معاناة مضاعفة لفلسطينيي مخيم ضبية

12 فبراير 2022
تعيش في مخيّم ضبيّة نحو 535 عائلة فلسطينية ولبنانية (العربي الجديد)
+ الخط -

أنُشئ مخيّم ضبيّة للاجئين الفلسطينيين في الخمسينيات من بين عدد من مخيّمات لبنان، بهدف إيواء أهل فلسطين من منطقة الجليل. هو يقع في بلدة ضبيّة على ساحل قضاء المتن الشمالي التابع لمحافظة جبل لبنان، إلى الشمال من مدينة بيروت، فوق تلّة تطلّ على الطريق السريع الواصل بين العاصمة اللبنانية ومدينة طرابلس شماليّ البلاد. وبسبب موقعه الاستراتيجي، عانى المخيّم من جرّاء أعمال عنف كثيرة، كذلك تعرّض جزء كبير منه للدمار في خلال الحرب الأهلية في لبنان (1975 - 1990)، الأمر الذي أدّى إلى تهجير أكثر عن 100 عائلة من اللاجئين الفلسطينيين المسيحيين.

ويشكو سكان مخيّم ضبيّة صعوبات اقتصادية شديدة، كغيرهم من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيّمات لبنان، إذ إنّ كثيرين هم الشبان العاطلون من العمل. يأتي ذلك وسط غياب شبه تام لخدمات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ويحكي إلياس حبيب الذي تعود أصوله إلى قرية البصة التي كانت تابعة لقضاء عكا في فلسطين، عن معاناة فلسطينيي لبنان، ولا سيّما في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها سكان البلاد ككلّ. هو وُلد في مخيّم ضبيّة في عام 1969، وما زال يعيش فيه حتى اليوم ويشغل منصب مدير مجمّع الكنائس في المخيم. يقول حبيب لـ"العربي الجديد" إنّ "مخيّم اللاجئين الفلسطينيين في ضبيّة أُنشئ بداية في موقع غير بعيد من هنا، قبل أن تستأجر الأونروا الأرض (نصف كيلومتر مربّع) التي يقوم عليها اليوم وينتقل الناس إلى الموقع النهائي". يضيف حبيب أنّ "العائلات الفلسطينية التي تعيش في المخيّم حالياً، بعضها حصل على الجنسية اللبنانية، وبعض آخر حافظ على جنسيته. كذلك تعيش في المخيّم عائلات لبنانية الأصل، وأخرى سوريّة لجأت إليه بعد الأحداث الأخيرة. ويبلغ عدد العائلات الفلسطينية واللبنانية 535 عائلة تقريباً، فيما السورية نحو 65 عائلة"، لافتاً إلى أنّ "عدداً كبيراً من فلسطينيي المخيّم هاجر وتهجّر بسبب حرب لبنان".
ويشير حبيب إلى أنّه "عندما أُنشئ مخيّم ضبيّة أقامت الأونروا مدرسة فيه. لكنّ الأحزاب التي كانت بالمنطقة في الحرب الأهلية، وضعت يدها على ذلك المبنى في عام 1976، فاضطرت الوكالة إلى نقل المدرسة إلى بلدة برج حمود على ساحل قضاء المتن الشمالي كذلك، وقد استأجرت مرّة جديدة مبنى لهذا الغرض. لكنّ صعوبات عدّة ظهرت تتعلّق بعملية نقل التلاميذ، إذ توجّب التكلّف ببدلات لقاء ذهابهم إلى المدرسة وعودتهم منها، الأمر الذي أدّى إلى رفع الصوت عالياً. فراحت الأونروا تنقلهم بمركباتها، غير أنّ ذلك قلّص عدد الحصص التعليمية إلى ثلاث فقط، وقد أثّر ذلك سلباً في المستوى التعليمي للتلاميذ. فمركبات الأونروا كانت تقلّ كذلك موظفيها من مدينة صيدا جنوبيّ لبنان وتوزّعهم على مراكز عملهم قبل أن تتوجّه إلى مخيّم ضبيّة لنقل التلاميذ إلى مدرستهم. وفي النهاية، اضطر هؤلاء إلى الالتحاق بمدارس خاصة أو حكومية في المنطقة، وعندها طالب الأهالي الأونروا بدفع فروقات التعليم الخاص".

