كان عام 2021 صعباً بالنسبة إلى المهاجرين السريين الباحثين عن حياة آمنة بعيداً عن واقعهم المأزوم كلّ في بلده. يأتي ذلك في ظل تشدّد أوروبي بالإضافة إلى استغلالهم من قبل المهرّبين، ما أدّى إلى غرق مئات من دون اكترث لأرواحهم.
هزّ اكتشاف جثث عشرات المهاجرين في شاحنة على مقربة من الحدود بين هنغاريا والنمسا أواخر صيف عام 2015 ضمائر الأوروبيين، كما فعلت صور جثة الطفل السوري آلان الكردي التي وجدت على شاطئ تركي أثناء عبوره مع أسرته البحر إلى أوروبا. في المقابل، بدا العام 2021 أكثر تعبيراً عن تغير المزاج والسياسات في دول الاتحاد الأوروبي، التي انتهجت سياسة التشدد في وجه الساعين إلى اللجوء والهجرة. على الرغم من ذلك، واصل مهربون اتباع طرقات تهريب تستهتر تماماً بالأرواح.
ومنذ صيف العام الحالي، كانت الحدود البيلاروسية - البولندية شاهدة على معاناة الكثير من اللاجئين نتيجة استغلالهم بمشاركة حكومات. كما شهدت مياه البحر الأبيض المتوسط الكثير من القصص المأساوية.
وخلال النصف الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، اختار كثيرون الهجرة السرية بدافع اليأس، علهم يصلون إلى أوروبا ويبدأون حياة جديدة. وعلى الرغم من الوعود بوصول "آمن"، كانت الخسائر في الأرواح كبيرة. وفجر 25 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عثر خفر السواحل اليوناني على 16 قتيلاً على متن قارب غرق في بحر إيجه قرب جزيرة باروس اليونانية. هؤلاء الضحايا انضموا إلى ضحايا آخرين انقلب بهم قارب صغير قبالة جزيرة فوليغاندروس اليونانية. وقبل ذلك، قتل 11 مهاجراً جنح قاربهم قبالة جزيرة أنتيكيثيرا. وفي خلال أقل من أسبوع، بدءاً من 20 ديسمبر/ كانون الأول، غرق ما لا يقل عن 30 شخصاً في المياه الفاصلة بين تركيا واليونان.
ثلاثة حوادث حصدت أرواح العشرات في ظل استغلال المهربين لحاجة هؤلاء إلى الفرار واستخدام مراكب شراعية مسروقة بدلاً من تلك المطاطية لكسب المزيد من الأرباح. وبات المهربون يسرقون قوارب أو يخوت صغيرة ويبتزون الساعين إلى "وصول آمن" ويطلبون ما لا يقل عن 8 آلاف يورو، بحسب منظمات عدة متخصصة في شؤون الهجرة. وكشف خفر السواحل اليوناني عن سرقة قوارب منها شراعية فاخرة لا تتسع سوى إلى 10 أشخاص كحد أقصى، لكن يُكدس فيها أكثر من 100 مهاجر، بينهم نساء وأطفال، يرغبون في الوصول إلى إيطاليا. وكان شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي قد شهد مأساة قرب جزيرة صقلية الإيطالية حين غرق نحو 100 مهاجر على متن مركب مسروق، غالبيتهم من أفغانستان، وقد أبحروا من مدينة إزمير التركية.
أحد الناجين قال في شهادته إن "المركب مخصص لبضعة أشخاص، لكن المهربين حشروا أكثر من مائة شخص فيه، وكان علينا دفع 8500 يورو أنا وزوجتي"، بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويقول مساعد ممثل المفوضية في اليونان أدريانو سيلفستري، إن "تحطم القوارب (أخيراً) هو تذكير مؤلم بأن الناس يواصلون القيام برحلات خطيرة بحثاً عن الأمان". وفي وقت سابق، أكدت المفوضية أنّ "هناك حاجة ملحة لطرقات آمنة إلى أوروبا حتى يتوقف الناس عن المخاطرة بحياتهم في هذه الرحلات المأساوية".
