استمع إلى الملخص
- **تأثير الأزمة على الحياة اليومية:** انتشار النفايات في الأسواق والشوارع والمدارس زاد من الضغوط النفسية على الأهالي، مع عمل البلديات بطاقة محدودة.
- **المخاطر الصحية والبيئية:** تراكم النفايات الصلبة والسائلة يهدد الصحة العامة، مع انتشار الأمراض المعدية وتفاقم الوضع رغم الجهود الدولية والمحلية.
يعيش أهالي قطاع غزة ظروفاً صعبة في ظلّ تراكم النفايات على مقربة من تجمعات الخيام، في ظل عدم قدرة الشاحنات على إزالتها بسبب نقص الوقود، وهو ما يسبب لهم الأمراض. كذلك أعلنت وكالة أونروا عن انهيار إدارة النفايات في قطاع غزة منذ الثاني من أغسطس/آب الجاري.
بعد مناشدات بلديات محافظات قطاع غزة ومحاولات تأمين الوقود لشاحناتها وجمع النفايات والتوصل إلى حلول من أجل إزالتها بعدما تكومت فوق بعضها البعض، لا تزال معظم الشاحنات غير قادر على التحرك لإزالة النفايات بسبب عدم توفر الوقود، عدا عن تدمير شاحنات أخرى في الحرب المستمرة. هكذا استسلم الغزيون أمام واقع العيش على مقربة من النفايات، كذلك مع إعلان أكبر بلديات القطاع، بلدية مدينة غزة، في بيانها يوم الثلاثاء ان القصف الإسرائيلي دمر أكثر من 45 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي والخطوط الناقلة و126 آلية ومركبة تابعة لبلدية مدينة غزة كانت تقدّم الخدمات لسكان المدينة والنازحين إليها، مما زاد من تداعيات أزمة النفايات المنتشرة. وذكر تقرير الأمم المتحدة حول الحالة الإنسانية في أماكن النزوح في 22 يونيو/ حزيران الماضي، أن معظم الخيام وتجمعات النازحين أصبحت قريبة من النفايات، مع تقديرات بوجود أكثر من 350 ألف طن من النفايات الصلبة داخل القطاع ما بين المنطقة الجنوبية التي تضم النسبة الكبرى من المهجرين، والمنطقة الشمالية المحاصرة التي تضم عائلات دمرت منازلها وبقيت صامدة في المنطقة. وعاد في تقريره في الثاني من أغسطس/آب ليحذر من تزايد خطر انتشار الأمراض المعدية، في جميع أنحاء قطاع غزة، في خضم ندرة مزمنة في المياه وغياب الوسائل اللازمة لإدارة النفايات والصرف الصحي بشكل مناسب.
يعيش 20 فرداً من عائلة حماد في خيمة كبيرة في منطقة تجمع للخيام شرقي منطقة المواصي القريبة من جامعة الأقصى. وتبعد النفايات بضع عشرات الأمتار عن التجمع حيث يكثر الذباب والجرذان، وتصل الروائح إلى قلب الخيمة حيث يعيشون بعد تدمير منزلهم في مدينة غزة في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
ويعمد إسلام حماد (35 عاماً) إلى رمي النفايات بعيداً عن تجمع الخيام، لكن كل محاولاته تفشل. المتواجدون قرب الخيمة يحاولون عدم وضع القمامة على مقربة منهم، لكن النفايات باتت منتشرة في الخيام أو على مقربة منها. يقول حماد لـ "العربي الجديد": "في بعض الأحيان، نطلب من أصحاب العربات نقل القمامة بعد إعطائهم مبلغاً رمزياً من المال أو معلبات من التي نحصل عليها من المساعدات. لكن حتى تلك المحاولات فشلت في إزالة القمامة من المنطقة. ومهما حاول الناس، لا يجدون مكاناً لرميها، وبعضهم لا يستطيع التنقل لمسافات طويلة لرميها. نعيش ضغوطاً نفسية كبيرة جراء رائحتها التي تلتصق بملابسنا في بعض الأحيان، علماً أننا لا نجد المياه لتنظيفها فنضطر للجوء إلى مياه البحر".
