"كنّا 19 فتاة، أصغرنا بعمر 9 سنوات، وأكبرنا بعمر 15 سنة، عندما تعرّضنا للاغتصاب على يد إحدى مليشيات الحرب الأهلية اللبنانية. اغتصبونا مداورة بكل الطرق والأشكال، وتوفيت فتاتان بيننا. ما زلتُ أذكر أحد الجناة؛ وجهه محفورٌ في ذاكرتي هو الذي بات اليوم ضيف الشاشات التلفزيونية". بحرقةٍ، تسرد إحدى ضحايا الاغتصاب في وثائقيّ قصير الواقع المرير الذي عاشته فتيات ونساء خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
بعد أكثر من أربعة عقودٍ على الحرب، شهد بيت بيروت اليوم إطلاق تقريرٍ أعدّته جمعية الحركة القانونية العالمية (LAW)، بعنوان "اغتصبونا بجميع الطرق الممكنة بطرقٍ لا يمكن تصوّرها: جرائم النوع الاجتماعي خلال الحرب الأهلية اللبنانية"، وهو التقرير الأول الذي يعرض الحقيقة المروّعة للجرائم القائمة على النوع الاجتماعي التي ارتكبت ضد النساء والفتيات خلال الحرب.
وخلص التقرير إلى أنّ "العناصر الحكومية والمليشيات الموالية للدولة والمليشيات غير الموالية للدولة قد ارتكبت العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي على نطاق واسع، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي والاغتصاب متعدّد الجناة، وتشويه الأعضاء التناسلية، والتعذيب، والإذلال الجنسي والإكراه على ممارسة الجنس، وقتل النساء والفتيات بعد اغتصابهنّ واختطافهنّ".
ووفق التقرير، "تشكّل الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني. وأفاد المستجيبون بنسبة 99 في المائة بأنّهم لا يؤيدون قانون العفو العام اللبناني رقم 84 لعام 1991 الذي منح العفو عن معظم الجرائم المرتكبة فترة الصراع، بما في ذلك جميع الجرائم ضد المدنيين".
وفي شهادةٍ حيّة خلال إطلاق التقرير، اختزلت أميرة معاناتها بالقول: "المرأة كبش المحرقة دائماً، فهي من تدفع الثمن أيام الحرب والسلم. اليوم، وأخيراً، نتحدّث عن مأساةٍ كنّا نخبّئها لعقودٍ، علماً أنّنا ما زلنا نتألم. هناك شابّة أعرفها اغتُصبت أمام والدها وشقيقها، وأخريات اختُطفن وأخرى أدمنتْ تعاطي الكحول والمخدرات، قبل أن تلقى حتفها لاحقاً. نحن ضحايا الحرب والاغتصاب وانعدام الأخلاق".
بدورها، تقول نهاد، وهي لاجئة فلسطينية: "كلّنا خاسرون في الحرب". وسردت كيف قضت إحدى المليشيات على عائلتها، حتى شقيقتها الرضيعة. "تعرّضتُ للتحرّش والمضايقات مراراً، وأُصيبت نسيبة لي بالشلل، كذلك اعتدت المليشيات على جارتي الحامل. نحن ما زلنا غارقين في دموعنا، قلبنا مجروح، ونفسيّتنا معدومة".
أما رجاء التي اغتصبت وهي في الـ16 من عمرها، فتقول لـ"العربي الجديد": "على المرأة أن تتصالح مع ذاتها وجسدها ومحيطها، وتتحلّى بجرأة المواجهة وتسمية المجرمين بأسمائهم. انتهكنا كنساء جسدياً ومعنوياً ومجتمعياً. هناك زعماء مليشيا موجودون اليوم في السلطة، تحوّل أحدهم من الاغتصاب الجسدي ومن انتهاك حقوقنا وحريتنا إلى انتهاكنا واغتصابنا على الصعد السياسية والاجتماعية والمعيشية. وهذا أكثر لعنة من أيام الحرب. نحن لم نصل إلى السلام بسبب غياب المحاسبة والمساءلة".
من جهتها، توضح رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين قسراً وداد حلواني في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك جرائم بالجملة تُرتكب بحقّ النساء في الحرب والسلم؛ هناك النساء المعنّفات في ظل عدم وجود قانون رادع لحمايتهنّ. وهناك حقوق أساسية لا تزال مهدورة، من حق المرأة بالحضانة والطلاق بحال تعرّضها للعنف، ناهيك عن تعرّض النساء للقتل على أيدي أزواجهنّ". تضيف: "إنّه نضال طويل، ولن ننسى معاناة زوجات وأمّهات المفقودين والمخفيين قسراً، فحقوقهنّ منتهكة أيضاً"، معتبرةً أنّ "عدم معالجة تداعيات الحرب وغياب المحاسبة وطمس الجرائم يعني أنّ الحرب لا تزال مستمرة، والدليل جريمة مرفأ بيروت، حيث لم تتحقّق العدالة لغاية تاريخه".
وتخلّل حفل إطلاق التقرير كلمات لكلّ من رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، كلودين عون، ورئيسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان، ريتشل دور- ويكس، ومؤسّسة ومديرة جمعية الحركة القانونية العالمية أنتونيا مولفي، ورئيسة الجمعية اللبنانية للتاريخ، نايلة حمادة. وشددت المتحدثات على أنّ "الجرائم التي ارتُكبت أيام الحرب تُعدّ جرائم منهجية ضد الإنسانية. وتبقى المساءلة المعبر الوحيد تجاه بناء السلام الحقيقي".