يواجه آلاف الطلاب المغاربة الذين تابعوا دراستهم الجامعية في أوكرانيا قبل الاجتياح الروسي وضعاً غامضاً على صعيد مستقبلهم الدراسي الذي أصبح في مهب الريح.
وتعتبر جالية الطلاب المغاربة الثانية الأكبر بين الأجانب الذين يدرسون في جامعات ومعاهد أوكرانيا بعد الطلاب الهنود، وتضم حوالى 9000 يدرسون الطب والصيدلة والهندسة والدراسات الدبلوماسية، بحسب ما أوضحت السفيرة الأوكرانية في المغرب أوكسانا فاسيليفا.
وفي السنوات الأخيرة، تحوّلت الجامعات الأوكرانية إلى وجهة مفضلة للطلاب المغاربة الذين يرغبون في متابعة دراستهم الجامعية مستفيدين من التسهيلات التي تقدمها لهم لدخول كليات مميزة مثل الطب والصيدلة والهندسة، وهو ما يتطلب الحصول على مجموع درجات عالية في الشهادة الثانوية لتحقيق هذه الأمر، وكذلك من انخفاض كلفة العيش في أوكرانيا مقارنة بدول أوروبية أخرى.
في ألمانيا
ومع استمرار الاجتياح الروسي منذ 24 فبراير/ شباط الماضي، لم تقدم الجامعات والمعاهد الأوكرانية أية معلومات أو توصيات لطلابها الأجانب حول مصير دراستهم، في حين تحدث عدد من الطلاب عن أن الأعمال العسكرية ألحقت أضراراً كبيرة بجامعاتهم، ما يعني احتمال احتراق وثائقهم أو ضياعها، وزيادة الغموض حول مصير السنوات الدراسية التي أمضوها في الجامعات الأوكرانية، واحتمال عودتهم لاستكمال تعليمهم أم لا، ما يضاعف معاناتهم ومخاوفهم على مستقبلهم بعدما رهنوا حياتهم وحياة عائلاتهم وممتلكاتهم لمتابعة دراستهم في الجامعات والمعاهد الأوكرانية. وبين هؤلاء الطلاب عبد الله الذي اختار التوجه إلى ألمانيا بدلاً من العودة إلى المغرب على متن الرحلات الجوية الخاصة التي سيّرتها شركة الخطوط الملكية المغربية لإجلاء الرعايا من دول مجاورة لأوكرانيا، لعلّه يظفر بفرصة متابعة دراسته في إحدى الجامعات الألمانية.
يقول عبد الله، الذي كان يتابع السنة الثالثة لاختصاص الهندسة المدنية في جامعة خاركوف، لـ"العربي الجديد": "مستقبلنا الدراسي في المغرب أو أوروبا في حكم المجهول حتى الساعة. أطالب وزارة التعليم العالي بأن تسمح للطلاب العائدين بدخول الجامعات الوطنية مباشرة من دون الخضوع لامتحانات تحدد مستوياتهم الدراسية، وهل هم مؤهلون للدراسة أم لا، ومحاولة تقديم دعم لمن يحتاج. وتحقيق هذا الأمر سيشكل وسيلة إنقاذهم من مصير مجهول، ويضمن منح جميع الطلاب العائدين فرصاً متكافئة".
ويكشف الطالب أحمد الحسناوي، الذي فضل بدوره الانتقال إلى ألمانيا للبحث عن مقعد في إحدى الجامعات لمتابعة دراسته في الطب، جزءاً من معاناة الطلاب المغاربة في أوكرانيا، ويقول لـ"العربي الجديد":" إذا طالت الحرب إلى نهاية الموسم الدراسي، فهذا يعني أن الطلاب المغاربة العائدين ينتظرهم عام دراسي أبيض. أما بالنسبة إلى الطلاب الذين عادوا بأوراق إقامة على وشك أن تصبح منتهية الصلاحية، فهذا يعني تلقائياً أن الحلم الأوروبي لديهم بات ضبابياً".
يضيف: "نعيش وضعاً صعباً في ألمانيا، وكلما استفسرنا عن إمكان متابعتنا الدراسة أو الإقامة فيها، جاء الرد بأن لا أحد يملك الجواب، وأن الشيء الوحيد المؤكد هو أنه من حقنا المكوث في البلاد لمدة 90 يوماً".
أما الطالبة آمال الحفظي فتقول لـ"العربي الجديد": "يبقى مستقبل مئات من الطلاب المغاربة غامضاً لأننا لا نعرف متى ستنتهي الحرب. وحتى إذا انتهت، فستستمر آثارها على المدى البعيد، لذا يجب أن تتحمل الدولة المغربية مسؤولياتها في هذه الظروف، وتدمج الطلاب العائدين في الجامعات المغربية كل بحسب تخصصه، فهم أولاً وأخيراً جزء من هذا البلد، ومن الظلم أن تذهب سدى سنوات تحصيلهم في أوكرانيا".
محاولة لتثبيت مكتسبات الطلاب
تجدر الإشارة إلى أنه في الأسبوع الماضي أنشأت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في المغرب منصة رقمية لمحاولة وضع قائمة بالطالبات والطلاب العائدين من أوكرانيا، وتحديد تخصصاتهم ومستوياتهم الجامعية.
ويؤكد مسؤول في وزارة التعليم العالي، طلب عدم كشف اسمه، أن "الوزارة ستدرس ملفات هؤلاء الطلاب لتسهيل استكمال دراستهم في الجامعات المغربية بكل التخصصات، ما يعني أنها لن تتخلى عنهم، وستسخّر كل الوسائل لدعم استكمالهم مسارهم الجامعي".
ويوضح المسؤول في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الدمج يجب أن يأخذ في الاعتبار أمرين أساسيين، هما تثبيت مكتسبات الطلاب، وضمان شروط النجاح بعد الدمج. وقد شكلت الوزارة لجنة خاصة لملفات الطلاب العائدين، ويجرى التنسيق مع الجامعات استعداداً للاستجابة مستقبلاً لطلبات تسجيلهم".
ويشرح المسؤول أن "مبادرة الوزارة تواجه إشكالات عدة، بينها وجود تخصصات تقنية وعلمية لا يمكن أن تعادلها الجامعات المغربية، ما قد يضطر اللجنة إلى خلق مسارات أكاديمية مؤقتة لهؤلاء الطلاب تتوافق مع تخصصاتهم. كما من الصعب التواصل مع مؤسسات التعليم العالي في أوكرانيا، التي درس فيها هؤلاء الطلاب، بسبب وضع الحرب".