استمع إلى الملخص
- **الإرث الاستعماري وتأثيره على كرة القدم**: بعد سقوط النظام الديكتاتوري في 1974، ضم المنتخب لاعبين من أصول مستعمراتها السابقة مثل أوزيبيو ورافاييل لياو.
- **التحولات الكروية في القرن الحادي والعشرين**: شهدت البرتغال تحسنًا في نتائجها بفضل جيل لويس فيغو وكريستيانو رونالدو، مع تساؤلات حول مستقبل الفريق بعد تقدم رونالدو في السن.
مثل مرآةٍ، تعكس المنتخباتُ البلادَ التي تُمثّلها، فهي تجمع عناصر هويّتها وتكثّفها في فريق من 11 لاعباً كأنما يختزلون شعباً. مسار هذه المنتخبات عبر السنوات والمسابقات الكروية الكبرى يعمل مثل تاريخ موازٍ للأمم، تضيئه هذه السلسلة التي يستأنف موقع "العربي الجديد" نشرها بمناسبة بطولتي اليورو وكوبا أميركا 2024. تتناول حلقة اليوم تاريخ منتخب البرتغال.
للقب الكبير الوحيد الذي حققته البرتغال، وهو يورو 2016، حكاية عجيبة. لم يكن المنتخب مرشحاً عامها للتتويج، ففيما عدا نجم الفريق الأول كريستاينو رونالدو الذي كان بلا منازع وقتها أفضل لاعب أوروبي، كان هناك تراجع في جودة اللاعبين البرتغاليين مقارنة بتشكيلة لاعبي الجيل السابق الذي كان يعجّ بالأسماء اللامعة، ولم يستطيعوا رغم ذلك تحقيق أي لقب دوليّ للبرتغال، خصوصاً في دورة 2004 التي كانوا فيها المرشّح الأول للتتويج الأوروبي، وأقيمت البطولة على أرضهم.
وفي نسخة 2016 تلك، بدأت البرتغال متعثرة فلم تحقق أي انتصار خلال دور المجموعات، ومرّت من المركز الثالث الذي كان قبل دورة واحدة لا يؤهّل أصحابه إلى الأدوار الإقصائية، ومن ثمّ بدأت تتالى الانتصارات وصولاً إلى المباراة النهائية أمام فرنسا، منتخب البلد المستضيف. هكذا، فإن كان من أمل للتتويج فهو معلّق على فلتة كروية تأتي من أقدام رونالدو. ومن سوء الحظ، أو من دهاء أحد منافسيه، أنه أصيب في بداية المباراة، ما أوحى بأن الطريق بات مفتوحاً للمنتخب الفرنسي غير أن لاعبيه فشلوا في التهديف فظلت النتيجة متعادلة بلا أهداف.
وفي نهاية الوقت الأصلي، دفع المدرب البرتغالي فيرناندو سانتوس بلاعب أسمر يُدعى إيدير، لم يكن معروفاً بالمرة، سيسدد بعد دقائق كرة قوية من بعيد فإذا بها تدخل المرمى الفرنسي وتتوّج البرتغال بطلة على أوروبا. لم يلمع اسم إيدير قبل تلك التسديدة، ولا حتى بعدها، فكان مثل مبعوث من العناية الإلهية كي يمنح البرتغال لقباً ثم يختفي.
إمبراطور وأبناء مستعمرات
وُلد إيدير في غينيا بيساو عام 1987 لأسرة هاجرت في بداية التسعينيات إلى البرتغال، مستعمر البلد السابق. حكايته تشبه حكايات عدة لاعبين تداولوا على حمل قميص المنتخب البرتغالي، حتى إنه بعد نهائي 2016 راج تعليق بأن "أبناء مستعمرات البرتغال فازوا على أبناء مستعمرات فرنسا"، فالاعتماد على أصحاب الأصول الأفريقية والعربية والجنوب أميركية في المنتخبات الأوروبية بات قاعدة وليس استثناء، حتى أصبحت مسابقة اليورو شاشة يرتسم فيها العصر ما بعد الكولويالي لأوروبا بوضوح.
