تقف الثلاثينية المصرية ألفت مجدي في مطبخها لتحديد ما يمكن أن تمنحه لابنيها الصغيرين وجبة مدرسية، فقد أصبحت مهمة تجهيز الوجبات المدرسية مصدراً إضافياً للقلق. كانت مجدي تعيش حياة مستقرة مع زوجها قبل أن تتغير الأمور بسبب موجة الغلاء التي طاولت كل شيء، وسبّبت ارتفاع أسعار الأغذية، بما في ذلك الخبز.
ينتظر الأطفال أن تضع لهم الأم وجبة مغذية في حقيبة الطعام المدرسية المعروفة شعبياً باسم "اللانش بوكس"، في حين تقف الأم عاجزة عن فعل ذلك بسبب ارتفاع الأسعار الذي يجعل الوجبات المدرسية أحد أبرز الهموم اليومية، قبل أن تقرر الاكتفاء بأنواع رخيصة من الجبن، واستبعاد مكونات أخرى اعتاد عليها الأطفال.
تعكس تلك القصة أوضاعاً اجتماعية مؤلمة يعيشها كثير من المواطنين المصريين المتضررين من التأثيرات الاقتصادية السلبية على تفاصيل حياتهم اليومية، وتواجه الأسر تحديات متزايدة للحفاظ على رغبات الأطفال واحتياجاتهم في ظل الصعوبات المالية القائمة.
تقول رحمة ياسين (41 سنة)، وهي أم لطفلين في المرحلة الإعدادية، لـ"العربي الجديد": "أصبحنا في وضع سيئ بعد ارتفاع الأسعار، وأصبح تحضير (اللانش بوكس) مكلفاً، لكن لا يمكننا إلغاؤه كونه ضرورة يومية لسد جوع الأطفال أثناء فترة الدراسة التي تمتد منذ استيقاظهم في السادسة صباحاً حتى عودتهم إلى المنزل في الثالثة عصراً. في السنوات السابقة كنت أهتم بتقديم وجبة صحية لأطفالي، تحتوي على عناصر غذائية متنوعة بين البروتين والخضروات والفاكهة، لكن بعد ارتفاع الأسعار أصبحت أبحث عمّا يسدّ جوعهم، ولم أعد أهتم بمسألة القيمة الغذائية".
ويوضح حازم أحمد، وهو أب لثلاثة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، لـ"العربي الجديد": "أصبح (اللانش بوكس) جبهة جديدة يناضل فيها الآباء والأمهات من أجل تلبية احتياجات الأبناء، فوجبة المدرسة لثلاثة أطفال قد تصل كلفتها الشهرية إلى ثلاثة آلاف جنيه على أقل تقدير بسبب ارتفاع الأسعار، ما يؤثر على ميزانية المنزل، ويجبرنا على خفض النفقات في أمور أخرى، أو الاعتماد على الوجبات غير الصحية الأقل كلفة. محتويات الوجبة المدرسية تختلف بين أسرة وأخرى بحسب الإمكانات المادية، لكن الغلاء ألقى بظلاله على مختلف مناحي الحياة، وجعلها عبئاً كبيراً على كاهل المواطنين بكل فئاتهم".
من جانبه، يقر وكيل اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الشيوخ، النائب ياسر زكي، وهو مستثمر في مجال الألبان والأجبان، بارتفاع الأسعار، ويقول في تصريحات صحافية، إن "منتجات الأجبان يفترض أنها أرخص بروتين يمكن للمواطن أن يتناوله حالياً، ما يبين أهمية تلك الصناعة، وسبب ارتفاع أسعارها هو ارتفاع أسعار الخامات، خصوصاً الزيوت النباتية التي تشكل المكون الأهم في صناعة الجبن، والتي يجري استيرادها. زيت النخيل ارتفعت أسعاره بنسبة 45 في المائة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وزادت أسعار الأجبان أكثر من 15 في المائة، ونحو 50 في المائة من خامات إنتاج الأجبان مستوردة، وهي تتأثر بارتفاع سعر الدولار، والمطلوب هو توطين الصناعة محلياً".
بدوره، يؤكد المشرف الاجتماعي في إحدى المدارس، محمد عبد اللطيف، لـ"العربي الجديد"، أن "الصعوبات الاقتصادية ساهمت في زيادة معاناة كثير من أولياء الأمور، ما يضعهم في مواجهة العديد من الخيارات الصعبة لتوفير الغذاء الصحي لأطفالهم، وهذا يؤثر سلباً على التغذية السليمة للأطفال، فضلاً عن شعورهم بالتمييز الاجتماعي. يفترض بالحكومة العمل على توفير وجبات مدرسية مدعومة بأسعار مناسبة، وتعزيز التوعية بأهمية تناول وجبات صحية، وتوفير خيارات متنوعة بأسعار معقولة للأسر بما يضمن التغذية السليمة للأطفال".
وتؤكد طبيبة الأطفال باكينام إبراهيم لـ"العربي الجديد"، أنّ "تنويع مصادر التغذية، وحصول الطفل على غذاء صحي عبر تناول الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية الأساسية مهمّان، ما ينعكس إيجاباً على تركيزهم أثناء اليوم الدراسي، وتقوية الجهاز المناعي. ننصح دائماً بتوفير الأكلات المفضلة للأطفال مع تدعيمها بعناصر غذائية عالية الجودة، مع ضرورة أن تشمل الخضروات ومنتجات الألبان والبروتين والفواكه، وتجنب المأكولات غير الصحية التي تسبّب قلة النشاط وعدم التركيز، وربما إصابتهم بأمراض مثل السمنة أو الأنيميا، ما يترتب عليه تداعيات أكثر خطورة في المستقبل".
ويوضح مختص التغذية والسمنة والنحافة، محمد ناجي، أن "معدلات اختلال التغذية ارتفعت في مصر بسبب ارتفاع أسعار السلع، وعزوف الأهالي عن عناصر الغذاء الرئيسية مثل اللبن والبيض، ولجوئهم إلى أغذية رديئة منخفضة القيمة. كانت الحكومة تقدم في فترات سابقة وجبات ساخنة لتلاميذ المدارس لتعويضهم عن أي نقص في التغذية، لكنها الآن تستبدل ذلك بعجائن مخبوزة ليس لها قيمة غذائية حقيقية، فضلاً عن الخلل في توزيعها، والذي يؤدي إلى حرمان كثير من الأطفال من الوجبات، ويهدد بجيل ضعيف البنيان معتل الصحة، وغير قادر على العمل والإنتاج مستقبلاً".