استمع إلى الملخص
- مريم الحاتمي، التي واجهت سرطان الثدي في سن الثلاثين، أسست الجمعية المغربية لمرضى السرطان في 2020 لتقديم الدعم النفسي والتوجيه والاستشفاء.
- خلال شهر أكتوبر الوردي، تنظم الجمعية المغربية لمرضى السرطان أنشطة توعوية بالتزامن مع حملة "فحصك آمن ومطمئن" لتعزيز الوعي بالكشف المبكر والدعم النفسي.
لم تكن المغربية منى علوان، تتوقّع حين علمت بإصابتها بسرطان الثدي، عام 2017، أنّها ستعيش إلى يومنا هذا لتتحوّل من مريضة إلى مسانِدة ومُحتضِنة لمريضات السرطان في المغرب. تحكي علوان قصتها لـ "العربي الجديد"، قائلة: "لم أتقبل إصابتي بسرطان الثدي في البداية، وبعد إجراء التصوير الشعاعي للثدي (الماموغرام)، كانت الصدمة كبيرة لي ولأسرتي الصغيرة، بخاصة أنها جاءت بعد رحلة تعافٍ من سرطان عنق الرحم، اعتقدت لوهلة أنها النهاية، لارتباط المرض بالموت، لكن مع الوقت، استجمعت قوتي وقررت الانخراط في مسار العلاج".
تضيف: "بدأت رحلة العلاج داخل مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان بمدينة الدار البيضاء (غير حكومية)، التي أُنشئت عام 2005، وخضعت للعلاج الكيميائي والإشعاعي. كنت أعود منهكة إلى البيت، لكن نظرات أبنائي كانت تدفعني إلى إظهار التماسك، رغم أنني بكيت كثيراً وتألمت مراراً وأنا أفقد وزني وأرى شكلي يتغيّر تماماً. لكنني لم أستسلم، وتدريجياً بدأت أتعافى وأعود لحياتي الطبيعية حتى عام 2018، حين بشّرني الطبيب استناداً إلى نتائج الفحوصات والتحاليل بالخبر السار: لقد هزمت السرطان".
فترة صعبة مرت بها المريضة. تقول إن زوجها تخلى عنها، وكانت السند لنفسها، غير أن حكايات كثيرة سمعتها من مريضات بعيدات يقطعن مسافات لأجل العلاج، ولا يجدن ثمن الأدوية ولا مأوى، دفعتها إلى التفكير في طريقة لتقديم المساعدة. توضح علوان: "خلال فترة العلاج، فكرت في طريقة لمساعدة المصابات اللواتي يُثقل الفقر والعوز كاهلهنّ، عدا عن المرض وتكاليفه المرتفعة. وبعد عدة استشارات وتنسيق مع فعاليات مجتمعية، تمكنت من إطلاق جمعية تحدي وشفاء مرضى السرطان، عام 2017 في مدينة المحمدية، في محاولة لتخفيف العبء عن المريضات وتقديم الدعم المعنوي والمادي لهنّ، وتنظيم ندوات وورشات للتوعية على المرض وطرق الوقاية والعلاج". تتابع: "كان المرض بمثابة درس كبير لي في فهم الحياة واختبار مشاعر متنافرة، لكنني قررت تحويل المحنة إلى منحة، والمساهمة ولو بجزء بسيط في مساعدة مريضات سرطان الثدي، وإبراق رسالة أمل لهنّ، بأن المرض لا يعني النهاية، وقد نجحت في تقديم الدعم لآلاف المستفيدات".
وتستدرك قائلة: "لم أتوقف عن دعم المريضات، رغم أن الجمعية تعمل دون دعم رسمي، وفقط بجهود فردية ومساهمات من المحسنين في توفير الأدوية والعلاجات والفحوصات". وتشير إلى أنها عملت في الآونة الأخيرة على تجهيز بطاقات تنقل مجانية للمصابات للتخفيف من العبء المادي عليهنّ ومساعدتهنّ على استكمال رحلة العلاج دون يأس.
"معاً نتخطى الألم"...رحلة التعافي من سرطان الثدي
بدورها، اختارت مريم الحاتمي (36 عاماً)، ابنة مدينة آسفي، أن تضع يدها في يد المصابات من أجل تخطي الألم، إذ تدير بهمة وعزيمة الجمعية المغربية لمرضى السرطان، التي ترفع شعار التميز في مكافحة مرض السرطان، والعمل على تقديم خدمات متكاملة.
عن تجربتها، تقول لـ"العربي الجديد": "كنت في الثلاثين من عمري حين ظهرت عليّ الأعراض الأولى لسرطان الثدي على شكل كتل. هرعت في الحين إلى الطبيب للكشف، فطلب مني إجراء التصوير الشعاعي، ولمزيد من التدقيق وجّهني لإجراء التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، وهكذا بدأت رحلتي مع السرطان عام 2019".