كانت البرتغال قد سلّمت في عام 1999 ماكاو للصين، باعتبارها آخر مستعمرة لها خارج حدودها التاريخية. وقبل ذلك، في 1974، سقط النظام الديكتاتوري الذي حكم البرتغال نصف قرن وطالما تمسّك بالمستعمرات، فإذا بـ"ثورة القرنفل" التي أرست حكماً ديمقراطياً في البرتغال تتيح تحرّر أنغولا والموزمبيق وغينيا بيساو وكاب فيردي وتيمور الشرقية. وقبل قرن ونصف تقريباً كانت البرازيل - وهي درّة تاج الإمبراطورية البرتغالية - قد استقلّت. وأكثر من ذلك، أصبحت بفضل مواردها البشرية والطبيعية تتفوّق على المستعمر السابق، في حالة نادرة في العلاقات الدولية. وليس هناك أفضل من كرة القدم كي نرى هذه المعادلة المقلوبة، فقد أصبحت البرازيل قوة عالمية بارزة في كرة القدم، وبقيت البرتغال في الظل، وحين يلمع منتخبها يسمّى "برازيل أوروبا".
وعلى العموم، لم تحافظ البرتغال على هيمنة مباشرة، سياسية أو اقتصادية، على مستعمراتها السابقة كما فعلت دول أوروبية أخرى. ويمكن القول إن ملامح الإمبراطورية البرتغالية القديمة تتجلى اليوم أساساً عبر كرة القدم، وتشكيلة المنتخب بما هو صورة مصغّرة للتركيبة الاجتماعية الجديدة ما بعد 1974. فلم تعد تخلو تشكيلة المنتخب البرتغالي من لاعبين من أصول موزمبيقية، أشهرهم على الإطلاق أوزيبيو، أو أنغولية ويلمع في أيامنا المهاجم رافاييل لياو، كما نجد لاعبين من أصول برازيلية مثل بيبي وديكو.
لكن هذا البعد الإمبراطوري لا يتجلى فقط في التركيبة العرقية للمنتخب، بل على مستوى الفارق في الإشعاع بين لاعبيه، ففي معظم محطات مساره التاريخي يظهر المنتخب البرتغالي منظّماً على هذا النحو: إمبراطور وعشرة لاعبين آخرين.
ستجد هذه البنية الإمبراطورية بوضوح في منتخب البرتغال خلال اليورو الأخير (ألمانيا 2024). فرغم تقدّم رونالدو في السن، لا يزال المنتخب يدور في فلكه؛ فالخطة التكتيكية والعناصر المشاركة في التشكيلة توضع على مقاسه حتى بدا أحياناً أن الأولوية لدى المنتخب البرتغالي أن يسجّل رونالدو هدفاً يضيفه إلى سجلّه من الأرقام القياسية. وقد دفع المنتخب ثمن ذلك بانسحابه من ربع نهائي يورو 2024 من دون أن تظهر إمكانيات لاعبيه، وإن ظهرت فقد عجز رونالدو في ترجمتها إلى أهداف. وقس على ذلك دورات كثيرة سابقة كان النظام الإمبراطوري يحكم المنتخب البرتغالي فيعيقه عن الذهاب بعيداً. ومن الوجيه هنا أن نتساءل: لو لم يغادر رونالدو نهائي 2016 مبكراً، هل كان رفاقه سيتحرّرون وينتزعون اللقب الذي بدا مستحيلاً عند إصابته؟
قبله، نُصّب لويس فيغو إمبراطوراً بدءاً من عام 2000. وخلال القرن العشرين، كان أوزيبيو إمبراطور الستينيات. ثلاثتهم هم البرتغاليون الوحيدون الذين أحرزوا الكرة الذهبية. وقد صنع هؤلاء الأباطرة مجد البرتغال الكروي، فبدونهم لا وجود للبرتغال على الخريطة الدولية، ومعهم تصبح مرشّحة مرهوبة الجانب، لكنها تبالغ أحياناً في تبجيل الإمبراطور فتغرق السفينة بكل من فيها. فالوعي الإمبراطوري الذي تقارب به البرتغال الأشياء ينقلب ضدّها معظم الأوقات.
البرتغال في انعزاله المتصلّب
خلال القرن الحالي، لا تغيب البرتغال عن أيٍّ من البطولات الكروية الكبرى. لم يكن الحال كذلك في القرن الماضي، إذ لم يصل هذا البلد إلى المونديال إلا عام 1966 مع أوزيبيو، في مشاركة مميزة حقق فيها البرتغاليون المركز الثالث، ثم عادوا مجدداً إلى الغياب حتى مونديال 1986 وظهروا فيه بصورة باهتة، ثم اختفوا مجدداً حتى 2002. أما في كأس أوروبا، فقد حضر البرتغال أول مرة عام 1984 ثم غاب إلى 1996 مع فيغو، ثم انتظم أيضاً في مشاركاته إلى أيامنا.
