خلال المناسبات والأعياد، اعتادت وسائل الاعلام المصرية تكليف مراسليها ومصوريها برصد ظاهرة التحرش الجنسي في الشوارع والمتنزهات وأمام دور السينما، وتحديداً في وسط البلد (وسط القاهرة) والمناطق الشعبية. وفي صباح ثاني أيام عيد الفطر أو الأضحى، كانت الصفحات الأولى لا تخلو من صور وقصص عن تعرض كثيرات للتحرش الجنسي في أول أيام العيد. لكن خلال عيد الأضحى الأخير، بدا للصحافيين أن التحرّش الجنسي إلى تراجع، وإن لم يكن هناك أي دراسة أو أرقام تثبت ذلك. فهؤلاء لم يروا ما اعتادوه من مظاهر تحرش خلال السنوات الماضية.
ويعزو عدد من المصورين السبب إلى محاضر الشرطة المحرّرة بحق المتحرشين، وأحكام السجن التي صدرت مؤخراً في العديد من الدعاوى التي أحيلت إلى القضاء، بالإضافة إلى زيادة الوعي المجتمعي والوجود الأمني الكثيف، وإن كان لأسباب سياسية.
يقول أحد المصورين إنّه خلال عمله الميداني في وسط القاهرة في أول أيام عيد الأضحى، لاحظ أن الفتيات بَدَونَ أكثر راحة وتحرراً في اختيار ملابسهن. كما لفت إلى الانتشار الأمني الكثيف ودوريات الشرطة المحيطة بالمنشآت والمباني الحيوية.
ونتيجة لارتفاع نسبة التحرش بالنساء، احتلّت القاهرة المرتبة الأولى من حيث الخطورة على النساء عام 2017، وفق دراسة أعدتها مؤسسة "تومسون رويترز" تناولت أوضاع المرأة في المدن التي يزيد عدد سكانها على عشرة ملايين نسمة. وتناولت الدراسة 19 مدينة ضخمة، وتركزت محاورها على "العنف الجنسي، الممارسات الثقافية الضارة، الرعاية الصحية، التمويل، والتعليم".
في السياق نفسه، تشير دراسة أعدّتها هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة إلى أن نحو 99 في المائة من المصريات قد تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسي.
مجتمعياً، تستمرّ مناهضة جريمة التحرش الجنسي من قبل ناشطات وحقوقيات، الأمر الذي ساهم في تشجيع فتيات ونساء على التحرّك قانونياً، ما ساهم في طمأنة الأهالي بإنصاف بناتهن وفضح المتحرشين والضغط على الحكومة حتى أقر البرلمان المصري منتصف يوليو/ تموز الماضي، تعديلاً تشريعياً شدد من خلاله عقوبة التحرش الجنسي بالنساء وحولها من جنحة إلى جناية وزاد مدة عقوبة السجن إلى ما لا يقل عن خمس سنوات، بعدما كانت سنة أو غرامة مالية. وتزيد عقوبة السجن إلى سبع سنوات إذا ما اقترن التحرش بحمل سلاح أو ارتكب من قبل أكثر من شخص أو كان المتحرش يملك أي سلطة وظيفية أو غيرها على المرأة.
كما وافق مجلس الوزراء المصري على مشروع القانون المقدم من وزارة العدل، والذي يهدف للحفاظ على سرية بيانات المجني عليهن في جرائم التحرش والاعتداء الجنسي، بعدم إثباتها في المحاضر والأوراق المتداولة، والاحتفاظ بها في ملف فرعي بحوزة المحقق، على أن يعرض هذا الملف على المحكمة أو المتهم أو الدفاع عند الطلب، ويعاقب من يفشي هذه السرية بالمادة 310 من قانون العقوبات.
ما أشار إليه مصورون ومراسلون دعمته رئيسة المجلس المصري لحقوق المرأة، نهاد أبو القمصان، قائلة إن جرأة ووعي النساء والفتيات عن الإفصاح أو التصدي لجرائم التحرش زادت خلال الفترة الأخيرة، مشيرة إلى أن جرائم التحرش قلت نسبتها خلال العقد الأخير. وترى أنّ "التحرش الجنسي والعنف المنزلي والتحرش في العمل واستغلال النساء يكثر بسبب صمت الضحايا. لكن عندما انكسر حاجز الخوف، وتحدثت الفتيات واتخذت الخطوات والإجراءات القانونية، تراجعت الظاهرة شيئاً فشيئاً".
ونشرت صحافيات وحقوقيات شهادات عن تعرضهن وأخريات للتحرش الجنسي وأحياناً الاغتصاب في بيئة العمل، وتضمنت الأحرف الأولى من أسماء المعتدين. وتوالت الشهادات الفاضحة للمتهمين أنفسهم، الأمر الذي أجبر منظمات حقوقية مصرية ودولية مثل مؤسسة حرية الفكر والتعبير في مصر، ومركز "بلادي" لحقوق الإنسان، ومؤسسات صحافية وإعلامية كبرى، على فتح تحقيقات في تلك الاتهامات وإعلان النتائج للرأي العام، بعد اتخاذ خطوات رادعة بالفصل وإلغاء التعاقد وتقديم اعتذارات للمجني عليهن.
وتحولت دعاوى التحرش الجنسي في مصر إلى ما يشبه كرة الثلج. وصدرت دراسة تحت عنوان "التحرش الجنسي في مجال عمل المرأة" قبل سنوات عدة، أشارت إلى أن 68 في المائة من العاملات يتعرضن للتحرش الجنسي، 46 في المائة منهن يتعرضن للتحرش اللفظي في مقابل 22 في المائة يتعرضن للتحرش الجسدي. وأكدت الدراسة أن أكثر السلوكيات التي أوردتها النساء هي اللمس المتعمد بنسبة 78 في المائة. وأوضحت الدراسة أن 76 في المائة من المعتدين يحاولون لمس أجزاء من جسد الفتاة أو المرأة، و76 في المائة ينظرون إلى أماكن من جسدها، و73 في المائة يحاولون تقبيلها، و72 في المائة يمتدحون قوامها، و72 في المائة يعمدون إلى التهديد من أجل تجاوب المرأة جنسياً.
يشار إلى أنه لا توجد في مصر سوى إحصائيات قليلة عن التحرش. وأظهرت دراسة أجراها المركز المصري لحقوق النساء في عام 2008 أن 83 في المائة من النساء أكدن التعرض للتحرش، العديد منهن بصفة يومية، فيما اعترف 62 في المائة من الرجال أنهم يتحرشون بالنساء.