ثمانون عاماً لم تمنع التونسي منصف بسباس من مواصلة زراعة الأشجار والنباتات، وهي عادة دأب عليها منذ أكثر من ثلاثين عاماً. ورغم تقدمه في السنّ، إلا أنه ما زال شغوفاً بالطبيعة والزراعة.
ويقول بسباس لـ"العربي الجديد": "لولا قلة المساحات الصالحة للزراعة وعدم ملكيتي لها لأنشأت غابات بأكملها".
شغف بلا حدود
بدأ التونسي بسباس زراعة الأشجار في حديقة بيته الذي أحاطه من جميع الجوانب بنباتات مختلفة الألوان والأشكال، حتى بات مميزاً وسط الحي في العاصمة تونس، وصار يضاهي اللوحات الفنية في الجمال والترتيب.
ضاقت مساحة الحديقة ولم تعد تتسع لعدد أكبر من النباتات، لكن بسباس فكّر في طريقة يواصل بها زراعة الأشجار التي يعرف جيداً أهميتها في المحافظة على التوازن البيئي.
عمل بسباس على تشجير الحي الذي يقطنه، لكن الأمر لم يكن هيناً، فالمساحة الوحيدة الخالية من العمران مكبّ للنفايات وأرض غير مهيأة للزراعة تمتد على مساحة هكتار تقريبا. يقول إنه لم يتردد في بذل الجهد لتهيئتها قبل ثلاثين عاماً من الآن، دون كلل أو تذمر، وهو يفكر في تحقيق حلمه بإنشاء حديقة كبيرة تضم نباتات مختلفة.
بدأ العمل حثيثاً بتنظيف وتهيئة المساحة بعد تسوية وضعية قطعة الأرض مع البلدية التي رحبت بالفكرة، فتغيير مكبّ الفضلات إلى مساحة خضراء لا يمكن إلا أن يعود بالنفع على سكان المنطقة.
حاول كثيرون ثني منصف بسباس عن إنشاء الحديقة بحجة أن الأمر مكلف مادياً وبدنياً، لكنه أصرّ على تنفيذ مبادرته، وبدأ في زراعة أشجار على امتداد مساحة الأرض، وهو يعتني بها يومياً كأبنائه تماما. يشدد على أنه "لا فرق لدي بين اعتنائي بأولادي واعتنائي بأشجاري".
حديقة الميموزا
وتختلف الأشجار والنباتات في حديقة منصف بسباس وتتعدد تسمياتها وأحجامها، إذ تتضمن المحلي، على غرار أشجار النخيل والزيتون والصبار، ومنها ما هو مستورد من الخارج، مثل شجرة الميموزا النادرة ذات الأزهار الصفراء العطرية، التي أطلق اسمها على حديقته.
أصبحت الحديقة وارفة الظلال تلوح للمارين من طريق المنار، وسط العاصمة، بأشجارها الكثيفة وألوانها البديعة، لتكسر مشهد الاختناق العمراني الذي يغلب على أحياء العاصمة تونس.
وعلى امتداد 30 عاماً لم يتوقف التونسي منصف يوما عن الزراعة والتشجير والري، حيث تجاوز عدد النباتات والأشجار في الحديقة أكثر من 500 شجرة، ويؤكد لـ"العربي الجديد": "تقينا المساحات الخضراء من درجات الحرارة العالية، وهي سد منيع ضد التلوث يفصل الحي عن الطريق السريع المليء بثاني أوكسيد الكربون، والذي تمتصه الأشجار لتحوله إلى أوكسجين".
يطمح منصف إلى تعميم مبادرته على جميع المحافظات في ظل مخاوف عالمية من التغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض، بسبب التلوث والتصحر وغيرها من المخاطر البيئية الجسيمة.