مطلع العام الحالي، ذكرت وسائل إعلام حكومية أن فتح مزيد من قنوات بيع اليانصيب سيكون إحدى أولويات السلطات، وقالت إن "إنشاء قنوات جديدة سيكون مهمة وطنية رئيسية في المستقبل القريب تحتم توسيع قاعدة المستخدمين".
ووفقاً لوزارة المالية الصينية، وصلت مبيعات تذاكر اليانصيب إلى 50 مليار يوان (6.8 مليارات دولار) في إبريل/ نيسان الماضي، وهي الأعلى منذ عقود، كما تجاوزت 175 مليار يوان (24.14 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الحالي، بزيادة تصل إلى 50 في المائة سنوياً.
ورغم أن المقامرة غير قانونية في الصين، لكن ألعاب اليانصيب الوطني التي تديرها الدولة، وتشمل يانصيب الرعاية الاجتماعية، واليانصيب الرياضي، حققت نجاحات كبيرة منذ أن أنشئت خلال ثمانينيات القرن العشرين.
وتدر ألعاب اليانصيب 500 مليار يوان (69 مليار دولار) سنوياً، ويستخدم جزء من العائدات في تمويل المشاريع الحكومية والخيرية. وحتى وقت قريب استقطب اليانصيب في الصين مستهلكين في منتصف العمر وكبار السن فقط، حيث كانت تباع التذاكر في أكشاك للصحف ومتاجر تديرها الدولة، لكن حالة عدم اليقين الاقتصادي الحالية جعلت الشباب أكثر اهتماماً بتجربة حظهم، بحثاً عن ثروة سريعة.
إثارة متكررة
تقول لين وانغ التي تبلغ 36 عاماً، وتقيم في مدينة شينزن (جنوب) لـ"العربي الجديد": "يمثل اليانصيب لي نافذة لإنشاد الأمل والإقبال على الحياة، في ظل الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. لعبت اليانصيب الرياضي للمرة الأولى خلال مونديال قطر 2022، وجنيت نحو 500 دولار، بعدما توقعت نتائج بعض المباريات، وما شجعني على ذلك أن جميع أصدقائي كانوا يفعلون ذلك، وكذلك أفراد أسرتي، لذا أعتقد بأن الأمر يتعلق بالمتعة والإثارة، وهو وسيلة لكسب المال بسرعة". وتوضح لين أن الأمر لا يقتصر على شريحة محددة، خصوصاً مع صعود ورواج مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت مقاطع فيديو للرابحين، وجرى تداولها على نطاق واسع، ما حفّز آخرين. كما رافق ذلك انتشار مواضيع حول اليانصيب على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل "ما يجب أن تفعل بعد الفوز بالجائزة الكبرى لليانصيب البالغة 170 مليون يوان (23.5 مليون دولار)".
وقد حصدت هذه المواضيع حوالي 400 مليون مشاهدة، كما ركزت العديد من المنشورات على تقديم نصائح للمستخدمين حول ما يجب فعله إذا فازوا بالجائزة الكبرى، مثل حماية أنفسهم من المحتالين، وإخفاء وجوههم أثناء تسلّم الجوائز.
من جهته، يذكر وو جيان، وهو موظف في شركة اتصالات، أنه يشتري ورقة يانصيب كل أسبوع كي يختبر حظه، وما شجعه على ذلك انتشار مقاطع فيديو على الإنترنت للفائزين بمبالغ مالية كبيرة. ويقول لـ "العربي الجديد": "الأمر مجرد ترفيه بالنسبة لي. أدفع مبلغاً ضئيلاً مقابل ورقة اليانصيب، وإذا خسرت يتلاشى الشعور بالخيبة سريعاً، ولو ربحت مرة واحدة كل شهر أستطيع أن أعوض كل ما دفعته خلال الفترة السابقة".
ويشير إلى أن أكبر مبلغ حصل عليه من الفوز بجائزة يانصيب هو 1500 يوان، (نحو 210 دولارات). ويقول: "أجمل ما في الأمر حالة التوقع وإثارة الأعصاب أثناء كشف الرقم الخاص بالبطاقة، لكن كل شيء ينتهي بعد ثوانٍ معدودة".
الجميع يريد المال السريع
ويوضح شياو دونغ، وهو صاحب متجر لبيع اليانصيب في مدينة شنغهاي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "مبيعات اليانصيب تراجعت بنسبة 50 في المائة بسبب عمليات الإغلاق الطويلة، تنفيذاً لسياسة صفر كوفيد الحكومية، لكن مع مطلع عام 2022 عاد الانتعاش إلى هذه الصناعة، إثر انضمام لاعبين جدد، بعدما كان الأمر يقتصر على كبار السن في سنوات سابقة، وتزايد رغبة الحكومة في توسيع هذه الصناعة، والجميع يريد أن يكسب المال بوسائل سريعة لا تستدعي جهداً كبيراً".
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، تشي جيانغ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "مع ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 20 في المائة، خلال العامين الماضيين، وجد الشباب ضالتهم في شراء بطاقات يانصيب، نافذة للخروج من الأزمة".
يضيف: "يعتقد عدد متزايد من الشباب بأن اليانصيب قد يكون تذكرة لهم للخروج من انعدام الأمن المالي، ويوفر لهم هروباً مؤقتاً من ضغوط الحياة. ومع تراجع الاقتصاد في البلاد، استجابت السلطات بإطلاق ألعاب جديدة وعصرية يسهل أن يشتريها الشباب، فأصبحت بطاقات اليانصيب معروضة للبيع في مراكز التسوق الكبيرة، كما أنشئت أكشاك اليانصيب الرياضي داخل متاجر ومطاعم يرتادها عدد كبير من الشباب".
لكن مراقبين يرون أن هذه الخطوة تنبع من حاجة الحكومة إلى تعزيز الإيرادات التي تضررت بطبيعة الحال من تراجع الاقتصاد، خلال السنوات الماضية، بسبب استفحال جائحة كورونا، ويعتبرون اليانصيب أحد أشكال الضرائب التي تصب في جيب الحكومة، حيث يرجح أن يلعب الأشخاص ذوو الدخل المنخفض ويخسرون الكثير من المال في هذه الألعاب التي يحكمها الحظ وتديرها الدولة.