دفعت الاشتباكات والقصف اليومي بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، العديد من عائلات المناطق الحدودية إلى ترك قراها والنزوح باتجاه بلدات أكثر أمناً واللجوء إلى مدارس، وخصوصاً في مدينة صور الساحلية (جنوب)، التي تحوّلت بفعل الأحداث إلى مركز إيواء، وباتت تستقبل حوالي 6000 نازح.
وفضّل جزءٌ كبيرٌ من العائلات البقاء في مراكز الإيواء نظراً إلى بدلات الإيجار التي ارتفعت بشكل ملحوظ في هذه الفترة، في ظل استغلال فاضح للوضع الأمني ومعاناة الناس لتحقيق مكاسب مالية. لكن في مقابل هذا الشجع، برزت مبادرات إنسانية فردية لمساعدة النازحين.
ولجأ قسمٌ آخر إلى منازل الأقارب أو الأصدقاء في المناطق الجنوبية خارج نطاق قواعد الاشتباك أو إلى مناطق في جبل لبنان والعاصمة بيروت. يقول رئيس بلدية كفرشوبا قاسم القادري لـ"العربي الجديد"، إن "البلدة أفرغت تقريباً من السكان في ظل التصعيد الأمني وبعدما باتت صواريخ الاحتلال الإسرائيلي تطاولها بشكل متكرّر، علماً أنه في بداية الاشتباكات غادرت العائلات من غير السكان أي الذين يقصدون البلدة في أوقات الصيف أو العطل والأعياد. بيد أن الوضع اليوم تطوّر".
من جهته، يقول نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور حسن حمود، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك 3 مراكز إيواء أنشأها الاتحاد مع بداية الاشتباكات على الحدود، وتأوي حوالي 1200 شخص نحرص على تأمين المأكل والمشرب واللحف والفرش لهم، والحاجات الأساسية الأخرى، لكن العدد الأكبر موجود في القرى لدى عائلاتهم أو أقاربهم أو أناس استقبلوهم". ويشير إلى أن "حركة النزوح بدأت في اليوم الأول للاعتداءات الإسرائيلية، ولا سيما في القرى الحدودية، مثل الضهيرة ويارين ومروحين وعيتا الشعب وعلما الشعب وبنت جبيل وبيت ليف وغيرها، ثم توسّعت".
ويوضح حمود أن "هناك حوالي 6500 نازح في قضاء صور، علماً أن كثيرين غادروا ولم تُسجّل أسماءهم كنازحين، إذ قصدوا منازلهم سواء في بيروت أو صور أو مناطق محيطة، وعادة ما يقصدونها في المواسم والأعياد والعطلات"، ويقول إن "هناك إدارة كوارث خاصة أنشئت منذ مدة طويلة تتابع الأوضاع، وستضع خطة في حال زاد عدد النازحين، علماً أن هناك العديد من الجمعيات والمنظمات الدولية الموجودة هنا ويمكنها أن تساعد أيضاً".
وجالت "العربي الجديد" على مدرسة رسمية في صور تحوّلت إلى مركز إيواء، والتقت عدداً من النازحين الذين تركوا منازلهم بعدما طاولت قذائف الاحتلال وصواريخه قراهم الحدودية، وغالبيتهم من بلدات عيتا الشعب، وبيت ليف، والضهيرة وغيرها من الأكثر عرضة للقصف.
يقول سعيد علي بشير، من بلدة بيت ليف، إنه اضطر إلى مغادرة منزله بعدما أصبح قصف الاحتلال يصل إلى محيط البيوت، ولجأ إلى المدرسة في صور بانتظار الفرج. ويخشى أن تطول الأحداث وتتطوّر أمنياً وخصوصاً أن لا مؤشرات تشير إلى تهدئة واستقرار قريب للوضع.
من جهته، يشير رئيس بلدية أنصارية علي الجرمقي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "النزوح إلى البلدة محدودٌ، إذ إن العائلات التي تركت منازلها ضمن القرى الحدودية المحاذية للخط الأزرق والتي تعدّ ساخنة ويطاولها قصف الاحتلال الإسرائيلي لجأت أكثر إلى بيوت الأقارب لا إلى مراكز الإيواء، وهناك من لجأ إلى مجمّع الملاك السياحي في البلدة".
ويلفت إلى أن "هناك مراكز قيد الإعداد لإيواء النازحين ونعمل على إجراء مسح تحت إشراف لجنة لنكون على بيّنة من الأرقام والأعداد التي تتجه إلى البلدة".