كانت النتائج السلبية الطاغية على القرن العشرين تعبّر عن خيارات سياسية اتبعها البرتغال الذي تحوّل عام 1911 إلى جمهورية من دون التخلّي عن النظام الاستعماري ومنطقه الإمبراطوري. بيَدٍ من حديد، حكم أنطونيو سالازار البرتغال من 1932 إلى عام 1968 تماماً مثل إمبراطور في القرن السادس عشر. وتواصل نظامه الذي سماه بـ"إستادو نوفو" (الدولة الجديدة) حتى أسقطته "ثورة القرنفل" عام 1974. لكن، وعلى عكس ما يوحي به الاسم كان مبدأ "الدولة الجديدة" هو الحفاظ على البرتغال القديم، والذي لا يتجلى فقط في رفض التفريط بالمستعمرات، إذ يتمظهر كذلك في التمسك بالتقاليد العريقة، أي البرتغال بفلاحاته الصغيرة، وحِرَفه اليدوية، ونظامه الاجتماعي المحافظ، وأسواقه الحذرة من الإفراط الاستهلاكي.
كرة القدم في كل هذا هي رياضة لا يحاربها نظام سالازار، لكنها لا تتجاوز المساحة التي يحدّدها الزعيم، فلا احتراف في أنديتها ولا استثمار سياسياً في المنتخب الوطني، وبذلك حكم الدكتاتور على بلاده - من حيث يدري أو لا يدري - ألا تكون قادرة على منافسة بلدان تحوّلت فيها كرة القدم إلى مؤسسة فرجوية-ربحية عملاقة.
إذن لم يكن مستغرباً أن تكون نتائج البرتغال الكروية ضعيفة للغاية، في بلد يؤمن قادته بالانعزال بوصفه عامل فخرٍ وطني. اختار البرتغال بذلك أن يكون، خصوصاً من العشرينيات إلى الخمسينيات، بلداً مُغلقاً على الأفكار والبضائع والسلوكات الجديدة. وكانت الفائدة الوحيدة التي جناها من سياسة الانعزال هو تجنيب البلاد ويلات الحرب العالمية الثانية، لكن سالازار عرف لاحقاً كيف يستفيد من فترة ما بعد الحرب، فبفضل موقعه الجغرافي دُعي كي يكون من بين مؤسسي حلف الناتو، وقد كانت الاستفادة مضاعفة في ظل إحجام إسبانيا عن دخول الحلف حتى الثمانينيات، ما يعني أن الديكتاتور انتفع طوال حكمه من مسايرة القوى العظمى لنزواته، ومنها حرصه ألا تدخل بلاده إلى الحداثة، وأن تظل بناه الاقتصادية تقليدية. ومن الطبيعي أن التأخر الاقتصادي سينعكس تأخراً كروياً.
رياح نزع الاستعمار
اقتضى تأمين استمرار الإمبراطورية الاستعمارية الدفع بشباب البرتغال نحو التجنيد. فرَض سالازار أربع سنوات من الخدمة الإلزامية، وهي سنوات تُقتطع من عقد العشرينيات الذي يحتاج إليه من يرغب في التألق الرياضي، وكانت الديكتاتورية بذلك تقتل في المهد نواة أي منتخب محتمل. لكن، لم يكن ممكناً أن يمنع البرتغال بلا نهاية هبوب الرياح العابرة للمحيطات.
في منتصف القرن العشرين، نشطت حركات التحرّر من الاستعمار، وبدأت بريطانيا وفرنسا بالتفريط في الأراضي التي احتلتها، ما دفع سالازا إلى تعديل مقاربته للمسألة الكولونيالية، فانتهج سياسة جديدة عُرفت بـ"الليسوتروبيكالية" وهي صيغة من الهيمنة الناعمة تدّعي أن الاستعمار البرتغالي قام على الاعتراف بالتنوّع الثقافي وعلى التعايش بين مختلف الأجناس الموجودة في الأقاليم التي تديرها البرتغال.
وفي الحقيقة، لا تدين نعومة الاستعمار البرتغالي إلا لعدم اندراج البلاد ضمن النسق الجنوني للرأسمالية كما في دول أوروبية أخرى أوصلها توسّع مصالحها وتزايد حاجياتها إلى المضيّ بعيداً في نهب الثروات البشرية والطبيعية والثقافية. مهما يكن من أمر فقد غيّرت هذه السياسة أوضاعاً كثيرة فانفتح باب التنقل بين جميع أراضي الإمبراطورية، ما انجر عنه حركة هجرة نحو البرتغال-المركز، وسيكون لذلك أثر مباشر على كرة القدم.
