استمع إلى الملخص
- رغم تعديلات قانون العقوبات المصري، تظل العقوبات غير كافية، مما يعوق تحقيق العدالة بسبب صعوبة إثبات الضرر ونقص الشهود.
- قدمت منظمات المجتمع المدني مشروع قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة، يهدف لتوفير حماية قانونية شاملة، بما في ذلك سرية بيانات الضحايا ومنع التصالح إلا بموافقة المجنيّ عليها.
تشمل جرائم العنف الأسري ملايين النساء في مصر سنوياً. وتشير تقارير دولية إلى أن الظاهرة تتفاقم فيما تبقى التشريعات دون مستوى إنهائها لأنها تفتقر إلى الواقعية والجدية في التنفيذ
قبل نحو أسبوعين أنهى رجل أعمال مصري حياة زوجته بعدما اعتدى عليها بالضرب المبرح والخنق، وتركها تصارع الموت وحيدة لمدة خمسة أيام في المنزل، في وقت كانت فيه إصابتها بالغة في البلعوم والرقبة، بحسب ما أفادت تقارير طبية. ونقلت الضحية إلى المستشفى، حيث خضعت لستّ عمليات جراحية لمحاولة إنقاذ حياتها قبل أن تتوفى بتأثير جروحها.
وبحسب ما نشرته وسائل إعلام عن محضر التحريات والتحقيقات، قال الزوج إنه "شخص عصبي، وإن خلافه مع زوجته كان عادياً، لكن الأمور خرجت عن السيطرة".
تفيد إحصاءات أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر مطلع العام الماضي، بأن نحو 8 ملايين امرأة وفتاة تتعرض للعنف سنوياً. وتشير إلى أن نسبة كبيرة من هذا العنف تقع تحت بند العنف الأسري، والباقي في إطار العنف المجتمعي، فيما لا توجد نصوص في القوانين الحالية تجرّم العنف الأسري في شكل محدد وصريح، وتحمي سرية بيانات الضحايا.
أيضاً أورد التقرير السنوي لمكتب شكاوى المجلس القومي للمرأة الخاص بعام 2023 أن عدد شكاوى جرائم العنف ضد النساء بلغ 3205 من إجمالي 26,053 شكوى (12.3% من إجمالي الشكاوى)، وكان بينها 1787 شكوى من جرائم العنف الجسدي مثل الضرب والخطف والختان والإجهاض، و803 شكاوى من جرائم العنف النفسي مثل الاعتداء على حقوق الغير والتمييز والتنمر والشتم والقذف، و172 شكوى من جرائم العنف الجنسي مثل التحرش والاغتصاب والتعرض وهتك العرض والزواج المبكر، و327 شكوى تلقتها محاكم الأسرة شملت جنح تبديد المنقولات الزوجية أو الامتناع عن تسليم صغير أو دفع النفقات، أما شكاوى العنف الجنسي، فبلغ عددها 261 بنسبة 1.2% من إجمالي الشكاوى.
واللافت أن الجريمة الأخيرة التي ارتكبها رجل الأعمال تتوافق تماماً مع تقرير أصدرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة أخيراً، يفيد بأن "نسبة 60% من جرائم قتل الإناث تُرتكب على يد شريك حميم أو أحد أفراد الأسرة، ما يُعد أحد أشد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات. وغالباً ما تكون هذه الجرائم نتيجة تراكمية لأشكال أخرى من العنف المستمر، ما يعكس وجود أنماط أعمق من عدم المساواة بين الجنسين على مستوى العالم".
ورغم ارتفاع النسبة التي أوردها تقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة في شأن جرائم قتل النساء على يد شريك حميم أو أحد أفراد الأسرة، لا يتوافر في مصر قانون خاص بتجريم العنف الأسري، الذي يقتصر على مواد قليلة في قانون العقوبات رقم 58 الصادر سنة 1937، والذي ضم جميع أشكال العنف أو الاعتداء على المرأة إلى قائمة الجرائم.
أيضاً لا يتضمن القانون المصري تشريعاً خاصاً بالقضاء على العنف ضد المرأة من أجل منحها الحماية القانونية اللازمة.