لم تصدق الأم التي كانت حديثة العهد بالفطام، أنها أصيبت بالسرطان في هذ السن، إنه المرض المخيف الذي يقترن بالنهاية الوشيكة لدى الجميع، كذلك فإنها لم يسبق أن عايشت حالات مصابة من قبل، ولا يوجد أي تاريخ عائلي للمرض. تتابع: "لم أتقبل المرض، وخصوصاً عندما تحدثت معي الطبيبة بصراحة عن البروتوكول العلاجي، وعن الأعراض المرافقة التي يجب أن أستعدّ لها، بما فيها تساقط الشعر، الغثيان، القيء، الإسهال، فقدان الشهية، الإرهاق، الحُمّى. لقد كانت قاسية معي، بينما كنت في أمسّ الحاجة إلى يد تطبطب عليّ وتهوّن من مخاوفي".
تضيف: "صحيح أنني أجريت العملية الأولى لإزالة الأورام، لكن اقتناعي بالبدء بجلسات العلاج كان على يد طبيب آخر شجعني على المضيّ قدماً في محاربة المرض. وفعلاً بدأت والتزمت، وتعهدت بإتمام المسيرة، وما زلت في طور التعافي". وتوضح أن "ما كانت تفتقده في أوج مرضها هو الدعم النفسي بوصفه أولى الخطوات الصحيحة في رحلة الشفاء".
لم يقف المرض عائقاً أمام الحاتمي، بل جعلها ترى الأمور من منظور آخر. تقول: "تعلمت ودرست وحصلت على دبلومات في التمريض والإسعاف والنقل الصحي والمساعدة الاجتماعية". تحولت إلى محاربة لسرطان الثدي ولكل التصورات والأحكام الجاهزة عنه، من خلال الجمعية المغربية لمرضى السرطان التي رأت النور عام 2020. وتؤكد الحاتمي أن الجمعية تعمل عبر 4 مسارات، يتمثل المسار الأول بالتوجيه والإرشاد من خلال الحملات الطبية والتوعية والتحسيس. ويهتم المسار الثاني بالاستشفاء عبر توفير الأدوية والمبيت والتنقل والمرافقة والتشخيص الطبي والتخفيضات في الفحوصات والتحاليل. أما المسار الثالث، فيُعنى بتقديم الدعم النفسي من خلال الترفيه والأنشطة الرياضية والتدريب النفسي والورشات اليدوية، فيما يشمل المسار الرابع المواكبة في رحلة ما بعد التعافي.
معاً نربي الأمل
وعن أكتوبر الوردي، توضح الحاتمي أن الجمعية تحرص على تنظيم مجموعة من الأنشطة التي تهمّ إشراك النساء المكافحات في ورشات تكوينية في الطبخ والموسيقي والتجميل، والدعم النفسي بحضور اختصاصيين في المجال شددوا على أهميته باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الرعاية الشاملة، إذ يسهم في تحسين نوعية حياتهم بشكل كبير، فهو يخفف من القلق والاكتئاب، ويحسّن التكيف مع المرض من خلال توفير استراتيجيات للتعامل مع التحديات النفسية والجسدية التي يواجهونها، كذلك يزيد من التزام العلاج، ويعزز العلاقات الاجتماعية من خلال التواصل مع الأهل والأصدقاء، وبصفة عامة يحسّن جودة الحياة من طريق العثور على معنى وأمل في حياتهنّ.
حملة "فحصك آمن ومطمئن"
ويعدّ أكتوبر الشهر العالمي للتوعية على سرطان الثدي، ومحطة لتعزيز الجهود الرسمية والمجتمعية والصحية عبر حملات توعوية وورشات ولقاءات حول أهمية الكشف المبكر والدعم النفسي. في هذا السياق، تتواصل في المغرب الحملة الوطنية التي أعلنتها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية للتوعية على سرطان الثدي وعنق الرحم، وحتى 31 من الشهر الجاري تحت شعار "فحصك آمن ومطمئن".
وتهدف الحملة، بحسب منظميها، إلى رفع مستوى الوعي بين النساء من جميع الأعمار حول أهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم، بالإضافة إلى تعزيز سبل الوقاية والعلاج. وتؤكد أرقام وزارة الصحة المغربية، أن سرطان الثدي يعد أكثر أنواع السرطان انتشاراً في المغرب، إذ يمثل 40% من مجموع حالات السرطان عند النساء (12 ألف حالة سنوياً) و3,815 حالة وفاة سنوياً. كذلك يُمثل قضية صحية ذات أهمية قصوى تؤثر كثيراً في المجتمع، وتزداد خطورته مع تأخر اكتشافه، لكن البدء بفحوصات منتظمة ابتداءً من سنّ الأربعين، وممارسة الفحص الذاتي للثدي مرة واحدة كل شهر يُعززان كثيراً فرص التعافي.
ولا تزال الحملة تتفاعل في مختلف مدن المغرب، وتشهد إقبالاً ملحوظاً من مستفيدات على المحطات المختلفة للكشف عن سرطان الثدي وعنق الرحم، بالإضافة إلى توزيع بعض الأدوية بالمجان، فضلاً عن الندوات التي تسلط الضوء على أهمية الدعم النفسي للمريضات، بالإضافة إلى عدم إغفال تقديم فحوصات الكشف لفائدة سجينات داخل عدة مؤسسات سجنية.