في عام 1960، غادر الشاب أوزيبيو مدينة مابوتو في الموزمبيق نحو لشبونة حيث كان ينتظره رجال شاهدوه يلعب كرة القدم في المسابقة المحلية في بلاده، ومن ثمّ سيلعب ذلك الشاب لصالح نادي بنفيكا لـ15 موسماً غيّر خلالها معالم أكثر من خريطة كُروية. في البرتغال، اكتسح النادي الدوري المحلي خلال الستينيات بعد أن سيطر نادي سبورتينغ لشبونة في الخمسينيات. وفي أوروبا، وبعد أن كانت مشاركات الفرق البرتغالية محتشمة، حقّق بنفيكا أول لقب أوروبي للبرتغال عام 1961 وحافظ على اللقب في العام ذاته. وهما لقبان أوقفا سلسلة تتويجات ريال مدريد الإسباني الذي حصد الخمس نُسخ الأولى من المسابقة.
إضافة إلى مهاراته الكروية، كان أوزيبيو ترجمة دقيقة لفلسفة الليسوتروبيكالية، فقد جسّد هذا البرتغالي-الموزمبيقي إلى جانب رفاقه البرتغاليين-الأوروبيين رؤية سالازار حرفياً، وأصبح نادي بنفيكا، ولاحقاً منتخب البرتغال، وسيلة بروباغندا ناجعة داخل المستعمرات ستمكّن من استمرار الإمبراطورية سنوات أطول وبأقل التكاليف. ومنذ أن وُضع أوزيبيو داخل تركيبة المنتخب تغيّر حال "سيليساو" أيضاً، وحقق لأول مرة نتائج إيجابية، وصولاً إلى الترشح لكأس العالم 1966.
لكن المُسكّن السالازاري لم يتواصل طويلاً فالشعوب المستعمرة قد نظّمت حركات تحرّر ضدّ لشبونة أجبر الدكتاتور على إظهار الوجه الدموي للاستعمار البرتغالي. وبذلك، ظل نظام "الدولة الجديدة" قابضاً بالعنف على مصير المستعمرات الأفريقية حتى سقوطه، وحين غادر البرتغاليون تركوا معظم تلك البلدان في حروب أهلية دامية حول السلطة لم تنته إلا في التسعينيات. لم يظهر البرتغال في المسابقات الكروية حتى هدأت تلك الحروب، أي حين تخلّص من لعنة مستعمراته.
دفن سالازار أخيراً
مع انضمامها إلى "نادي الديمقراطية"، دخلت البرتغال إلى الحداثة الكروية أخيراً، فقد بدأت تتهيكل الأندية وفق نماذج أندية أوروبا الغربية، وبدأت العناية بتكوين لاعبين منذ المراحل العمرية المبكرة، وهؤلاء ستجدهم البرتغال في تشكيلة المنتخب بدءاً من 1996 مع جيل الحارس فيكتور بايا والمدافع فرناندو كوتو وصانع الألعاب روي كوستا ولويس فيغو في بداياته. وبما أن الإمبراطور الجديد كان يافعاً كانت النتائج عادية (ربع نهائي خلال دورة 1996).
في صيف عام 2000، ملأ فيغو الدنيا وشغل الناس. كان النجم الأول وقائد فريق برشلونة، لكنه وافق على الانتقال إلى غريمه ريال مدريد في أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم. دخل فيغو (وأدخل البرتغال) مرحلة جديدة من العلاقة بكرة القدم، وقد أصبحت تُلعب تحت الأضواء الكاشفة لنظام النجومية الجديد الذي يعبر العالم.
لم تدخل البرتغال إلى الحداثة الكروية إلا مع بداية القرن الحادي والعشرين
وفي عام 2000 نفسه، أقيم اليورو وقدّم فيغو وزملاؤه مستوى جيداً وصلوا به إلى نصف النهائي، ثم في نهاية العام توّج لاعب ريال مدريد بالكرة الذهبية بعد أربعة عقود تقريباً من تتويج مواطنه أوزيبيو. أشّر ذلك على تحوّل في تاريخ البرتغال الكروي مع دخول القرن الجديد، فلم تغب بعد ذلك عن دورة كروية كبرى، وباتت قوة مرهوبة الجانب على مستوى المنتخب، وأحياناً على صعيد الأندية.
أتى كل ذلك بعد سنوات برهنت فيها البرتغال على حسن اندماج في النظام العالمي الجديد. في مفتتح القرن الجديد، كان قد مرّ عقدان على انضمام البرتغال إلى الاتحاد الأوروبي، وتجلى ذلك كروياً من خلال هجرة لاعبيه إلى أقوى الدوريات الأوروبية، ما كان عاملاً إضافياً في تقوية المنتخب، فكان الجيل الذي قاده فيغو يضم مواهب مميزة كالمهاجمَين نونو غوميش وباوليتا والجناح سيرجيو كونسيساو، إضافة إلى بلوغ روي كوستا درجة أعلى من نضج موهبته. وحين اطمأن على المادة البشرية للمنتخب، خطا البرتغال خطوة أخرى في إظهار اندماجه حين ترشّح لتنظيم يورو 2004 ومنح له.
