مستشفى شهداء الأقصى... مسلسل قصف مراكز غزة الصحية يتواصل

08 يناير 2024
وصل عشرات المصابين إلى مستشفى شهداء الأقصى (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
+ الخط -

قصف الاحتلال الإسرائيلي مستشفى شهداء الأقصى في وسط قطاع غزة، مساء الأحد، وهو المركز الطبي الأكبر في وسط القطاع، ويقدم خدماته لآلاف المواطنين، في حين تدنت الخدمات الطبية في أنحاء القطاع في ظل عمل 13 مستشفى من أصل 35 كانت تعمل قبل العدوان الإسرائيلي.
ويواصل الاحتلال محاولاته لتدمير منطقة وسط القطاع بالكامل، عبر جعل سكانها، بمن فيهم سكان أربعة مخيمات كبيرة، لا يجدون الغذاء ولا العلاج، وذلك ضمن مساعي حصر جميع الغزيين في مدينة رفح. وخلال الشهرين الأخيرين، اضطر كثير من أفراد الطواقم الطبية والعاملين في المنظمات الأممية والدولية إلى مغادرة المنطقة إلى الجنوب خشية أن تتعرض لسيناريو الاقتحام الذي تعرضت له مستشفيات الشمال.
يوجد أحمد أبو عمرة وعدد من أفراد عائلته في محيط مستشفى شهداء الأقصى، وكان شاهداً على قصف المستشفى، وهو يؤكد وجود عدد قليل من الطواقم الطبية والصحافيين في داخل المستشفى، فضلاً عن عدد من الجرحى والمرضى، وعدد قليل من النازحين، وغالبيتهم من ذوي الجرحى الذين يعجزون عن مغادرة المستشفى.
يقول أبو عمرة لـ"العربي الجديد: "لا تزال الطائرات المسيرة وطائرات (الكواد كابتر) تطلق النار على كل من يقترب من المستشفى، وحتى من يحاولون مغادرتها. استطاع البعض الخروج من المستشفى، لكن لا تزال الحركة في المنطقة خطرة، وهناك عدد من المصابين الجدد، والناس عاجزون عن الوصول إليهم. منذ لحظة إعلان جيش الاحتلال تغيير الممر الآمن للنزوح من شارع صلاح الدين الذي يربط محافظات القطاع الخمس من الناحية الشرقية، إلى شارع الرشيد المطل على شاطئ البحر، بدأ الاحتلال استهداف كل من يتحرك في شارع صلاح الدين، والذي يبعد أقل من كيلومتر واحد عن بوابة مستشفى شهداء الأقصى. يبدو أن الاحتلال يسعى إلى احتلال شرقي قطاع غزة بالكامل، ويشمل ذلك السيطرة على المستشفى ومخيم دير البلح".

تضم منطقة وسط قطاع غزة أربعة مخيمات تؤوي عشرات آلاف النازحين

ويخدم مستشفى شهداء الأقصى أكثر من ربع مليون نسمة في مناطق وسط قطاع غزة، بمن في ذلك سكان المحافظة الوسطى التي تضم مخيمات دير البلح والنصيرات والبريج والمغازي، ومدينتي دير البلح والزهراء، وقرى المغراقة والزوايدة وجحر الديك ووادي السلقا.
ويعتبر المستشفى الوحيد في المحافظة الوسطى الذي يضم أقساماً علاجية متكاملة تعمل على مدار الساعة، وتولت تأسيسه وزارة الصحة الفلسطينية في عام 2001، ضمن خطة طوارئ لعلاج المصابين في "انتفاضة الأقصى"، لكنه أصبح لاحقاً مستشفى كبيراً، وعملت وزارة الصحة في غزة على تطويره خلال السنوات الأربع الأخيرة، وتوسيع مبانيه ليمكنه التعامل مع الزيادة السكانية.
ويقول طبيب الطوارئ رشيد عبد الله، من داخل المستشفى، إن "الطائرات المسيرة الإسرائيلية قريبة جداً، وتستطيع الطواقم الطبية رؤيتها بالعين المجردة، وهي توجد بكثافة فوق وفي محيط المستشفى، كما تطلق النار بشكل متكرر، وتستهدف مناطق عديدة في مدينة دير البلح، وليلة قصف المستشفى كانت من أصعب الليالي على الطاقم الطبي الذي كان يعمل تحت ضغط كبير".

يسعى الاحتلال إلى تفريغ مستشفى شهداء الأقصى (علي جاد الله/الأناضول)
يسعى الاحتلال إلى تفريغ مستشفى شهداء الأقصى (علي جاد الله/الأناضول)

وحسب وزارة الصحة في غزة، وصل 73 شهيداً و99 مصاباً إلى مستشفى شهداء الأقصى خلال الساعات الـ24 التالية للقصف، لكن الطبيب رشيد عبد الله يؤكد أن الأعداد تزايدت لاحقاً، ويقترب عدد الشهداء من المائة، بينما وصلت عشرات الإصابات الإضافية من مدينة دير البلح ومن منطقة الزوايدة القريبة. ويضيف لـ"العربي الجديد": "نواجه نقصاً كبيراً في الكوادر الطبية بينما يتوافد المصابون والشهداء، ويتخوف الجميع أن يتكرر معنا سيناريو مجمع الشفاء الطبي، أو المستشفى الإندونيسي، أو التعرض لمجزرة مماثلة لما جرى في مستشفى كمال عدوان، ما دفع الكثير من النازحين إلى المغادرة إلى غربي مخيم دير البلح، وبعضهم غادر إلى جنوبي القطاع وإلى مدينة رفح".
ويوضح عبد الله: "الوضع خطير على الكوادر الطبية، والغالبية يتخوفون من الاعتقال، فقد اعتقل الاحتلال عدداً كبيراً من الطواقم الطبية في مستشفيات قطاع غزة، لكن الأمانة المهنية تجعل كثيرين يواصلون العمل، لكن الكثير من عمال النظافة فروا مع أسرهم عندما بدأ الاحتلال إطلاق النار في محيط المستشفى، ونعاني حالياً من مشكلة نظافة، فضلاً عن استمرار تقديم الخدمة الطبية تحت الخطر".
وأكدت وزارة الصحة في غزة، في بيان، أن الاحتلال الإسرائيلي يقوم بإرهاب المرضى والطواقم الطبية في مستشفى شهداء الأقصى من خلال الطائرات المسيرة، والتي كانت تطلق نيرانها بكثافة تجاه أقسام وساحات المستشفى بهدف إفراغه، ثم أصبحت تستهدف كل من يتحرك في محيطه، وأوضح البيان أن "الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى إخراج المستشفى عن الخدمة من خلال الاستهداف بالمسيرات، ما يعني حكما بالإعدام على مئات الجرحى والمرضى في منطقة وسط القطاع".

