مهن صيف المغرب... أطفال وشباب يكافحون البطالة على الشواطئ

23 يوليو 2024
يعتاش من بيع لوازم البحر خلال فصل الصيف (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **فرص العمل الموسمية للشباب المغربي**: الشباب المغربي يستغل العطلة الصيفية للعمل في بيع المثلجات والوجبات الخفيفة وتأجير الشمسيات والكراسي وكراء الشقق لتغطية مصاريفهم الدراسية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

- **التحديات الاقتصادية والاجتماعية**: نقص التعليم والتدريب يؤدي إلى عدم توفر فرص عمل دائمة، مما يدفع الشباب للعمل في مهن موسمية رغم قسوة الظروف المناخية والمعيشية، مع ارتفاع نسبة البطالة إلى 13% في 2023.

- **الاقتصاد غير المهيكل والمخاطر الاجتماعية**: المهن الموسمية تفتقر إلى الضمانات والحماية، مما يعرض العاملين لمخاطر الاستغلال والعنف. يدعو الخبراء إلى تقنين هذه المهن وتحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية لضمان حقوق العاملين.

لا يُخطّط الشاب المغربي سعيد ناحي للسفر خلال فصل الصيف، بل يستعدّ خلال الأيام القليلة المقبلة للبدء في بيع الوجبات الخفيفة للمُصطافين على شاطئ عين الذئاب بمدينة الدار البيضاء مسقط رأسه. تُحرّكه الرغبة في جني بعض الأموال التي تمكنه من تغطية مصاريف دراسته للعام المقبل.
وتُشكّل العطلة الصيفية فرصة عمل موسمية لكسب الرزق بالنسبة إلى آلاف الشباب، بينهم طلاب وقاصرون وأطفال وعاطلون من العمل في المغرب، ينتشرون على الشواطئ ويبيعون المثلجات والوجبات الخفيفة، أو يعملون في كراء (تأجير) الشمسيات والكراسي، أو يقفون بمفاتيح شقق جاهزة للكراء، أو يصطفون خلف عربات المشروبات الباردة أو لوازم السباحة وألعاب الأطفال

يقول ناحي لـ "العربي الجديد": "اعتدت العمل خلال العطل والأعياد في مهن موسمية عدة حتى أتمكن من توفير دخل يعينني على شراء لوازمي واحتياجاتي، بالإضافة إلى مساعدة أسرتي، في ظل الواقع الاقتصادي الصعب". ويوضح المتحدث وهو منهمك في تجهيز لائحة أولية بكل ما يحتاجه للوجبات، أن موجة الغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية، يزيدان من واقع المعاناة اليومية التي يحياها الشباب المغاربة، ويقلصان هامش الربح من هذه الأنشطة الموسمية، بالإضافة إلى أنهما يحرمان كثيرين من التمتع بأجواء العطلة الصيفية.
ويشرح أن برنامج عمله خلال الصيف يبدأ في الصباح الباكر بهدف تجهيز أكثر من مائة وجبة خفيفة، مع الحرص على النظافة وحسن المذاق، وكل أمله أن يحالفه الحظ في بيع كل شيء وخصوصاً خلال نهاية الأسبوع حيث يكتظ الشاطئ بالزوار.
أما الشاب محمد عبد الغني، فلم يختلف حاله عن سابقه كثيراً، فالصيف لا يعني له سوى العمل، والبقاء تحت أشعة الشمس لساعات قصد كراء الشمسيات والكراسي للراغبين فيها مقابل مبلغ مالي لا يتعدى حتى في وقت الذروة مبلغ 30 درهماً. لكن يبقى الأمر أفضل من البطالة.
يقول لـ "العربي الجديد" إنه غادر مقاعد الدراسة، ولا يملك أية شهادة أو تكوين يؤهله للبحث عن عمل أفضل، وقد تنقل بين مهن عدة شاقة دخلها هزيل في مجالي البناء والصباغة. ومنذ ثلاث سنوات، شرع في العمل برفقة صديقين له في كراء الشمسيات والكراسي خلال فصل الصيف لكل من يقصدون شاطئ تماريس بالعاصمة الاقتصادية للاستجمام في ظل ارتفاع درجات الحرارة. ويشير إلى أن العمل في الصيف يختلف كلياً عنه في الأعياد والمناسبات، وخصوصاً في ظل الأجواء الحارقة، وما يفرضه الوضع من قدرة على التحمل في ظل الواقع المعيشي السيئ. يتابع: "نحن أبناء الفقراء، إن لم نحفر في الصخر، فلن نجد حتى قوت اليوم".
ووفقاً لإحصائيات رسمية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب صدرت في مايو/ أيار الماضي، فإن 1.5 مليون شاب وشابة تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، من دون عمل، ولا تعليم، ولا تكوين. هؤلاء الشباب لا ينتمون إلى فئة التلاميذ أو الطلاب أو المتدربين، وهم في وضعية بطالة خارج الساكنة النشطة، أي لا يبحثون عن شغل لسبب من الأسباب. عدد هذه الفئة يُصبح 4.3 ملايين شاب إذا تمّ توسيع الفئة العمرية لتشمل من هم ما بين 15 و35 سنة. في حين أشارت أرقام المندوبية السامية للتخطيط (حكومية) إلى أن نسبة البطالة في المغرب صعدت إلى 13% خلال عام 2023، لترتفع من 11.8% في 2022، وسط صعوبات اقتصادية عانتها البلاد أبرزها الجفاف. وزاد عدد العاطلين من العمل في السوق المحلية بمقدار 138 ألفاً، ليستقر عند 1.58 مليون فرد. وبلغت بطالة الشباب بين 15-24 عاما خلال العام الماضي نحو 35.8%.

