بعد كل عدوان وتصعيد إسرائيلي على غزة تنشط فرق الدفاع المدني والشرطة ووزارة الداخلية لتأمين الأحياء والمواقع المدمّرة من المتفجرات التي لم تتفجر. وتنفذ الأجهزة الفنية التابعة لقسم هندسة المتفجرات في وزارة داخلية القطاع تحديداً مهمات خطرة في هذا المجال يمكن القول إنها تشبه تلك الخاصة بمواجهة جنود الاحتلال الإسرائيلي على أرض المعركة.
تعتبر مهنة مهندس المتفجرات الأصعب في غزة نسبة إلى مخاطرها، والتي تزيدها قلة الإمكانات المتوافرة لدى أجهزة الأمن المحاصرة، وافتقادها التقنيات المتطورة للتعامل معها، باعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع منذ سنوات تزود أجهزة الأمن بمعدات حديثة.
يوضح مهندس المتفجرات أحمد ماضي أنه يطوّر مع زملائه قدراته على مواجهة مخاطر العمل باستخدام أقل الإمكانات المتاحة، وبينها الحصول على معلومات خاصة بالمتفجرات، رغم ملاحظتهم أن الاحتلال الإسرائيلي يحدّث نوعيتها وأصنافها لدى قصفه الغزيين. ويشير إلى أنه يدرك خطر المهنة على مستقبله، ويشعر بقلق زوجته المتواصل عليه، علماً أنه أب لأربعة أطفال. ويقول لـ"العربي الجديد": "مهنتنا مبنية على مخاطر متنوعة في مرحلة ما بعد القصف. ونحن نتعمد مرات عدم إخبار أسرنا عن تفاصيل جولاتنا، لأنها تخلق قلقاً لهم، علماً أننا فقدنا سابقاً زملاء كُثر لدى تنفيذهم مهمات ميدانية، وأصيب آخرون بإعاقات. وأحياناً نفكر بأننا نودع أطفالنا لأننا لا نعلم هل سنعود أحياء أم أمواتاً أم مصابين".
ويصف عضو الفريق الفني لتفكيك المتفجرات مجدي عوض الجولات الأخيرة التي نفذها الفريق في غزة بأنها "الأكثر صعوبة". ويقول لـ"العربي الجديد": "عثرنا خلال توجهنا إلى بلدة بيت حانون على مخلفات أسلحة لم تنفجر وسط منطقة مأهولة، في وقت عادت عائلات للإقامة قرب منازلها المدمرة وحاولت نصب خيم، فواجهنا في البداية مشكلات في إقناعها بالابتعاد عن المكان لمدة يومين، ثم وجدنا متفجرات أسفل أساسات المنازل".
ويشير عوض إلى أن "مهمات فرق الهندسة لا تقتصر على فحص المتفجرات وإزالتها، إذ تشمل أيضاً فحص المواد السامة والخطرة، ورصد شظايا الانفجارات بين المساكن، علماً أن تركيبة الأسلحة والصواريخ الإسرائيلية ترتكز على انفجارها عند اصطدامها بأي جسم، ونشرها شظايا ومواد ثقيلة تحملها".
ويروي عوض أن انفجاراً حصل مرة قرب موقع كان موجوداً فيه لتفكيك قنبلة مدفعية، "ولولا أن المحتويات والشظايا ارتطمت بكتلة إسمنت لكنتُ في عداد الشهداء. هناك لحظات تكون نسبة النجاة فيها قليلة، وأنا أسلم أمري للعناية الإلهية، وأعتبر نفسي جندياً أقاتل في معركة لحماية أرواح الناس".
وبعدما توقف العدوان الإسرائيلي الأخير في 21 مايو/ أيار الماضي، نشطت الطواقم الفنية التابعة لإدارة الأدلة الجنائية وهندسة المتفجرات في وزارة الداخلية بغزة على مدار شهرين لتحييد مخاطر 1400 قنبلة إسرائيلية لم تنفجر. ويذكر رئيس قسم التوعية والإرشاد في هندسة المتفجرات بغزة محمد مقداد أن "المتفجرات التي استهدفت المنشآت والمدنيين خلال العدوان اختلفت عن السابق، ما يعني أنها خضعت لتطوير لتصبح أكثر فتكاً بالغزيين، وشملت قذائف مدفعية كبيرة، وأخرى دخانية، وصواريخ موجّهة، وقنابل ذات أنواع وأحجام مختلفة". يضيف: "التعامل مع عدد كبير من المهمات خلال أيام قليلة لم يكن أمراً بسيطاً، ومهنة مهندس وفني المتفجرات أشبه بمقاتل واستشهادي في معركة".
يذكر أنه خلال العدوان الإسرائيلي الثالث عام 2014، قضى 7 أشخاص، بينهم 3 من أفراد فريق هندسي، هم الرائد تيسير الحوم، مدير هندسة المتفجرات في شمال القطاع، ونائبه الرائد حازم أبو مراد، والمساعد بلال السلطان، إضافة إلى صحافيين، في انفجار صاروخ من المخلفات لدى تنفيذ مهمة في شمال قطاع غزة. وفي عام 2015، انفجرت أجسام من مخلفات العدوان في مخيم الشابورة بمدينة رفح، جنوب غزة، ما أدى إلى استشهاد خمسة أشخاص من عائلة أبو نقيرة وجرح 30 من أفراد العائلة ذاتها وسكان في المخيم.
ويذكر مقداد أن 20 شهيداً من عناصر جهاز هندسة المتفجرات في غزة سقطوا منذ عام 1996، غالبيتهم بعد عام 2006، وبعضهم خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة، كما جرح العشرات. وسبب ذلك غياب المعدات والحصار الإسرائيلي، علماً أن الجهاز يضم متخصصين تلقوا تدريبات في دول متقدمة.