تعبّر أمل الأحمد وهي عاملة سورية في القطاع الصحي بتركيا، عن أسفها إذ "ثمّة من يمضي في استغلال حاجة السوريين والعرب إلى العلاج، معتمدين على جهل بعضهم للغة وتفاديهم البدلات المرتفعة في المراكز الصحية، التركية خصوصاً". وتوضح الأحمد لـ"العربي الجديد" أنّ "ثمّة أشخاصاً يدّعون الخبرة في تخصّصات مطلوبة، لا سيّما النسائية والتجميلية منها، فيفتحون عيادات أو مراكز طبية، بعضها بأسماء تركية من خلال شراكة مع أطباء أتراك، ويمارسون العمل من دون ترخيص قانوني أو مراقبة حكومية".
تضيف الأحمد وهي مسؤولة عمليات التحصين في مركز "نولو الثاني" الصحي الواقع في حيّ الفاتح بإسطنبول، أنّ "الحكومة التركية تلاحق هؤلاء، وقد أُغلق بالفعل عدد من المراكز وحُوّل عدد من ممارسي المهنة من دون تغطية قانونية إلى المحاكم، وذلك بعد زيادة الممارسات والمخاطر، خصوصاً عقب تسجيل حالات إجهاض لدى بعض النساء وتعرّضهنّ لمخاطر صحية".
وتشير الأحمد إلى "إغلاق عيادة في منطقة كولجوك بولاية كوجايلي الواقعة إلى الشرق من إسطنبول، أخيراً، يديرها سوري يدّعي أنّه طبيب، بعد ضبط أدوات طبية تُستخدم في عمليات جراحية وأجهزة تصوير بالموجات فوق الصوتية ومئات من علب الأدوية". وترى الأحمد أنّ "صعوبة تعديل شهادة الطب في تركيا والسماح للأطباء العرب بمزاولة المهنة، من دون تعديل واعتماد، دفع عدداً منهم إلى فتح عيادات غير قانونية أو التستّر في مشافٍ خاصة أو عيادات تركية والعمل من دون ترخيص".
وكانت الجمعية الطبية السورية قد حذّرت، أمس الجمعة، العرب والسوريين من التوجّه إلى المراكز والعيادات غير المرخّصة التي يديرها "نصّابون ومنتحلو صفة الأطباء"، خصوصاً في التخصّصات النسائية، معلنة في بيان عن أسماء الأطباء الذين يحملون رخصاً لممارسة الطب الخاص بالأمراض النسائية والتوليد لديها. وأشارت الجمعية في بيان إلى انتشار عيادات متخصصة في إجهاض النساء تعمل من دون ترخيص. فقبل أشهر، ضجّت وسائل إعلام تركية بخبر ضبط السلطات شقّة في منطقة إسنيورت بإسطنبول، تبيّن أنّها حُوّلت إلى عيادة نسائية تُجرى في داخلها عمليات إجهاض غير قانونية، وقد "تحوّل مطبخ الشقة إلى مختبر وعُثر على نرجيلة في إحدى خزائن العيادة".
وفي تركيا، ثمّة 178 مركزاً صحياً للمهاجرين أُنشئت بعدما خصّص الاتحاد الأوروبي منحة بقيمة ثلاثة مليارات يورو لمجموعة واسعة من المبادرات (تركّز على اللاجئين في تركيا، وتشير أنقرة إلى أنّها أنفقت عليهم حتى الآن 25 مليار دولار أميركي) مثل فرص التعليم وبرامج الخدمات الاجتماعية، علماً أنّ حصة وزارة الصحة منها سنوياً نحو 300 مليون يورو. وهذه المنحة لا توفّر، بحسب الاتفاقية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، الرعاية الصحية الأولية فحسب، بل تقدّم كذلك خدمات التحصين والمشورة في مجال تنظيم الأسرة وخدمات الصحة النفسية وإعادة التأهيل البدني، بالإضافة إلى توفير 26 وحدة صحية متنقلة للوصول إلى السوريين الذين يعيشون في خارج المدن.
وفي هذا الإطار، تفيد مصادر سورية متخصصة بأنّ الاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي وتركيا عند إنشاء المراكز ينصّ على علاج السوريين، لكنّ المراكز اليوم تعالج المهاجرين من كلّ الجنسيات في تركيا، بل وكذلك أولاد السياح. فشعار المراكز "ممنوع رفض استقبال الأطفال".
وتقول الأحمد إنّ "التكاليف صفر ولا يدفع المريض أيّ بدل مالي لقاء الفحص والتحاليل والتصوير. كذلك فإنّ الدواء مجّاني بعد منح المريض وصفة طبية مختومة يصرفها من الصيدليات المتعاقدة مع البرنامج الأوروبي".
من جهته، يتحدّث مدير المركز الصحي للمهاجرين في حيّ إسنيورت بإسطنبول، الدكتور عبد الله الخيمي، لـ"العربي الجديد"، عن "زيادة الإقبال على المراكز نظراً إلى ارتفاع أعداد المهاجرين إلى تركيا وارتفاع أجور الأطباء وأسعار الدواء في البلاد بنحو 30 في المائة في فبراير/شباط الجاري".
وكان الخيمي قد قال في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" إنّ "المراكز كلّها مموّلة من الاتحاد الأوروبي فيما تديرها وزارة الصحة التركية، وهي فرصة للعلاج المجاني لجميع المهاجرين وفيها تخصّصات عدّة وكوادر تجيد لغات معظم اللاجئين".
وحول وجود أطباء غير حاصلين على رخص مزاولة المهنة، يؤكّد الخيمي أنّ "وزارة الصحة التركية تأكّدت من شهادات الأطباء السوريين العاملين في المراكز الصحية، وخضع هؤلاء لاختبارات شفوية ومن ثمّ تمّ تعيينهم"، مضيفاً أنّ "المراكز الصحية مموّلة من الاتحاد الأوروبي وبقاءها مرتبط بوجود اللاجئين. لكنّ مصيرها مرتبط أيضاً باستمرار المنحة الأوروبية التي تشكّل لنا قلقاً ومخاوف في خلال تجديد العقد السنوي". ويقترح الخيمي "جمع المراكز في كلّ ولاية بمستشفى واحد، إذ إنّه بذلك يمكن تأمين كلّ التخصصات وتخفيف العبء عن المستشفيات التركية".