وكان التشريع المصري قد عدّل بعض نصوص قانون العقوبات، ومنح حماية جنائية للمرأة عبر تشديد عقوبات جرائم ختان الإناث والتحرش الجنسي، لكن هذه العقوبات انحصرت غالباً في فرض غرامة مالية زهيدة، أو إصدار حكم بالحبس مع إيقاف التنفيذ، أو فرض الضغوط من القائمين على تنفيذ القانون كي يثنوا النساء عن استكمال الإجراءات القانونية. وفي كل الأحوال يتعذر إيجاد الشهود في قضايا العنف الأسري، لذا يصبح إثبات الضرر الواقع على الضحية أمام القضاء أمراً بالغ الصعوبة.
وخلال الأشهر الماضية صاغت منظمات مجتمع مدني، بالشراكة مع جهات دولية مثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة، مشروع قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة، وقدمته للمرة الثانية إلى البرلمان المصري.
ويتضمن مشروع القانون سبعة أبواب تشمل التعريفات، وإجراءات التقاضي، والجرائم الجنسية، وجرائم إسقاط الحمل والإجهاض، وجرائم خطف النساء والأطفال والفتيات واستغلالهم، وجرائم العنف الأسري ضد النساء والفتيات، والوقاية والحماية.
وتسمح المادة الثانية تحديداً لكل من علم بحدوث واقعة عنف ضد امرأة بتقديم بلاغ إلى الشرطة أو الادعاء المباشرة أمام المحكمة المختصة. وهي تتضمن بنوداً عن شهود العنف، وأعضاء أسر الضحايا أو من تربطه بهنّ علاقات وثيقة، ومقدمي الخدمات الاجتماعية والطبية والتربوية، ووحدات تلقي الشكاوى في القطاعين العام والخاص، ومراكز تقديم المساعدة في مجال العنف ضد المرأة، ووحدات مناهضة العنف ضد المرأة في الجمعيات الأهلية غير الحكومية العاملة في المجال.
إلى ذلك، تعاقب المادة السادسة من مشروع القانون كل من يحاول إكراه الضحية أو ممارسة الضغط عليها بهدف التراجع عن شكواها، بالحبس سنة، وتحيل على المجلس التأديبي المحقق في الشكاوى والبلاغات إذا أهمل جرائم العنف.
وتوجب المادة السابعة من مشروع القانون توفير الحماية اللازمة للمجنيّ عليها من أي تهديد أو عنف، خصوصاً في جرائم العنف الأسري، ونقلها إلى مكان آمن أو إحدى دور الضيافة، إن لزم ذلك، أو بناءً على طلب المجنيّ عليها أو وكيلها.
وتؤكد المادة الـ 11 سرية بيانات الضحية والشهود وما يُدلى به من أقوال منذ تقديم الشكوى، وتمنع الاطلاع عليها إلا لمن يملك صفة من قبل المجني عليها أو وكيلها أو المتهم، كذلك لا يسمح بنشرها إلا بموافقة كتابية من المجنيّ عليها أو وليّ أمرها إذا كانت قاصراً، بشرط ألا يتعارض ذلك مع مصلحتها. ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر.
أيضاً تنص المادة الـ 13 على أنه لا يجوز التصالح في الشكاوى المتعلقة بجرائم العنف ضد المرأة إلا بموافقة المجنيّ عليها بشخصها، وأنه يجب على الجهة التي يقر أمامها بالتصالح التأكد من عدم تعرّض المجنيّ عليها لأي ضغط أو إكراه على التصالح، وتدوين ذلك في محضر رسمي.
وتلزم المادة الـ 45 الدولة بإنشاء مساكن آمنة ومناسبة للنساء ويسهل الوصول إليها، وبعدد كافٍ يراعي التوزيع الجغرافي، وأيضاً بإنشاء مراكز لتأهيل مرتكبي العنف بهدف الوقاية من ارتكاب أعمال العنف ضد المرأة والمساعدة في تغيير الأنماط السلوكية العنيفة، ووضع برامج معالجة لمنع مرتكبي الجرائم من تكرارها، خصوصاً منفذي الجرائم ذات الطابع الجنسي.
وتتبنى المادة الـ 46 من مشروع القانون العدالة التعويضية، ويورد النص: "يملك الضحايا الحق في طلب التعويض من مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أكانوا أفراداً عاديين أم من رجال السلطة العامة، وتلتزم الدولة منح الضحايا تعويضاً ملائماً للواتي تعرّضن لضرر جسدي أو صحي إذا لم يخضع هذا الضرر لتعويض من مصادر أخرى، تحديداً من الجاني أو شركات التأمين أو الخدمات الاجتماعية والطبية الممولة من الدولة. وتسترد الدولة من الجاني التعويض الذي دفعته".