وتعجز بلديات قطاع غزة عن العمل تحت الظروف القاهرة وخصوصاً بعد عملية رفح الأخيرة وإغلاق معبر رفح والاكتفاء بإدخال مساعدات وإمدادات قليلة لصالح مؤسسات دولية عاملة في قطاع غزة. وتعمل بلدية غزة بطاقة محدودة في المنطقة الشمالية بينما لا تعمل بلديات أقصى شمال القطاع، بالإضافة إلى تعطل عمل بلدية رفح بسبب العملية العسكرية. أما بلدية خانيونس فتعمل بنسبة لا تتجاوز 20% على توفير خدمات المياه وتنظيف القمامة. الأمر نفسه ينسحب على بلدية دير البلح التي أصبحت المدينة المكتظة بالمهجرين بعدما لجأ المهجرون إلى أراضيها الزراعية. كما دمر مبنى البلدية في 27 يونيو/ حزيران الماضي وكذلك البنى التحتية، وقُيّد وصول البلدية إلى نقاط وضع أكوام النفايات.
في يوليو/ تموز الماضي كانت مياه الصرف الصحي قريبة من مخيم المهجرين وسط مدينة دير البلح وسط القطاع نتيجة تدمير الاحتلال البنية التحتية واستهداف البلديات، ما عرقل حركة المهجرين في المنطقة. وكان لون مياه الصرف الصحي يميل للأخضر ويتغير اللون في الكثير من الأحيان بسبب أشعة الشمس الحارقة وتميل للتبخر والتغلغل في المياه الجوفية، وبقيت هذه الحال مع الأيام الأولى من الشهر الحالي. يقول عاملون في بلدية دير البلح إن اختلاط مياه الصرف الصحي مع ما دمره الاحتلال من بنى تحتية والمياه الجوفية والنفايات الصلبة التي يتم إلقاؤها داخل قنوات تصريف المياه، وكلها عوامل تشير إلى الخطر الكامن.
في النتيجة، يواجه الغزيون قيوداً في الحركة وحتى التنفس في أماكن تواجدهم في الخيام، وخصوصاً في أوقات المساء، إذ تنتشر روائح القمامة في كل مكان بين الخيام. في المنطقة الغربية من مخيم دير البلح وأسفل التلة المعروفة فيها والمطلة على شاطئ البحر، تنتشر أكوام كبيرة من القمامة، وقد وصلت إلى شاطئ البحر بسبب رميها من قبل البعض حيث يستجم الأهالي.
يقول أحد المهجرين في تلك المنطقة سمير فرج، إن شاطئ البحر أصبح مليئاً بالمهجرين الذين لا يجدون نقاطاً لجمع النفايات، ما يشجع الأطفال على رميها عند الشاطئ. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "نعيش وسط القمامة في كل مكان، في السوق وفي مدارس المهجرين وحتى في الشوارع وبين الخيام وعند شاطئ البحر. لهذا السبب، منعت أبنائي من التوجه للاستجمام على الشاطئ رغم أنه يبعد أمتاراً معدودة. نعيش حالة نفسية صعبة، إما الموت المحقق أو الموت جراء الأمراض".
في المنطقة الشمالية من مدينة غزة ومحافظة الشمال، تتكدّس القمامة حتى على أبواب مدارس المهجرين وفي كل مكان خصوصاً في منطقة غرب مدينة غزة، من بينها الأسواق الشعبية التي يتوجه الناس إليها، لمحاولة تفقد إن كان هناك طعام لشرائه. يقول عمر فلفل إنهم يعيشون وسط القمامة، التي باتت تفصل بين الشوارع. يتابع فلفل أن نجله يعاني من الجفاف مؤخراً، ويحاول نقل أسرته إلى أي مكان حيث لا تنتشر القمامة، إلا أن هذا الأمر بات مستحيلاً في ظل الظروف الراهنة.