عائلات كاملة أصيبت في القصف الإسرائيلي (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)
عائلات كاملة أصيبت في القصف الإسرائيلي (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

ودفع القصف الإسرائيلي المتواصل عدداً من المنظمات الطبية الدولية إلى الانسحاب إلى جنوبي القطاع، بعد أن كانت عناصرها تساند الطواقم الطبية في إجراء العمليات الجراحية وخدمات الرعاية الطبية الأولية، وأعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" سحب موظفيها من المنطقة الوسطى، بما في ذلك مستشفى شهداء الأقصى، على خلفية تزايد الهجمات الإسرائيلية، كما أعلنت جمعية العون الطبي للفلسطينيين، وفريق الطوارئ الطبي التابع للجنة الإنقاذ الدولية انسحابهما من مستشفى شهداء الأقصى، بسبب تزايد النشاط العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وأكدت تلك المنظمات أنها تواجه صعوبة في إجلاء موظفيها وعائلاتهم.

اضطر كثير من أفراد الطواقم الطبية إلى النزوح مع عائلاتهم جنوباً

وكان النازحون إلى مستشفى شهداء الأقصى يمثلون نسبة كبيرة من سكان وسط قطاع غزة، لكن كثيرين منهم لم يتمكنوا من النزوح جنوباً رغم أن شارع صلاح الدين يفصله دقائق فقط عن بوابة المستشفى، إذ كان الخطر يهدد كل من يتحرك، بينما كان النزوح إلى غربي مدينة دير البلح أو إلى مخيم المدينة صعباً كونهما مكتظين بالنازحين، ومراكز الإيواء فيهما ممتلئة، وتعجز عن استقبال مزيد من النازحين.

ويعتبر مخيم دير البلح أصغر مخيمات قطاع غزة الثمانية، وقد امتلأ عن آخره بعد مرور أسبوعين على بدء العدوان الإسرائيلي، إذ كان الاحتلال يكرر عبر منصاته الناطقة باللغة العربية أن دير البلح منطقة آمنة، كما تكتظ المدارس الثماني التابعة لوكالة أونروا، والمدارس الحكومية في المحافظة.
نزحت سوزان أبو العطا إلى مدينة رفح صباح أمس الاثنين، وهي حالياً في العراء تنتظر العثور على مكان يؤويها، وتقول لـ"العربي الجديد": "قرر الاحتلال تهجير سكان مخيم البريج وأجزاء كبيرة من مخيم المغازي، فاتجه الناس بسرعة عبر شارع صلاح الدين إلى ساحات مستشفى شهداء الأقصى في ظل جهلهم إمكانية الوصول إلى جنوب القطاع، والقصف الأخير دفعنا إلى النزوح باتجاه الغرب، وقد قطعنا مسافة كبيرة سيراً على الأقدام قبل التوجه إلى الجنوب، وصولاً إلى منطقة المواصي في مدينة خانيونس، ثم تحركنا إلى مدينة رفح".

عند وصولها إلى مدينة خانيونس، صدمت أبو العطا (47 سنة) من طرد وكالة أونروا لها ولأفراد عائلتها الذين يبلغ عددهم نحو 20 فرداً، حين حاولت البقاء في إحدى مدارس الوكالة، وتكرر الأمر نفسه في مدرسة أخرى بمدينة رفح، لتقضي الليل في العراء، وهي تنتظر أن يتم تأمين مكان يعيشون فيه. 
تقول: "زوجي وابني استشهدا في حي الشجاعية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكنت نازحة إلى مخيم البريج، ونجوت من موت محقق. كنت أتمنى أن أموت شهيدة، لأننا نموت ألف مرة، ثم نزحت إلى داخل مستشفى شهداء الأقصى، وكانت الطائرات تتعمد إطلاق النار باتجاهنا، وكدت أصاب عدة مرات، وفي كل يوم أتمنى الموت، فالموت أرحم من تكرار النزوح".
ورفضت وكالة غوث وتشغيل النازحين الفلسطينيين "أونروا" السماح لأعداد كبيرة من النازحين بدخول مدارسها، رغم أن من بينهم أعدادا كبيرة من الأطفال والنساء والمسنين الذين غادروا مستشفى شهداء الأقصى ومحيطها نحو الجنوب، وأصدرت الوكالة، صباح الاثنين، بياناً قالت فيه: "ملاجئنا مكتظة للغاية، ولم يعد بإمكاننا استيعاب المزيد من النازحين، والضغط على سكان غزة هائل، ولا نعلم كم من الوقت سيتحملون هذه الظروف القاسية من دون غذاء ومياه ومأوى".

المساهمون