معلمو شمال سورية على هامش ضمانات الحياة الكريمة

24 سبتمبر 2024
الدخل غير الكافي في مقدمة أزمات معلمي سورية (خليل فيدان/الأناضول)
+ الخط -

يواجه المعلمون في مناطق شمال غربي سورية التي تخضع لسيطرة جهتي نفوذ من المعارضة، أزمات متعددة تجعل عملهم في مهنة التعليم مهمة تحمل الكثير من المصاعب والتحديات. وفي مقدمة هذه الأزمات يأتي الدخل غير الكافي الذي يغطي بالكاد جزءاً من الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم في ظل واقع معيشي صعب تشهده المنطقة.
وإلى نقص التمويل يواجه المعلمون تهديدات كثيرة، منها الفلتان الأمني واستهداف المدارس، ما يجعل حياتهم معرضة لخطر مستمر، وعملهم غير مستقر، في حين أنه يتطلب إظهار الالتزام مع الطلاب على امتداد العام الدراسي من أجل ضمان أفضل جودة تعليم.
ويدفع الوضع السيئ وتدني الرواتب المعلمين إلى إيجاد أعمال أخرى، بحسب ما يقول المدرّس خضر الأحمد الذي يقيم في ريف حلب الشمالي لـ"العربي الجديد". وهو يشير إلى أن بعض المدرسين يعملون في المدارس الخاصة إلى جانب عملهم في المدارس العامة، وتتراوح رواتبهم في المدارس الخاصة بين 100 و200 دولار، بحسب عدد الحصص والمواد التي يُكلّفون بتدريسها، أما في المدارس العامة بريف حلب الشمالي فيتقاضى المدرّس مبلغ 70 دولاراً.
وفي كل الأحوال لا يكفي ما يتقاضاه المعلمون لتلبية احتياجات أسرهم، وفق ما يقول الأحمد "فراتب المعلم لا يكفيه لاستئجار بيت في المنطقة، وتوفير الماء والخبز. وكل معلم يحتاج إلى 500 دولار شهرياً لضمان حياة كريمة، وهذا الأمر غير متاح".
ويتحدث المدرّس عمر ليلى، العضو في نقابة المعلمين السوريين الأحرار، لـ"العربي الجديد"، عن أن المعلمين يعانون ضيق المعيشة بسبب قلّة الدخل، ما يدفعهم للجوء إلى أعمال أخرى في المدارس الخاصة والمنظمات، أو حتى في مهن حرة، وقد يضطر بعضهم إلى ترك التعليم. 

واجه المعلمون في سورية كل أنواع المصاعب ولا يزالون (عارف وتاد/ فرانس برس)
واجه المعلمون في سورية كل أنواع المصاعب (عارف وتاد/فرانس برس)

ويذكر أن النقابة طالبت في مراحل سابقة بتحسين واقع التعليم والمعلمين عموماً من خلال إصدار بيانات تحذيرية من المخاطر التي تحيط بالعملية التعليمية جراء الإهمال المتعمد للقطاع، ما أدى إلى تراجع هذه العملية في القطاع العام وانتشار المدارس الخاصة، وأثر ذلك سلباً على المجتمع بسبب عجز العديد من الأهالي عن تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة ومواجهة المدارس العامة الإهمال.
ويشير عمر إلى أن الإشراف التركي على التعليم في شمال سورية من خلال المجالس المحلية يمنع منظمات المجتمع المدني من تقديم الدعم الكافي للمدارس وتوفير رواتب تليق بحاجات المعلمين. ويوضح أن متوسط الحدّ الأدنى الذي يحتاجه المعلم للعيش بين 350 دولاراً و400 دولار، لكنه لا يحصل على ربع هذا المبلغ، ويصل دخله بالكاد إلى 2800 ليرة تركية (82 دولاراً)، ما يجعله تحت خط الجوع، ويدفعه إلى ترك العمل في التعليم والبحث عن مصادر دخل أخرى.
ويحدد عمر عدد المعلمين في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون بـ12 ألفاً، وهو عدد مماثل للمعلمين في مناطق إدلب وريف حلب الغربي التي تشرف عليها حكومة الإنقاذ.
وبلغت رواتب المعلمين في منطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات 2800 ليرة تركية (82 دولاراً)، ما دفع بعض المدرسين إلى ترك التعليم أو الاستقالة، الأمر الذي أثّر سلباً على سير العملية التعليمية وزاد من نسب تسرّب الطلاب. وفي مدينة أعزاز، استقال بعض المعلمين بعدما قدموا احتجاجات متكررة على أوضاع التعليم.

ويخبر المدرّس خالد عبد الحي، الذي يقيم في منطقة عفرين والمهجر من ريف حمص الشمالي، "العربي الجديد"، أنه يفكر جدياً في ترك التعليم لأنه لم يعد يستطيع تلبية احتياجات عائلته. ويقول: "تعلّمت مهنة البلاط، وقد أعود إليها لأن دخل التعليم لا يكفي لمتطلبات حياة أطفالي الأربعة، وأبحث حالياً عن عمل آخر لترك التعليم نهائياً، فالأمور باتت لا تحتمل ولا بدّ من إيجاد حلول أخرى تستجيب أكثر للمتطلبات المعيشية الملحّة".
بدوره يشير المدرّس محي الدين الحمدان، إلى أن "المعلمين في شمال غربي سورية يجبرون على البحث عن أعمال أخرى فالأجور لا تتجاوز 150 دولاراً شهرياً في أفضل الحالات، وهي لا تكفي لتغطية تكاليف الحياة الأساسية. معلوم أن سعر طن الحطب مثلاً يبلغ 170 دولاراً، ونحن على أبواب فصل الشتاء، والراتب بالكاد يكفي للطعام. وبالنسبة لي يساعدني أقارب من خارج سورية عند الحاجة، ما يجعلني قادراً على الاستمرار، وإلا لكنت حالتي سيئة جداً".
ويعاني أيضاً قطاع التعليم نقص الكوادر المؤهلة، ونزوح المعلمين وعدم الاستقرار، ما ينعكس سلباً على جودة التعليم، ويفاقم ظاهرة التسرّب وعدم التحاق الطلاب بالمدارس.

المساهمون