مساجد القدس... الهدم وسيلة لمحو الهوية الفلسطينية

15 نوفمبر 2024
مسجد القعقاع بن عمرو في القدس الشرقية (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعدت التهديدات بهدم المساجد في القدس بعد السابع من أكتوبر 2023، مدفوعة بدوافع سياسية وانتقامية، مع تولي إيتمار بن غفير وزارة الأمن الداخلي، مما أدى إلى استهداف مساجد بحجة البناء دون ترخيص.

- يعتبر هدم المساجد انتهاكاً لحرية العبادة للمقدسيين، حيث أصدرت سلطات الاحتلال أوامر هدم بحق مساجد، مما أثار استياء لجان الإعمار، ويشير الشيخ عكرمة صبري إلى أن هذه الإجراءات تضيق الخناق على المقدسات الإسلامية.

- يرى الباحثون أن استهداف المساجد يعكس رؤية الصهيونية الدينية لنزع القدسية عن المساجد، ويعتبر المحامي خالد زبارقة هذه الممارسات جزءاً من حرب دينية ضد الرموز الإسلامية والمسيحية.

زادت وتيرة التهديدات بهدم المساجد في القدس المحتلة من قبل بلدية الاحتلال الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأخذت طابعاً سياسياً تحركه دوافع انتقامية. وخلال العام الجاري، سجلت زيادة في عدد المساجد المهددة بالهدم، وخصوصاً مع تسلم الوزير المتطرف إيتمار بن غفير حقيبة وزارة الأمن الداخلي والمسؤولية عن مراقبة أعمال البناء الفلسطيني في القدس، وهي مسؤوليات كانت حتى قبل السابع من أكتوبر محصورة ببلدية الاحتلال. 
وطاولت الإخطارات وعمليات الهدم في الآونة الأخيرة مساجد في أحياء وبلدات القدس، وخصوصاً في جبل المكبر ورأس العامود وحتى في مناطق متاخمة للقدس، بالإضافة إلى قرية جبع شمال شرق القدس وسط الضفة الغربية. وتتذرع سلطات الاحتلال في تنفيذ عمليات الهدم بـ "البناء دون ترخيص"، في وقت لا تمنح التراخيص بحجة عدم وجود مخططات هيكلية للبناء، أو تفرض رسوماً مالية خيالية في مقابل الحصول على ترخيص بناء.
في هذا الإطار، يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الاحتلال بات ينفذ عمليات هدم لكل ما يشيده المقدسيون من منشآت ومبان، سواء كانت منازل للإيواء أو منشآت تجارية، فيما أضيف مؤخراً استهداف مقصود للمساجد، وهذا من مستجدات ما بعد السابع من أكتوبر". يضيف أن "الجهات الأكثر تطرفاً في دولة الاحتلال تفرض هيمنتها على المؤسسات، وهذا ما يفسر استهداف المساجد في غزة بالتفجير والنسف. فقد دمر الاحتلال حوالي 79% من مساجد قطاع غزة".
ويعتبر الحموري أن المس بالمساجد في القدس من خلال هدمها بذريعة البناء غير المرخص يعد انتهاكاً لحرية المواطنين المقدسيين في العبادة وممارسة عقائدهم الدينية. ويذكر أن سلطات الاحتلال كانت قد أصدرت أوامر هدم بحق مسجد محمد الفاتح في رأس العامود، ومسجد القعقاع بن عمرو في القدس والمكون من طابقين. وغالباً ما اشتكت لجنة إعمار مسجد محمد الفاتح من الملاحقة القضائية بعد رفض اللجنة هدم القسم الجديد. وكانت لجنة المسجد قد بادرت قبل ثلاث سنوات إلى توسيع المسجد لعدم اتساعه لكافة المصلين.

استهداف وهدم مساجد القدس انتهاك لحرية المقدسيين في العبادة

ويؤكد عضو لجنة إعمار المسجد محمد ناصر، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن أهالي الحي اضطروا قبل سنوات إلى بناء القسم الجديد من دون تراخيص بعدما يئسوا من محاولات استصدارها. ويقع المسجد في منطقة استراتيجية وسط البوابة الجنوبية للبلدة القديمة من القدس، علاوة على كونه ملاصقاً لمقبرة عين الزيتون اليهودية.
ومسجد الفاتح الذي بني عام 1965 على أرض وقفية، وبتصاريح بناء أردنية، تغيرت تسميته من مسجد رأس العامود إلى مسجد محمد الفاتح ضمن قرار هيئة الأوقاف بخلع تسميات تاريخية على مساجد القدس.
ويقول رئيس الهيئة الإسلامية في القدس، الشيخ عكرمة صبري، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن الاستهداف المتصاعد ضد المساجد في القدس بالهدم إنما يندرج في سياق سياسة الاحتلال تضييق الخناق على المقدسات الإسلامية، وخصوصاً تلك القائمة في مواقع حساسة.
يُذكر أن مسجد خالد بن الوليد في حي الطور بمدينة القدس يواجه هو الآخر أوامر هدم على الخلفية ذاتها المتعلقة بتراخيص البناء. كما أن مسجد الرحمن في بلدة بيت صفافا في القدس، الذي شُيّد عام 1933، لم يسلم من أوامر الهدم لإزالة قبة المسجد التي تشبه في تصميمها ولمعانها الذهبي اللافت قبة الصخرة داخل الحرم القدسي. وتدعي بلدية الاحتلال أن 700 متر مربع من المسجد جرى بناؤها من دون تصريح أو موافقة من مهندسي البلدية، وبالتالي تشكل تهديداً على السلامة العامة.