يبين فلفل أن الناس في المنطقة الشمالية أصبحوا يميلون لحرق النفايات من أجل التخفيف من تكدسها في عدد من الشوارع التي أصبحت تغلق بسببها، لكنهم يعرفون تماماً حجم ضررها. ورغم ذلك، لا يجدون أي طريقة للتنقل والهرب من روائح إشعال النيران فيها أو الابتعاد عنها ولو للحظات قليلة.
يقيم فلفل في إحدى المدارس في حي النصر بعد تدمير المنطقة السكنية حيث كان يتواجد في حي الزيتون قبل شهرين، إذ كان الحي كذلك مليئاً بالقمامة، قبل أن يصل إلى حي النصر. يضيف أن اكتظاظ المهجرين من مناطق شرق مدينة غزة وشمال القطاع راكم النفايات في المنطقة، حتى أنه يرى حفاضات الأطفال والمأكولات والأدوات الطبية بين القمامة بالإضافة إلى الحشرات والذباب.
يقول فلفل لـ "العربي الجديد": "نحن عاجزون عن التطوع لتنظيف شوارعنا لأننا منشغلون في تأمين الطعام والشراب بشكل أساسي، وجمع المساعدات التي ترميها الطائرات وتلك التي تعبر شارع البحر وغيرها. الجميع يعتبر أن قضية القمامة ليست مهمة. المجتمع الدولي أرادنا أن نموت أمام عينيه ونعيش بين القمامة وننتظر الموت".
إلى ذلك، يوضح المهندس المدني والخبير البيئي أحمد أبو راس أن عمليات التخلص من النفايات قد بدأت في إبريل/ نيسان الماضي عندما كانت هناك مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وأمل في التوصل إلى اتفاق مع إدخال محدود للوقود بالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ومنظمة الصحة العالمية للتقليل من انتشار الأمراض المعدية والتي تساهم القمامة في نقلها. لكن مؤخراً، تفاقمت الأزمة بشكلٍ أكبر خصوصاً مع الشهر الأخير الذي تقلصت فيه المساحة الإنسانية ووضع الغزيون في مساحة محدودة جداً وفيها تتواجد النفايات وتزيد يومياً دون تصريف صحي وحلول.
ويوضح أبو راس أن عملية التهجير الأخيرة والتدمير بفعل المجازر الإسرائيلية أديا إلى تراكم القمامة مع حركة النزوح الجديدة، في ظل غياب البنية التحتية. وتكمن الخطورة في تراكم النفايات الصلبة واختلاطها بتلك السائلة في النقطة الجغرافية نفسها، الأمر الذي يلحق الضرر بالمواطنين وبالبنية التحتية التي تلحق أضراراً في الحفر الامتصاصية (حل منخفض التكلفة جداً لتصريف مياه الصرف) والمياه الجوفية وطبيعة التربة، علماً أن قرابة 90% من سكان قطاع غزة هم من المهجرين بشكل دائم. بالتالي، تنتشر القمامة غير المعالجة في نقاط تواجد المهجرين، سواء في الشتاء أو في الصيف وسط درجة حرارة مرتفعة.
ويقول أبو راس لـ "العربي الجديد" إن "الأمراض التي تسببها القمامة هي بالأساس موجودة في قطاع غزة مثل الربو والالتهاب الرئوي. لكن الخطر الحقيقي الآن هو ملاحقة تلك الأمراض وتأثيرها على الأطفال والعدوى التي تنقلها الحشرات وسط تواجد كبير للذباب الملون، ومنه ذباب ناقل للكوليرا وحمى التيفوئيد ومرض الجذام (مرض مزمن ومعدٍ يسببه نوع من البكتيريا، يُسمى المتفطرة الجذامية)، وهي أمراض انتقلت بين النازحين، لكن تفاقم النفايات وعدم التوصل إلى حل لإزالتها يعني أننا على بُعد أشهر قليلة من تفشي الأمراض".