مخيم الضبية للاجئين الفلسطينيين في لبنان 2 (العربي الجديد)
عدد كبير من فلسطينيي المخيّم هاجر وتهجّر بسبب حرب لبنان (العربي الجديد)

ويتابع حبيب أنّه "في عام 1990، استردّت الأونروا مبنى المدرسة في مخيّم ضبيّة، لكنّها حتى اليوم لم تفتح الأبواب أمام التلاميذ. ومن حقّنا أن تكون لدينا مدرسة في مخيّمنا. من جهة أخرى، إنّ تقديمات الخدمات الطبية متدنية جداً في المخيّم، فعيادة الأونروا لا تفتح أبوابها إلا يومَين في الأسبوع مع وجود طبيب صحة عامة، علماً أنّها تفتح خمسة أيام في المخيّمات الأخرى". ويشدّد حبيب قائلاً: "نحن اليوم نعمل على المستوى الصحي لتوفير الطبابة للناس. فلا مستشفيات قريبة منّا تعاقدت معها الأونروا، بالتالي إذا أصيب شخص بعارض صحي نضطر إلى التوجّه إلى مستشفى الساحل أو مستشفى حيفا في مخيّم برج البراجنة بالضاحية الجنوبية لبيروت، هذا إن قُدّر للمريض الوصول إلى المستشفى".
وعن الوضع الاقتصادي في المخيّم، يقول حبيب: "أهالي المخيّم يعانون مرّتَين، مرّة لأنّ الوضع صعب على اللبناني قبل الفلسطيني، ومرّة أخرى لأنّهم فلسطينيون ولا أعمال في داخل المخيّم ولا في خارجه". وفي هذا الإطار، يخبر ربيع، وهو من فلسطينيي المخيّم، وتعود أصوله كذلك إلى قرية البصة، أنّه كان يعمل مدرّباً في مسبح مهمّ، لكنّه خسر عمله لأنّ قراراً صدر بمنع الفلسطيني من الاستحصال على بطاقة تخوّله العمل في التدريب على السباحة. ويقول ربيع لـ"العربي الجديد": "نحن نعيش وضعاً اقتصادياً صعباً، والمياه تتسرّب إلى داخل منزلنا في أيّام الشتاء. طالبنا الأونروا بضرورة القيام بأعمال صيانة في المنزل، لأنّنا عاجزون عن ذلك بسبب ارتفاع الأسعار والبطالة، لكن لا آذان مصغية ولا من يهتمّ لأمرنا. نحن منسيّون ومتروكون لقدرنا في هذا المخيّم".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

أمّا أسعد زعرب، الذي تعود أصوله كذلك إلى قرية البصة، فهو يعمل فرّاناً منذ أكثر من 15 عاماً في المخيّم الذي يعيش فيه. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الفلسطيني في أزمة، نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان عموماً وارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الليرة اللبنانية، وكذلك بسبب وباء كورونا، ولأنّه محروم نحو 72 مهنة". يضيف زعرب أنّ "وزير العمل اللبناني الجديد مصطفى بيرم، أعطانا بصيص أمل، لكنّ وضع الفلسطيني الاقتصادي صعب عموماً، لأنّ المخيّمات الفلسطينية معزولة في المناطق اللبنانية. بالنسبة إليّ، أرى أنّنا نعيش في سجن. صحيح أنّه غير مسوّر، لكنّنا في سجن، إذ لا يُسمح لنا بالعمل". ويتابع زعرب: "لم أعش مثل هذه الأيام السيئة منذ أن فتحت فرني. فعملي اليوم فيه تأثّر بنسبة 90 في المائة تقريباً، وكلّ ذلك بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار"، مطالباً "الحكومة اللبنانية بالعمل على تحسين وضعنا الاقتصادي من خلال فتح أبواب العمل أمامنا. فالعنصر الفلسطيني مؤثّر إيجابيّ في الاقتصاد اللبناني، وليس سلبياً".

المساهمون