الاستجمام ليس متاحاً للمضطرين إلى العمل صيفاً (فاضل سنا/ فرانس برس)
الاستجمام ليس متاحاً للمضطرين إلى العمل صيفاً (فاضل سنا/ فرانس برس)

لا مجال للاستجمام


ورغبة في مواجهة شبح البطالة، فكّرت السعدية نعينع في خوض غمار تجربة بيع ملابس السباحة للنساء، خصوصاً بعدما فقد زوجها ومعيلها الوحيد عمله إثر حادث سير. تقول لـ "العربي الجديد": "الوضع المستجد لأسرتي وحاجة زوجي لأدوية وعلاجات، بالإضافة إلى مصاريف أخرى دفعتني إلى التحرك بحثاً عن مورد رزق، من دون أن أغادر البيت لحاجة أسرتي لي، وبما أنني حاصلة على دبلوم في الخياطة وتصميم الأزياء، فقد ساعدني ذلك كثيراً". تضيف: "صممت ملابس سباحة وغيرها لقريباتي وجاراتي وصديقاتي، وبفضل التشجيع الذي تلقيته قررت الاستمرار مستعينة بوسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع قاعدة البيع وتحقيق ربح مادي أفضل".
وتؤكد الأربعينية وهي أم لثلاثة أطفال: "كان بودي أن نختار أي وجهة لقضاء العطلة وتحقيق متعة السفر والاستجمام لأبنائي، لكن ما باليد حيلة، الظروف لا تسمح، والصيف يتبعه دخول مدرسي ومصاريف كثيرة لتوفير الحاجيات الدراسية من كتب ولوازم وغيرها".
أما محمد بنيحيى الذي يعمل منذ بداية شهر يوليو/ تموز الحالي في محل لبيع ألعاب الأطفال ولوازم البحر، فيقول لـ "العربي الجديد"، إنه لا يخجل أبداً من العمل والكسب بعرق الجبين، وخصوصاً أن هذا المجال يعرف انتعاشة خلال الصيف، ويقبل الناس على شراء هدايا لأطفالهم أو أقاربهم المتفوقين دراسياً، أو لمناسبات أعياد الميلاد وعاشوراء،  ناهيك عن الألعاب المرتبطة بالبحر والسباحة.
ويشير إلى أن ما يجنيه من مقابل يشعره بالمسؤولية والقدرة على المساهمة في كسوة إخوته والمساعدة في شراء الأدوية الكافية لوالدته التي تعاني من الروماتيزم والضغط.

مهن بلا ضمانات وحماية


ويقول المتخصص في علم النفس الاجتماعي، محسن بن زاكور، لـ "العربي الجديد": "هذه المهن الموسمية تندرج في إطار الاقتصاد غير المهيكل، المتفلت من التصريح الضريبي والرسوم والمقر، غير أن لقمة العيش تضطر الباحثين عنها طيلة السنة أو بحسب مواسم معينة، إلى العمل لضمان العيش الكريم". يضيف: "هذه المهن في الأصل عبارة عن إفرازات لنظام اقتصادي واجتماعي مختل، ولها عدة جوانب سلبية، فلن تجد فئة الراشدين أو القادرين على مواجهة صعاب الحياة هم من يعملون فيها، بل قد تضطر الأسرة الواحدة إلى إخراج كل الأفراد للعمل، بمن فيهم الأطفال والقاصرون. وهذا المشهد بات متكرراً في الشواطئ المغربية. صغار في عمر الزهور يبيعون المثلجات والقهوة".

وينبه بنزاكور إلى أن "الأخطر من هذا، أن بعض هؤلاء أطفال يستغلون في بعض الأحيان من طرف عصابات، فمثل هذه الفضاءات تدر دخلاً كبيراً جداً، ولا يمكن للعصابات أن تسمح لهم بممارسة أنشطتهم من دون مقابل، إن لم يكن مادياً، فسيكون تحرشاً، أوعنفا واغتصاباً، أو سخرة دون مقابل".
يتابع: "كل هذه  المعطيات تجعلنا نفهم هذه المهن غير المهيكلة، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل الاجتماعي والقانوني أيضاً. لا مجال للحديث عن حقوق الطفل، ولا عن أي شكل من أشكال الحماية والضمانات. كلها تبعات تفضي إلى عدم الاستقرار الأسري، وبروز ظواهر كالاغتصاب والمتاجرة بالبشر".
ووفقاً للمتحدث، فإنه من دون الاعتراف بهذه المهن وبضرورة تقنينها، فإن هذا الوضع سيستمر على ما هو عليه، داعياً الجهات المختصة إلى إعادة النظر في النسيج الاقتصادي والسياسات الحكومية، والمساهمة في إرساء بنية اقتصادية لا تُفرّخ المقصيين اجتماعياً.

المساهمون