البروتوكولات الإمبراطورية إلى النهاية
كان الخط التصاعدي للكرة البرتغالية يوحي بأن عام 2004 يمكن أن يدفع ببلاد فيغو إلى تحقيق لقب دولي لأول مرة. خصوصاً، وقد تطعّم جيل اللاعبين الذين شاركوا في اليورو السابق بمواهب جديدة مثل ريكاردو كارفالو ومانيش وديكو واللاعب الصاعد وقتها كريستيانو رونالدو. ولترجمة تطلعات البرتغال آنذاك، عُهد إعداد المنتخب للمدرب البرازيلي فيليبي سكولاري الذي فاز قبل سنتين بكأس العالم.
لذلك اليورو حكاية عجيبة أيضاً، لكنها لم تنته نهاية سعيدة، تماماً كما أنها لم تبدأ جيداً. في المباراة الافتتاحية انهزم البرتغاليون أمام اليونان أضعف منتخبات المجموعة على الورق. كانت هزيمة أليمة، لكنها اعتُبرت مجرّد كبوة عارضة مما يحدث بسبب الضغط في المباراة الافتتاحية. وفعلاً سرعان ما تدارك البرتغاليون بالفوز على روسيا وإسبانيا وعبروا للدور الثاني، ثم واجهوا منتخبات قوية مثل إنكلترا وهولندا في الأدوار الإقصائية وتغلبوا عليها، وبذلك وصل البرتغاليون إلى النهائي وهم في موقع المرشّح الأول، خاصة أن الطرف الثاني لم يكن سوى اليونان، مرة أخرى، أي ذلك المنتخب المغمور الذي حقّق إلى هناك مفاجأة كبيرة. لكن أحفاد الإغريق لم يكتفوا بما حققوا وهزموا البرتغاليين مجدداً، تاركين إياهم - بعد أن استعدوا لإطلاق الاحتفالات - يعيشون أسوأ كابوس في تاريخهم. كان أقسى من تلك السنوات التي كانوا فيها عاجزين عن الوصول إلى النهائيات.
اختتمت تلك النسخة بمشهد بكاء شهير لكريستيانو رونالدو صاحب الـ19 عاماً. ومثّل الحيز الزمني بين يورو 2004 وكأس العالم 2006 مرحلة نادرة الحدوث فقد التقى إمبراطوران برتغاليان في التشكيلة نفسها. وفي تلك الفسحة الزمنية القصيرة، قدّمت البرتغال أفضل أداء كرويّ في تاريخها، ليس بفضل فيغو ورونالدو وحدهما، بل بمختلف عناصر التشكيلة البرتغالية. غير أن كل ذلك لم يُتح للبرتغال غير الاقتراب من القمة، فيما ظّل بلوغها ممتنعاً. فمن الصعب أن نتخيّل وضعية مريحة حين يجلس إمبراطوران على كرسي واحد، وعلى وجه آخر لا تحبّذ التقاليد البرتغالية النزعة الجماعية التي برزت في ذلك الجيل.
وفيما يكون التوازن بين مواهب اللاعبين عامل قوة في منتخبات أخرى، بدا مثل لعنة على صفحة تاريخ منتخب البرتغال. ومع مرور سنوات قليلة، عادت التشكيلة البرتغالية إلى بنيتها الإمبراطورية وقد بات كل شيء يدور حول كريستيانو رونالدو، خصوصاً أنه لم يكتف مثل أوزيبيو وفيغو بكرة ذهبية واحدة، بل راح يراكم الكرات الذهبية واحدة تلو الأخرى، فأحرزها خمس مرات من 2008 إلى 2017، في سنوات مجده الطويلة بين مانشستر يونايتد وريال مدريد.
وكلما زاد إشعاع رونالدو كان بقية اللاعبين البرتغاليين ينطفئون، أو يبدون منطفئين أمام لمعانه. هكذا تقتضي البروتوكولات الإمبراطورية. حتى إذا دخل الإمبراطور شيخوخته، وبات عبئاً واضحاً على المجموعة، لا ترى من يجرؤ على تغيير الصيغة الرّاسخة. وما لم يأخذ بنفسه قرار التنحّي، فما على البرتغال سوى أن تساير إمبراطورها إلى أن يأتي إمبراطور جديد أو تعود إلى عزلتها قليلاً.