مطاعم العراق متنفس العائلات رغم الأسعار المرتفعة

30 يونيو 2022
نادل روبوت في مطعم بالموصل (إسماعيل عدنان يعقوب/ الأناضول)
+ الخط -

تزدحم المدن العراقية بمطاعم افتتحت في السنوات الأخيرة، وتتنافس لتقديم مغريات تجذب الأسر التي تبحث دائماً عن متنفس مناسب يعوّض إهمال الحدائق والمتنزهات. وتشير إحصاءات وزارة التخطيط إلى أن أكثر من 65 في المائة من منشآت العراق هي لمطاعم وخدمات طعام.

تسكن علياء رضوان (48 عاماً) في بغداد، وتقول لـ"العربي الجديد": "ارتباط العراقيين بالطعام وأنواعه ليس جديداً؛ فهم يحرصون منذ القدم على أن يتمتع طعامهم بنكهات بعيدة عن تلك التي يعرفونها، ما دفع كثيرين إلى فتح مطاعم ترضي الأذواق المختلفة. وفي بغداد توجد متنزهات ومطاعم، لكن نزهاتنا مهما كانت قصيرة أو طويلة تنتهي غالباً بقصد أحد المطاعم، أو على الأقل شراء سندويشات إذا رغبنا في العودة سريعاً".
تضيف علياء، التي تعمل موظفة في شركة خاصة: "لم يغير انتشار المطاعم بشكل واسع واقع ارتفاع الأسعار، خاصة في المطاعم التي تتواجد في مناطق راقية، ويجبرنا أبناؤنا دائماً على الذهاب إلى مطاعم معينة ذهب إليها أصدقاؤهم، حتى إذا لم يكن الطعام المقدم بالمستوى المطلوب. ونقضي في النهاية وقتاً ممتعاً مع العائلة، وهو ما نفعله مرات شهرياً بحسب الوقت المتاح، علماً أننا نخصص ميزانية للتنزه وقصد المطاعم".

توفر المطاعم العراقية مغريات كثيرة للعائلات (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
توفر المطاعم العراقية مغريات كثيرة للعائلات (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

من جهته، يقول أبو أنور (54 عاماً) الذي يعمل سائق تاكسي، لـ"العربي الجديد": "ما يدفعني إلى الذهاب مع عائلتي إلى المطعم أحياناً، وبمعدل أكبر في السنوات الأخيرة، هو الحرمان الذي عشناه خلال سنوات الحصار الاقتصادي وحتى بداية الاحتلال الأميركي عام 2003، حين لم تكن حال العائلة العراقية مثل اليوم. تفضل عائلتي المطاعم لتغيير الأجواء الروتينية، وكلما وجدت فرصة نقصد أحد المطاعم لتناول العشاء، والذي قد يكلفني أكثر من 50 دولاراً لأربعة أشخاص تحديداً".
ويقول مؤسس مطعم "دربونة" مهدي ليث لـ"العربي الجديد": "لا يضم العراق أماكن كثيرة للترفيه، لذا تقضي أكثر العائلات وقتها في المطاعم والمقاهي أو مراكز التسوق. وتعتبر بالتالي مشاريع افتتاح مطاعم استثمارات ناجحة، خاصة أن العراقيين قد يستغنون عن أي شيء إلا الطعام والشراب، وتتحوّل هذه المشاريع إلى متنفس مهم للعائلات والشباب، لكن للأسف تتعمّد بعض المطاعم تقليد تلك الغربية من دون الاهتمام بجودة الطعام ونظافة المكان".
ويربط مهدي ارتفاع الأسعار بتكاليف التشغيل الباهظة في مطعمه، وبينها توظيف 75 شخصاً، ما جعل عدداً قليلاً من الزبائن الشبان يرتادونه، لكنه يشدد على أن "دربونة يهدف إلى أن يكون ملتقى للشباب، ويوفر خدمة بجودة عالية". ويشرح أن المطعم يعاني مثل غيره من أزمة المنتجات الوطنية والمستوردة، مشيراً إلى أن الشركات التي تزعم صنع منتجات محلية تستوردها في الأصل، وتعبئها في الداخل. وكل شيء في العراق يعتمد على الاستيراد، خاصة اللحوم والدجاج، لأن المنتجات المحلية لا تغطي الحاجة. وجودة الطعام ترتبط مباشرة بجودة المواد المستوردة، وبعض المطاعم الشعبية تتمتع بالجودة في الخدمات، لكنها لا تشكل بيئة مناسبة للعائلات، والمستهلك يبحث غالباً عن السعر لدى زيارة مطعم، وآخرون عن نوعية الطعام. الموضوع شخصي، فهناك من يرضي تذوقه وإحساسه بالمأكولات بغض النظر عن مكان المطعم وسعره، ويبحث آخرون عن كل شيء حتى المظهر".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وحول أسباب ارتياد العراقيين المطاعم، يذكر الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع عدي كريم، لـ"العربي الجديد"، أن "المطاعم أماكن للقاء العراقيين، والمنازل باتت صغيرة حتى لاستقبال ضيوف، أما النساء فتوجهن إلى بيئات العمل، وبالتالي إلى خدمات التوصيل بدلاً من الطبخ المنزلي. ولا ننسى أن أوقات الفراغ تدفع كثيرين إلى قصد المطاعم لتغيير الروتين اليومي".
يتابع: "لا يمكن إغفال تفاوت الأسعار في المطاعم، وتأثيرها في الفئات الهشّة من المراهقين والشباب الذين يواجهون أزمات نفسية في سن المراهقة، من انعدام فرص التباهي بالنفس عبر التردد على أماكن فاخرة، خاصة إذا تعرّفوا إلى أصدقاء أغنياء يرتادون مطاعم فاخرة ويصورون لقطات للأجواء السائدة فيها، وينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي، ما قد يدفع المتخلفين عن هذه الأجواء إلى الاحتيال لأخذ مصروف أعلى وأساليب أخرى للذهاب إلى المطعم والتقاط صور فيه على غرار أقرانه".
ويطالب كريم العائلات باختيار المطاعم المناسبة والموثوق بنظافتها، ويقول: "على الصعيد الشخصي، واجهت قصصاً مروعة كثيرة، بينها وجود جرذان، واستخدام دجاج منتهي الصلاحية وضعه الطاهي في الخل ثم علّقه على المشواة. وقد تدفع عوامل نفسية العمال إلى تنفيذ تصرفات غير مناسبة للانتقام مثلاً من المعاملة السيئة لصاحب المطعم، كما يحصل بعض مسؤولي أجهزة الرقابة على رشاوى لتجنب مراقبتهم مطاعم محددة".

المساهمون