يدوّن الكاتب والقاصّ والروائي، وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف، أيامه وسط جحيم القتل والحصار في قطاع غزّة، وهو الذي فقد عديدين من أقاربه شهداء، في أثناء المذبحة الراهنة التي يرتكبها مجرمو الحرب في دولة الاحتلال الإسرائيلي. يكتب أبو سيف في يوميّاته توثيقاً إنسانياً وشخصياً ومجتمعياً، رهيفاً وبالغ السخونة والحرارة. يكتب الألم الفردي، متوازياً مع الألم الجماعي الفلسطيني الذي يُكابده أهل غزّة المتروكون لآلة الحرب العمياء. تنشر "العربي الجديد" بعضاً من هذه اليوميات التي يحرص الروائي، المعروف، على كتابتها، لتكون مقطعاً في مدوّنة الموت والحياة الفلسطينية المديدة.
(13 نوفمبر)
تمشّيتُ في شارع الحارة فترة المغرب. كنت أذرع ذلك الجزء من الشارع المقابل للمنطقة التي يسكن فيها أبناء عائلتي وبقية أهالي يافا. الناس شيباً وشباناً على جانبي الشارع يواصلون طقسهم اليومي في الحديث والثرثرة في كل شيء. يمكن لك أن تظنّ لوهلة أنهم لا يعرفون أن ثمّة حربا تدور رحاها حولهم، وأن بعضهم فقد عديدين من أفراد عائلته وأقربائه وأصدقائه وجيرانه قبل أيام. ومع هذا، يجلسون وبعضهم يشرب الشاي أو القهوة، ويلوكون الوقت الذي سينتهي عما قليل، حين تنزل العتمة ويلفّ الظلام كل شيء. أسير وحيداً، ولكني لستُ وحيداً تماماً، فبين فينة وأخرى، أُلقي التحيّة أو أردّ على مثلها، وقد أجيبُ على سؤالٍ يرميه أحدُهم فيما يواصل انشغاله مع الآخرين. وفي مرّاتٍ، أقف قليلاً مع مجموعةٍ أستمع لما يقولون، وأبتسم مثلهم. من الصعب على الواحد منا أن يعزل نفسه عن المحيط، أو أن يفصل نفسه كلياً عما يجري حوله. شبكة الاتصالات لا تعمل، وإن عملت فدقائق ثم ينقطع الإتصال. أحاول أن ألتقط الإشارة للحديث لهناء وللأطفال، فحين ينزل الليل بشكل كامل، ينقطع الاتصال نهائياً، ويتعذّر إجراء مكالمات، ناهيك عن الإنترنت الذي صار ضيفاً عزيزاً لا نراه مطلقاً في أيام كثيرة.
صارت فكرة التواصل مع الآخرين صعبة. كان يقلقنا، في البداية، عدم مقدرتنا على الاتّصال، وعلى سماع أصوات من نحبّ من العائلة للإطمئنان ولإخبارهم أننا بخير. ما يريد الآخرون خارج غزّة أن يعرفوه أننا بخير واتصال صغير أو رسالة قصيرة تكفي لأن توصِل مثل هذه الطمانينة المرجوّة. في البداية، حين لم أكن أهاتف هناء كل ساعة أو تتّصل بي هي أو الأولاد كل ساعة نشعرُ بقلقٍ شديد، وتبدأ الهواجس تأكلها وتأكل الأولاد، وكنتُ أمضي كل الوقت أحاول أن ألتقط الإشارة، أجرّب وأجرّب وأجرّب، لعل الشبكة تعمل. وبعد أن أنهي المكالمة، أنشغل مباشرة في المحاولة التالية، لأنها ستأخذ وقتاً أطول أيضاً.
اختلف الوضع، إذ روّض الانقطاع المتواصل فينا كل إحساسٍ بالحاجة لمثل هذه المكالمات، فهناء والأولاد يعرفون أن الاتصال صعب. وحين لا نتّصل فهذا لا يعني أن ثمّة مكروها قد أصابنا، وإنما كل ما في الأمر أن الاتصالات لا تعمل، وأننا في الوقت الذي تعود فيها الشبكة سنتّصل بالتأكيد. هكذا يتكيّف الجميع مع ما يجري ويصبح سير الحياة مرهوناً بكل تلك العثرات التي تصير نمط الأحداث العادي، فلا يعود عدم وجود شبكة اتصالاً مقلقاً فهذا عادي، ويصبح مجرّد حدوث الاتصال أمراً طبيعياً، لأنه يعني أن الشبكة عادت إلى العمل. تفاصيل عليك أن تتقبلها بكثير من الرضا، وبأقلّ قدر من السخط والتبرّم.