ويقول الجرمقي إن "أهالي الجنوب يقفون بعضهم إلى جانب بعض في الأزمات وبيوتهم تبقى مفتوحة ومساعداتهم تفوق تلك التي تقدمها الدولة أو البلديات بالنظر إلى إمكانيات الأخيرة المحدودة. لكن عادة لا يتم النزوح بشكل كبير إلى البلدة باعتبارها تبقى قريبة أيضاً من الأحداث الأمنية. وفي حال تطوّرت الأوضاع إلى الأسوأ، يصبح النزوح من البلدة نفسها باتجاه مناطق بعيدة أكثر أمناً، وهو ما حصل في عدوان يوليو/ تموز 2006".
في السياق، يتحدث صاحب مجمّع "الملاك" السياحي في بلدة أنصارية حسن خزعل، لـ"العربي الجديد"، عن مبادرة أطلقها أولاده الذين نشروا إعلاناً لاستقبال جميع النازحين ضمن الإمكانيات والقدرة الاستيعابية للمكان. "هناك 15 شاليه مجهزة بكلّ شيء، ونحرص على تأمين الكهرباء والمياه للعائلات مجاناً، مع الإشارة إلى أن الدولة لا تؤمن لنا الكهرباء، والتيار يقتصر على ذلك العائد للمولدات الخاصة".
ويشير خزعل إلى أنهم يعملون بكل قدراتهم "لتأمين اللوازم الأساسية للعائلات، وخصوصاً أن بعضها غير قادرة على دفع بدلات الإيجار التي ارتفعت بشكل ملحوظ في ظلّ الأحداث الأمنية، مع الإشارة إلى أن هناك عائلات أتت إلى المجمّع وغادرته، وأخرى لا تزال موجودة فيه"، ويوضح أن "أحداً من السلطات اللبنانية لم يسأل عن العائلات النازحة أو يتواصل معنا لمعرفة أوضاعها".
وفي جولة لـ"العربي الجديد" على المجمّع، التقت بعض العائلات النازحة من القرى الحدودية الساخنة التي يطاولها قصف الاحتلال الإسرائيلي. تقول فاطمة عبد الله، من بلدة عيترون، لـ"العربي الجديد"، إنها تركت منزلها قبل أسبوعين، بعدما اشتدّت الاشتباكات في البلدة وضمن محيطها وأطرافها، وانهالت القذائف عليها (حوالي 50)، ما دفعها والعائلة إلى النزوح في ظل خطورة الوضع. وتشير عبد الله إلى أن صاحب مجمّع الملاك السياحي في بلدة أنصارية فتح أبوابه للعائلات النازحة وبمبادرة منه، لافتة إلى أنها تركت منزلها تحت قصف الاحتلال الإسرائيلي، ولم تأخذ معها شيئاً، ولن تعود قبل عودة الاستقرار النهائي إلى القرى الحدودية الجنوبية. وتأسف لغياب الدولة والمسؤولين وحتى أحزاب المنطقة عن متابعة أوضاعهم، وتقول: "لم يسأل أحدٌ عنّا".
منال علوية، من بلدة مارون الراس، تركت منزلها قبل أكثر من عشرة أيام، ونزحت بدورها من البلدة وقصدت مجمّع الملاك، نظراً إلى خطورة الوضع بعدما طاولت قذائف الاحتلال الإسرائيلي البلدة وأطرافها، إذ إن الاعتداءات الإسرائيلية امتدت في الأيام الماضية إلى منازل وأراض ضمن القرى الحدودية الجنوبية، وتشير إلى أن الدولة غائبة عن أوضاعهم كلياً، لافتة إلى أن الأضرار في البلدة كبيرة، وهي لم تنزح فور حصول الاشتباكات لكن عندما بدأ التصعيد قرّرت النزوح.
ولا تعلم علوية متى ستعود إلى منزلها، وهو حال عائلات عديدة في المجمّع، بانتظار وضوح الرؤية وعودة الاستقرار، وتضيف: "لا نعلم كم يمكن أن نصمد ونبقى في المجمّع الذي استقبلنا مجاناً. نمرّ بوضع صعب فلا عمل راهناً وبالتالي لا مدخول بيدنا".
ويقول وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار، لـ"العربي الجديد"، إن "البلدات الواقعة على الشريط الحدودي الجنوبي مع فلسطين المحتلة، والواقعة على بعد خمسة كيلومترات منه تقريباً باتت فارغة بنسبة 80 إلى 90 في المائة". بدورها، تقول المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إنّ نحو 20 ألف شخص نزحوا من المنطقة الحدودية الجنوبية في لبنان من جرّاء التصعيد العسكري الحاصل في الجنوب ما بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.