صحيح أن العام 2021 شهد وصول أكثر من 116 ألفاً من طالبي اللجوء عبر البحر المتوسط حتى 19 ديسمبر/ كانون الأول بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أكثر من نصفهم إلى إيطاليا وربعهم إلى إسبانيا، وأصبحت قبرص وجهة لقوارب التهريب من شواطئ شرق المتوسط، إلا أن المأساة ليست أقل من تلك التي شهدها هذا المسار عام 2015، الذي شهد وصول نحو مليون مهاجر.
ولم تخف نسبة الغرق في بحر إيجه على الرغم من تراجع أعداد الواصلين إلى الجزر اليونانية بشكل ملحوظ، بالمقارنة مع ما كان عليه الحال عام 2015. وساهمت الاتفاقية التركية الأوروبية في ربيع 2016 في انخفاض الرقم من مئات آلاف إلى نحو 8 آلاف عام 2021، في ظل سياسة الجدران والحراسة المشددة، الأمر الذي أدى إلى خفض أعداد الواصلين إلى اليونان، مع إمكانية الترحيل مجدداً إلى تركيا.
وتنص الاتفاقية على أنه يُعاد جميع اللاجئين غير النظاميين المارين من تركيا إلى الجزر اليونانية إلى تركيا اعتباراً من 20 مارس/ آذار 2016. كما يمكن إعادة توطين لاجئ سوري واحد في الاتحاد الأوروبي في مقابل كل سوري يُعاد إلى تركيا من الجزر اليونانية. وتتولى تركيا أيضاً مسؤولية السيطرة على الطرق البرية والبحرية الجديدة وحراستها؛ من أجل إبقاء المهاجرين غير النظاميين الساعين للوصول إلى أوروبا بعيداً. في المقابل، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات مالية بقيمة 7.3 مليارات دولار أميركي حتى عام 2018 للحكومة التركية لتمويل إقامة مشروعات للاجئين السوريين.
وفي اليونان، يعيش المهاجرون مأساة أخرى بسبب تجريم الهجرة واعتقال طالبي اللجوء واستغلال المهربين المهاجرين وطلبهم منهم مبالغ طائلة، بحسب منظمة العفو الدولية. ولأن نحو 46 ألف لاجئ عالقون في اليونان على أمل الوصول إلى دول أوروبية أخرى، فهذا يعني أن عمل المهربين لم ينته. ويعمل هؤلاء على تأمين جوازات سفر مزورة لتأمين الوصول جواً إلى دول أخرى.
وحتى دون احتساب عشرات حوادث الغرق الأخيرة، تقدر الأمم المتحدة أن 2021 شهد وفاة أو فقدان أثر أكثر من 2500 شخص أثناء محاولة العبور بحراً من شمال أفريقيا ودول الشرق الأوسط. ومن جهتها، تنتقد منظمات حقوق الإنسان الدولية، منها "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية وغيرهما، بشدة انتهاج أوروبا سياسات هجرة متشددة، بما في ذلك عمليات الصد العنيفة التي شهدها بحر إيجه والبحر المتوسط. وأدت تلك السياسة في حالات كثيرة إلى مآس قبالة سواحل ليبيا وتونس، بعدما امتنعت سفن أوروبية عن إغاثة المراكب التي تكتظ بالمهاجرين، ودفعها نحو خفر السواحل الليبي.
ووثقت منظمات حقوقية قيام بعض خفر السواحل بتوقيف المراكب ومصادرة الممتلكات وترك الناس على متنها لمصير مجهول. وحدث ذلك في بحر إيجه والبحر المتوسط خلال العامين الماضيين بشكل متزايد، ما خلق سجالاً أوروبياً متواصلاً حول أخلاقية وقانونية الصد البحري والبري واستخدام العنف في بعض الحالات.
في المجمل، فإن الحالة الصعبة التي تعيشها دول منشأ الهجرة واللجوء، سواء الصراعات والنزاعات أو هشاشة الأوضاع الاقتصادية وقمع الحريات، تدفع عشرات الآلاف العالقين في دول العبور، سواء في شمال أفريقيا أو تركيا، بل وحتى في دول مثل لبنان وسورية كما حدث خلال الأشهر الأخيرة، إلى خوض تجربة مخاطر الوصول إلى أوروبا ما أدى إلى إزدهار لسوق التهريب الذي يدر الملايين على شبكاته الساعية للربح من دون الاكتراث لأرواح ومصائر المهربين.