بعد تدمير مسجد شهداء الأقصى في غزة (دعاء الباز/ الأناضول)
بعد تدمير مسجد شهداء الأقصى في غزة (دعاء الباز/ الأناضول)

في السياق، يرى الباحث المختص في شؤون القدس والمقدسات زياد ابحيص، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن عمليات هدم المساجد هي ممارسة انتهجها جيش الاحتلال في قطاع غزة، وكان يتعمد تفخيخها وتدميرها رغم عدم وجود أحد فيها. وها هو يكررها اليوم في لبنان. وتقوم بالمثل الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال في الضفة الغربية وبلدية الاحتلال في القدس كما في جبل المكبر، ويأتي تشديد استهداف المساجد تحديداً في ضوء صعود حركة الصهيونية الدينية وتنامي نفوذها في كل هذه المؤسسات".
ويقول ابحيص: "يمكن أن يقرأ في هذا الاستهداف المتعمد والمتزايد للمساجد بجوانب عدة، أبرزها محاولة نزع الخصوصية والقدسية عن المسجد، باعتباره معرضاً للهدم كأي منشأة أخرى تحت ذريعة عدم الترخيص أو تحت أي ذريعة أخرى تستحدثها مؤسسات الاحتلال. وكونه مسجداً لا يمنحه أي حصانة، ما يعني أن امتهان قيمة المسجد ونزع القدسية عنه بات هدفاً بحد ذاته للمؤسسات الصهيونية".
وبحسب ابحيص، يشمل الاستهداف المتعمد للمساجد ترجمةً لرؤية الصهيونية الدينية باعتبار المسجد بوابة الحسم؛ فهدم المقدّس في أي حي يعني إمكانية هدم بقية الحي بالكامل، فإذا كان مسجد الحي عرضة للهدم رغم قدسيته، فبيوته بالتأكيد لن يبقى لها حصانة، وكذلك مدارسه ومستوصفاته، وهذا ما طبقه ويطبقه بالفعل في عدة أماكن.
ويؤكد ابحيص أن جيش الاحتلال في حرب الإبادة على غزة ينظر إلى المساجد باعتبارها هوية، وحرب الإبادة لا بد أن تشمل إبادة البشر ولغتهم وهويتهم بالكامل، وهو ما يجعل المسجد هدفاً بحد ذاته وأحد عناوين ترويع وإرهاب الناس لعدم العودة إلى هذه الأرض بعدما أزيلت بيوتهم وأرزاقهم ومساجدهم وكنائسهم. إذ لم يستثن جيش الاحتلال الكنائس في جنوب لبنان من التفخيخ والتفجير المتعمد.
بدوره، يقول المحامي خالد زبارقة لـ "العربي الجديد"، إن "الجرأة على المساجد والمآذن كما رأيناها هي انعكاس للحرب الدينية التي يقودها نتنياهو على كل رمز من الرموز الإسلامية، وهو تعد واضح على المقدسات الإسلامية والمسيحية (حدث قصف لكنيسة ودير في غزة)، وهذا يعتبر جريمة ضد الإنسانية وممارسات غير أخلاقية تقوم بها حكومة نتنياهو ضد الديانات والشرائع السماوية غير اليهودية".

وفي تفسيره لهذا الاستهداف المقصود للمساجد، يقول الباحث عماد أبو عواد لـ"العربي الجديد": "إن استهداف المسجد موجود في العقلية والذهنية الإسرائيلية، إذ يعتبر المسجد دلالة على البعد الإسلامي، وهم يرون أنه يفرخ القيادات والكثير من الشبان الذين يقاومون، كما يعتبر الاحتلال المساجد بؤر تحريضية ضد وجوده، وبالتالي يأتي استهدافها في هذا السياق".
ويتابع أبو عواد: "يحكم إسرائيل اليوم فئة من المتدينين الصهاينة الذين يتعاملون مع الصراع على أنه ذو بعد ديني كامل، ما يعني أن استهداف المسجد يدخل في إطار البعد الديني وفي صلب العقيدة التوراتية التلمودية التي يتبناها الوزيران في حكومة الاحتلال، بتسلائيل سموترتيتش وإيتمار بن غفير، وبالتالي يحدث التزاوج بين البعد الديني، وبعد طمس الهوية الفلسطينية الإسلامية، وهناك بعد أمني وهو أن المسجد يشكل خطراً من حيث ما يخرجه من فكر مناوئ للاحتلال، وبرأيي أن هذا سيكون له تداعيات مستقبلية".

المساهمون