أكثر من شهر مرّ ولا فسحة أمل في الجدار، ولا نافذة تطلّ على الحقل، ولا حقل ولا نافذة، كلّ ما حولنا جدرانٌ مغلقةٌ تحيطنا من كل اتجاه
كانت تلك التصوّرات فرصةً كبيرةً في مرّات للخلوة بالنفس، ولتأمّل ما يجري. التفكير في أن أكثر من شهر مرّ ولا فسحة أمل في الجدار، ولا نافذة تطلّ على الحقل، ولا حقل ولا نافذة، كلّ ما حولنا جدرانٌ مغلقةٌ تحيطنا من كل اتجاه. معزولون في غرفة كبيرة أو سجن كبير. أتذكّر حين كنت أقول لمحمّد أبو زايد إن غزّة سجن كبير، كيف كنّا نقول بحسرة "السجن سجن، كبيراً كان أو صغيراً، فأنت لا تملك أن تخرج منه". الفكرة في انعدام الخيار. وفكرة الخيار من القضايا التي هشّمت فكرة الحرية التي يتمتّع بها الفرد، لأن المُتاح ليس خياراً بل إضطرار. أكثر من شهر ولا شيء يتغيّر. المزيدُ من القصف والتدمير، المزيدُ من الشهداء والجرحى، مزيدٌ من البيوت التي تسقُط من شكل المدينة والمخيّم والمزيد من الدموع والآلام. كل يوم يشبه اليوم السابق، ونحن نعيش لأننا باقون ننتظر أن ننجو، ولكنّنا ننجو يوماً بيوم. لا نجاة كاملة. ننجو اليوم، ولكننا لا نعرف إذا ما كنّا سننجو غدا أم لا. لا نعرف ولا نستطيع التفكير بذلك، لأن تفكيرنا لن يُجدي، ولن يجلب لنا الراحة، فعدم وجود الجواب يفتّ من عضد الصمود في وجه السؤال. أتأمّل الحارة التي تكوّمت فيها القمامة بشكل كبير، وتحوّلت أطباعها وعاداتها باتجاهات مختلفة. الشاب الذي أحضر بضاعةً قبل يومين لا أحد يعرف من أين حصل عليها، وصار يبيع للناس بأسعار مرتفعة، وهو لا يتنازل عن قائمة أسعاره الجديدة. وبائع السولار الذي يبيع اللتر بخمسة أضعاف سعره. قلتُ له لا أريد أن أشتري، لأنني لن أتحرّك بالسيارة كثيراً، فأنا لا أصل إلى المدينة، أقصى ما قد أصل إليه شارع الجلاء. ظواهر جديدة تنمو وفطرياتٌ أكبر تنتشر هنا وهناك، في انعكاسٍ للتحوّلات التي تسري في البلد. وصلت جرّافةٌ وشاحنةٌ من وكالة الغوث، وبدأت بإزاحة كومة القمامة، وحملها إلى داخل الشاحنة. الرائحة لا تُطاق، والعفن الذي يتصاعد من كل حركةٍ تقوم بها الجرّافة للتخفيف من كومة القمامة يثير القرف والاشمئزاز. بعد ربع ساعة، بات الوضع أخفّ وأفضل. شكرْنا سائق الجرافة، وهو يبتعد لأنه جعل حياةً أقلّ معاناة.
يجرّ عُمر الماء في خزّان صغيرة، ربما سعة مائتي لتر فوق عربةٍ صغيرة. أمضى ساعتين كما قال وهو يملأ الخزّان. بدا سعيداً، لأنه حصل على كنزٍ كبير. فجأة، وفيما التعب قد أخذ منه كل طاقةٍ ممكنة، وحين دفع العربة، وهي عربة بعَجلتيْن، يستخدمها أصحاب الحاجات الخاصة في الحركة، وقع الخزّان واندلق الماء وضاع الذهب الذي حصل عليها بشقّ الأنفس. ابتسم، وقال "عموماً، كنتُ أنوي أن أتوضأ وأصلّى، بس واضح ربّنا لا يريد ذلك". كان الليل يقترب، وصاحب الخزّان الكبير الذي يضعه على عربة حمار ويبيعه للناس ذهب ولم يعد. بإمكان عمر تعبئة خزّانه مرّة أخرى، ولكن يكون باستطاعته أن يتقرّب إلى الله كما كان ينوي على ذمّته. ضحكتُ وقلتُ "تيمّم". قال: إذا كان الله لا يريد له أن يتوضّأ ولا يصلي فلماذا يتيمّم. ... لا حاجة للنقاس وللجدال، فقد بدا الأمر أشبه بنكتة، رغم أن عُمر أصرّ أنه فعلاً كان ينوي الوضوء والصلاة. مشى وهو يقول إن كل شيء قضاء وقدر، حتى الصلاة. في صورة منتشرة على الإنترنت، يعبئ طفلٌ الماء المسكوب على الإسفلت في كأس صغيرة، ويدلق الكؤوس المليئة في وعاءٍ أكبر. بات الحصول على الماء أمراً معقّداً، وبات عملية شاقّة ومرهقة، ويجب أن يأتي التفكير فيها بإجابات، فأنت لا تستطيع أن تعيش بدون ماء.
