يستفيد المؤمنون من سكان القدس المحتلة وكذلك عدد محدود من الزوّار والسياح من الهدوء غير المعهود في كنيسة القيامة التي تعجّ عادة بالمصلّين، على الرغم من أنّ هذا "الترف" لا يمحو أجواء الحزن والأسى السائدة وسط الحرب المستمرّة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويعبّر المنظّم البريطاني الكاثوليكي لرحلات الحجّ نويل غوميس عن شعوره بـ"صدمة"، إذ إنّ الموقع الذي يُعَدّ من الأكثر قدسيّة بالنسبة إلى المسيحيين يبدو شبه مهجور.
وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، كان من المفترض أن تأتي مجموعة من 60 شخصاً في رحلة منظمة إلى الموقع، لكنّ الحرب المستمرّة على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ساهمت في إلغائها.
ويتحدّث غوميس لوكالة فرانس برس عن طوابير الانتظار الطويلة التي تنتهي، في العادة، عند المراحل الأخيرة من درب الصليب في الكنيسة الواقعة داخل أسوار البلدة القديمة في القدس. ويضيف أنّ "الوصول إلى المرحلة الرابعة عشرة" عند قبر المسيح يستلزم عادة "ساعة أو ساعتَين من الانتظار".
من جهتها، تقول المرشدة السياحية ناعومي ميلر: "نشعر بأنّ أزمة كورونا الوبائية قد عادت". تضيف أنّه "من المحزن جداً" رؤية "أحد أكثر الأماكن المقدّسة للمسيحيين في العالم" مقفراً.
ثمّة آخرون ينظرون إلى الأمور من الجانب الإيجابي، من أمثال الشماس الأرمني ناريك دانيليان الذي يثمّن "الزيارة المريحة" مقارنة بما كان الوضع عليه قبل أزمة كورونا، عندما كان "ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف زائر يصلون يومياً".
بدوره، يفضّل الكاهن القبطي كيرلس الورشالمي "الصلاة بسلام". فهذا الكاهن المصري يُضطر في العادة إلى "الوقوف خمس ساعات يومياً مع 10 إلى 20 شخصاً" يطلبون منه "الصلاة من أجلهم".
تقول امرأة لوكالة فرانس برس، وهي تبتسم، إنّ في غياب الحشود "من الأسهل ركن السيارة والتقاط الصور". هي أتت خصّيصاً إلى الموقع، حاملة أوراقاً تتضمّن صلوات كلّفها كاتبوها وضعها على "حجر الطيب" الذي يُقال إنّ جسد المسيح أُلقي عليه قبل دفنه.
أمّا الراهبة المكسيكية ماريا سيلينا ميندوزا، فتبدو مشاعرها متضاربة. هي وصلت في سبتمبر/ أيلول الماضي، وإقامتها محدّدة بثلاثة أشهر، علماً أنّها تابعة للرهبنة الفرنسيسكانية. لكنّها لم تغادر بيت الحجاج حيث تسكن طوال شهر تقريباً، بعد السابع من أكتوبر الماضي.
ولدى توجّه هذه الراهبة، البالغة من العمر 69 عاماً والتي كانت مبشّرة في أنغولا، إلى كنيسة القيامة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، شعرت بـ"تأثّر شديد" بحسب ما تقوله، إذ تمكّنت من الدخول بمفردها إلى المزار الصغير فيه، "ومن دون أن تُطلب منك المغادرة". من جهة أخرى، تشير إلى أنّ رحيل كلّ هؤلاء الناس "جعلني أشعر بحزن عميق".
في غياب الحجاج والسياح، بات من السهل لأهل القدس الوصول إلى الكنيسة، وهو "أمر نادر ومميّز"، بحسب ما تؤكده امرأة فلسطينية من الطائفة الأرثوذكسية. تضيف هذه المرأة أنّ هذه المرّة الأولى التي أقصد بها المكان "للصلاة من أجل السلام".
في الصباح الباكر، تقتصر الحركة حول "النار المقدسة" في قلب الكنيسة، على رافعة وجرار لنقل التراب والحجارة في حاويات بلاستيكية.
من جهة أخرى، استؤنفت أعمال ترميم أرضية الكنيسة التي كانت قد بدأت في العام 2022 ثمّ ترافقت مع حفريات أثرية، بعد عودة "عدد قليل من العمّال الفلسطينيين" بحسب ما يقوله رئيس الكنيسة اللاتينية الأب ستيفان ميلوفيتش.
ويلفت الأب الفرنسي إلى أنّ ثلاث طوائف تشرف على كنيسة القيامة، هي الكاثوليكية واليونانية الأرثوذكسية والأرمنية، فيما يرتادهما مؤمنون من طائفتَين أخريَين، من الأقباط والسريان الأرثوذكس. ويؤكد أنّ "كنيسة القيامة توحّد المسيحيين المشتّتين في أماكن أخرى".
(فرانس برس)