات مخروطية يُعتقد أنها كانت مخصصة للمراقبة والتهوية. ويشير إلى أن المكتشفات الحالية "غيض من فيض"، لأن أبحاث الآثار تشير إلى أن المدينة الأثرية تمتد حتى قلعة بايبورت.

قضايا وناس
التحديثات الحية

خزان البازيليك
ومهما قيل عن "تركيا تحت الأرض"، يبقى خزان البازيليك أو "القصر المغمور"، ضمن ما يسمى شبه الجزيرة التاريخية بمنطقة السلطان أحمد في إسطنبول، الأكثر جذباً وغرابة للزوار. وبني خزان البازيليك بأمر من الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأول عام 532 ميلادياً، ويتضمن 336 عموداً رخامياً بطول 9 أمتار في 28 صفاً، ويمتد على مساحة 138 متراً في الطول، و6.64 أمتار في العرض. 

ويتألف سقف الخزان من قناطر موضوعة من دون استخدام قوالب. وجرى تلييس جدرانه، التي تبلغ سماكتها 3.5 أمتار، بمادة خاصة من أجل منع تسرّب الماء، وهي تستطيع استيعاب 80 ألف متر مكعب من الماء. وبسبب تهافت السياح، استملكت بلدية إسطنبول عام 1940 منازل مشيّدة فوق الخزان، وأنشأت بناءً منظّما عند مدخل المنطقة. وبين عامي 1985 و1988، أجريت عملية تنظيف واسعة للخزان الذي أخرجت منه أطنان من الوحل، ثم رفعت الأعمدة القصيرة الموجودة في القسم الجنوبي الغربي، ووضعت قطع من صخرة أثرية رخامية قديمة تعود إلى العصور الأولى، ليتبدل أيضاً الدور الوظيفي للخزان، الذي يعرف اليوم باسم "القصر المغمور".

المساهمون