تساعد مشاريع الدعم الاقتصادي والاجتماعي التي تنفذها منظمات خيرية عدداً كبيراً من ذوي الاحتياجات الخاصة في مناطق سيطرة المعارضة شماليّ سورية على مواجهة ظروف الحياة المختلفة وأهمها فقدان العمل، وبينها مشروع "عفاف" لتزويج شبان معوقين من مصابي الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة الذي يساهم في نفقات الزواج وإقامة أعراس جماعية لهم، بهدف منحهم فرصة تكوين أسرة، ووضعهم بالتالي على سكة الحياة.
يقول محمد عيد المحمد (24 عاماً) من قرية الطرفاوي في ريف حماة لـ"ألعربي الجديد": "حوّل مشروع "عفاف" الذي تدعمه منظمة الرحمة بلا حدود حياتي نحو الاستقرار، وأرى أنه ناجح جداً".
يتابع: "انضممت إلى مشروع "عفاف" عبر رابط على وسائل التواصل الاجتماعي، وحصلت على قبول باعتباري استوفي أهم الشروط على صعيد أن أكون أعزب ولدي إصابة. ثم طلب مني القيّمون على المشروع استكمال توفير الإجراءات والأوراق اللازمة، مثل إجراء تحاليل طبية، ومتابعة دورات تثقيفية دينية. وبعد إنجاز الإجراءات المطلوبة تسلمت مبلغ 1000 دولار على دفعتين، قبل العرس وبعده، لإنفاقه على تكاليف الجهاز. ثم أحيا مشروع "عفاف" حفل زواج جماعي لـ40 ثنائياً في مدينة الدانا. وكانت مراسم الزواج والضيافة أكثر من ممتازة، وحضر عدد كبير من الأصدقاء والمعارف والأقارب الذين دُعوا إلى الحفل".
يضيف: "لولا مساعدة المشروع، لما استطعت الزواج، لأنني غير قادر على تغطية تكاليف الزواج بسبب وضعي المادي السيئ، كذلك فإنني لا أستطيع العمل، إذ لدي إصابة بتر في يدي اليمنى، وأعصاب مقطوعة في قدمي اليمنى".
ويشير إلى أن "أغلب الشبان الذين لديهم إصابات يسكنون في المخيمات، وهم غير قادرين على الزواج لعجزهم عن تأمين قوت يومهم. وقد خلق هذا العرس الجماعي فرصة جيدة للتعارف مع عرسان آخرين أصبحوا أصدقاء لنا، وعزز في نفوسنا المشاعر الجيدة بأن الخير ما زال موجوداً ما دام يقدّر أشخاص ظروف مصابي الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة، ويهتمون بهم وبمعاناتهم واحتياجاتهم".
ويعلّق حسن حلبية من ريف دمشق بالقول لـ"لعربي الجديد": كانت تجربة مشاركتي في مشروع "عفاف" الذي انضممت إليه عبر رابط على مواقع التواصل الاجتماعي جيدة جداً، علماً أنني قُبلت بسرعة وسهولة، لأنني مصاب حرب، ولدي بتر في طرفين. والشباب في شمال غرب سورية بحاجة ماسة إلى مثل هذه المشاريع التي تساند نهوضهم".
يتابع: "بالنسبة إلى ترتيبات العرس كانت جيدة، في ظل تعاون الجميع لتوفيرها. ولم أتوقع أن يكون الحفل بهذا الشكل، وأن يحظى بنجاح كبير. والأكيد أنه لولا مشاركتي بهذا المشروع لما استطعت الزواج، والمبادرة كانت طيبة، وتبقى أفضل من أن يكون المبلغ ديناً لن يستطيع الشاب أن يوفيه بعد الزواج بسبب زيادة مسؤولياته، خاصة أن أغلب المصابين بلا عمل بسبب وضعهم الصحي".
ويرى الاختصاصي النفسي باسل نمرة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأعراس الجماعية التي تقام في شمال غرب سورية لها أثر ودور كبيران في تعزيز التكافل الاجتماعي. فحين يتشارك العرسان فرحتهم مع آخرين، ترتاح نفوسهم، فكل إنسان يحتاج إلى مشاركة لحظاته الحلوة والأليمة مع محيطه. وعندما تحصل مراسم العرس ضمن مجموعة، يشعر المتزوجون بأن المجتمع يقف معهم، ويشاركهم أفراحهم رغم كل الظروف، وهذا أفضل نوع من التكافل الاجتماعي. وحتى عندما يكون العرس جماعياً تخفّ الأعباء والمصاريف".
يضيف: "وضع المصابين في شمال غرب سورية أليم، وهم يحتاجون إلى برامج كثيرة للدعم النفسي. والأعراس والأفراح الجماعية نوع من أنواع برامج الدعم النفسي إذا نظمت في شكل صحيح، وتجلب آثاراً نفسية جيدة جداً على مصابي الحروب وذوي الاحتياجات الخاصة الذين يشعرون بأن المجتمع يدعمهم، ويقف إلى جانبهم ولا يتخلى عنهم لتكوين أسر، وأن لا شيء يعوق أن يفرح الجميع معهم ويدعمهم ويساندهم".
ويعتبر نمرة أن المجتمع يلعب دوراً كبيراً في بناء برامج كاملة للدعم النفسي والاقتصادي، ويجب أن يجعل مصابي الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة يشعرون بأنهم ليسوا عالة على المجتمع، وأنهم يملكون استقلالية وفعّالية رغم كل ما تعرضوا له والظروف التي مروا بها. وبيّن أنّ الأدوار الأساسية للمجتمع أيضاً دعم تعليمهم مهناً تناسب أوضاعهم الصحية.
ويقول أنس محمد رفعت التكلة (25 عاماً) المتحدر من الغوطة الشرقية لـ"العربي الجديد": "حصلت على قبول في مشروع "عفاف" لكوني مصاب ببتر في قدمي. كان المشروع جيداً من كل النواحي، إذ قدم مبلغاً مالياً لدعم الزواج جعلنا نشعر بأن الدنيا ما زالت في خير. وأرى أنّ من الأفضل أن يتضمن المشروع مرحلة ثانية تساعد في فتح بيت، فأغلب الشباب تزوجوا، لكنهم غير قادرين على إعالة أسرهم. ولو يجري تأمين فرص عمل أو مبلغ مالي يسمح للشاب بفتح مشروع صغير لإعالة أسرته، وتأمين احتياجاتها الضرورية، لكان الوضع أفضل".