سلّطت وفاة رضيعة عمرها 3 أشهر، ليل أول من أمس الجمعة، في مركز تابع لوزارة الصحة الفلسطينية ببلدة حوارة جنوب مدينة نابلس شماليّ الضفة الغربية، الضوء على التقصير الحكومي في توفير الخدمات المطلوبة للمناطق التي يستهدفها الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون.
وتوفيت الرضيعة غرام ياسر عرفات بعد نقلها من قرية عينابوس إلى مركز طوارئ بلدة حوارة المجاورة، حيث لم يتوافر مولد كهربائي لتشغيل جهاز التنفس الاصطناعي، وأيضاً أنابيب أكسجين، ما جعل أحد المسعفين يستخدم عبوة مياه فارغة لمحاولة ضخ الهواء إلى رئتي الطفلة.
وروى الوالد لـ"العربي الجديد" أن زوجته أرضعت طفلتهما ووضعتها في السرير، ثم تفقدتها بعد دقائق ووجدت أنها غير قادرة على التنفّس، فنقلت على وجه السرعة إلى مركز طوارئ حوارة القريب، حيث فوجئت العائلة بانقطاع التيار الكهربائي وعدم وجود مولّد، وحاول مسعف بلا جدوى ضخ الأكسجين إلى رئتي غرام عبر وضع فوهة قارورة مياه بلاستيكية على فمها، والضغط عليها لإدخال الهواء.
ويفترض أن يخدم مركز "طوارئ حوارة" أكثر من 140 ألف مواطن يقطنون في 25 بلدة وقرية جنوب مدينة نابلس التي تُعَدّ بين أكثر المناطق سخونة، ويهاجمها باستمرار جيش الاحتلال والمستوطنون.
ويُخبر الأب أن "المركز الصحي كان شبه خالٍ، ولم تتوافر فيه سيارة إسعاف، فانتظرنا نصف ساعة وصول سيارة إسعاف خاصة، لكن بعد فوات الأوان، إذ فارقت غرام الحياة، ونحن نشكو إلى الله تقصير المسؤولين".
وبعد الواقعة، وجّه رئيس بلدية حوارة، معين الضميدي، رسالة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس طالبه فيها بتحويل مركز طوارئ حوارة إلى مستشفى يخدم منطقة جنوب نابلس، وتطوير خدماته التي لا تليق حالياً بمستوى المنطقة، وملاحقة مسبّبي وفاة الرضيعة ونقص الاحتياجات الأساسية في المركز، و"ذلك تنفيذاً لقرار أصدرته الرئاسة في يونيو/ حزيران 2022، لكنه لم يطبق على أرض الواقع لأسباب لا تعلمها البلدية".
وكان تشييد مبنى طوارئ حوارة، الذي يضم طوابق عدة، قد استكمل خلال فترة الانتفاضة الثانية، وذلك على نفقة متبرعين في بلدة حوارة وبلدات مجاورة، وتسلمته وزارة الصحة من أجل إدارته تنفيذاً لاتفاق وقعه وزير الصحة السابق فتحي أبو مغلي عام 2009، ونصّ على تقديم بلدية حوارة المبنى إلى وزارة الصحة مقابل أجر. وبعدها حوّلت الوزارة بعض طوابق المبنى إلى كلية باسم "ابن سينا للتمريض"، شرط أن تتولى هذه الكلية تأهيل طابقه الأرضي الذي تبلغ مساحته ألف متر مربع، من أجل إنشاء مركز طوارئ على مدار 24 ساعة، وكذلك مركز ولادة، وآخر للأشعة، وتوفير سيارة إسعاف، لكن لم ينجز شيء من ذلك حتى اليوم.
هجوم على الوزيرة
وتابع: "حصلت الوزارة على دعم بقيمة نصف مليون دولار من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ونصف مليون شيكل من متبرعين بعد المحرقة، وكان الاتفاق أن تذهب لتجهيز مركز الطوارئ، فأين أنفقت فعلياً؟".
من جهته، أوضح المستشار القانوني لبلدية حوارة المحامي خالد رشيد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "مركز طوارئ الحوارة يعاني من نقص حاد في كل التجهيزات والكوادر الطبية، وحتى أبسط الاحتياجات لا توجد فيه، وسأل: "هل يعقل في عام 2023 استخدام قنينة ماء بلاستيكية لضخ الهواء لرضيعة تختنق؟ وحتى سيارة الإسعاف التي جلبت لا تصلح لنقل مرضى، فهي غير مجهزة بأي معدات، ويطلق أهل بلدة حوارة عليها تسمية سيارة نقل الموتى".
ونقل موقع "ألترا صوت فلسطين" عن القائم بأعمال مدير إدارة المستشفيات في وزارة الصحة الفلسطينية معتصم محيسن، قوله إن "الطفلة وصلت إلى المركز الطبي وقد فارقت الحياة"، وعزا عدم وجود تيّار كهربائي في المركز إلى "تنفيذ أعمال صيانة في المنطقة"، فيما أقرّ بعدم وجود مولّد كهربائي في المركز، "لكنه لم يكن سبب الوفاة".