فكرة الجسر وعبوره والنزوح من فوقه قصّة مؤلمة في الوعي الجمعي الفلسطيني وفي الذاكرة القريبة
حياتُنا قاسيةٌ إلى هذا الحد وربما أكثر. وربما من يعيش الشيء لا يستطيع التفكير خارجه. أنت تنسى، مع الوقت، حياتك الطبيعية، ويصبح ما تعيشه هو الطبيعي. وربما سنواجه صعوباتٍ في أن نحيا حياتنا بشكل مناسب كما السابق، لأننا قد نكون اعتدنا على ما نعيشه الآن. واصلتُ المشي في شارع الحارة أنظر إلى الوجوه والناس الذين أعرفهم وأعرف حياتهم، وأستطيع أن أميّز أصواتهم. قال لي أبو أسيل إن الحارة اتفقت أننا لن نغادر إلا حين نكون مضطرّين. كان لديه سيارة، وكان ينقل الناس إلى دوّار الكويت على شارع صلاح الدين، حيث يذهبون من هناك في طريق النزوح جنوباً. قال إن الوضع هناك أخفّ، لا يوجد ناسٌ كثيرون ينزحون. في اليومين السابقين، غادر الآلاف. الأمر بالنسبة له شُغل، ينقل الناس مقابل مبلغ، ومن هناك يسيرون مشياً على الأقدام حتى يعبُروا الجسر على الجهة المقابلة للوادي.
فكرة الجسر وعبوره والنزوح من فوقه قصّة مؤلمة في الوعي الجمعي الفلسطيني وفي الذاكرة القريبة، فالنزوح بعد النكسة تم بعد عبور الجسر فوق نهر الأردن، ولم يكن مجرّد عبور عادي. كانت هجرة قسرية لم تنته بعد. واليوم يتم عبور الجسر فوق الوادي في شارع صلاح الدين، ولا يبدو أن الأمر مجرّد عبور عادي. تظلّ صور النكبة والنزوح الأكثر نزفاً في ذاكرتنا الوطنية. في مشاهد كثيرة كنت أستعيدها في رواياتي، وحتى في بعض المسرحيات التي كتبتُها، كنت أعيد التذكير بالرجل العجوز الذي يجلس على الشاطئ، ينظر نحو الشمال، حيث يافا ومدن فلسطين. وفي مسرحية "المصوّر" يرفض والد المصوّر أن يسبح في البحر منذ ترك يافا، ويكرّر عبارته التي باتت من علامات المسرحية بأداء الصديق الفنان علي أبو ياسين "هادا بحر وبحر يافا بحر". وهي الاستعادة نفسها التي تمت، حين ذهب أحد الشخصيات في زيارة إلى يافا بعد نكسة حزيران، وحين صار من الممكن لسكّان الضفّة الغربية وقطاع غزّة أن يزوروا فلسطين التي تم تهجيرهم منها، وما أن وصل إلى جسر يازور، حتى طلب من ابنه أن يستدير ويرجع، لأنه لا يستطيع أن يرى يافا بعد أن سرقها الغُزاة. أراد أن تظلّ يافا كما هي في ذاكرته. لم يرد أن يلوّث تلك الذكريات بآلام ما حدث بعد النكبة. وأنا أستعيد ذلك، أفكّر في المخيم وفي البيوت والأزقّة التي انتهت وتدمّرت وتغيّرت، قد تصبح في يوم ليس بعيدا جزءاً من ذكرياتٍ تُستعاد بالحنين. ... تتغيّر أشياء كثيرة.
المخيّم مكانٌ مؤقتٌ، ولكنه المؤقّت الذي استمرّ معنا 75 سنة
هل سأحزَن على المخيّم؟ هل هو بيتٌ فعلاً. أسئلة كبيرة في وعينا. فمن جهةٍ، ليس المخيّم بلدتنا أو قريتنا. ومن جهة أخرى، لم نعرف مكاناً غيره. ما زلت أتذكّر حين كان مدرّس الجغرافيا يقسّم التجمّعات البشرية بين مدينة وقرية وبادية، ولا يذكُر مخيّما، ونسألُه بفطرة: والمخيّم؟. ... ولا يعرف كيف يجيب. المخيّم مكانٌ مؤقتٌ، ولكنه المؤقّت الذي استمرّ معنا 75 سنة. ومع ذلك، بالطبع، أحبّ كل شيء فيه. أحبّ أزقته وشوارعه الضيقة، وأحبّ بيوته وحاراته، وأحبّ ساحاته الصغيرة وميادينه التي ليست أكثر من تقاطع شارعين صغيرين، لكنها بالنسبة لنا أجمل وأكبر وأهم من "التايمز سكوير" أو "ترفلغر سكوير" أو الساحة الحمراء. لا شيء يضاهي قوّة الذاكرة وشغف الحنين بالأماكن، والمخيّم جزءٌ من كل هذه الذكريات المجبولة بالحنين، ونحبّه.
وقف فجأة إلى جواري شابٌّ طويلٌ بدا عليه التعب، وأخذ يديّ ليُصافحهما بحرارة. عرفتُ أنّ اسمه علاء، وقال إنه أصغر مني بسنة، وأكبر من أخي نعيم بسنة، فعرفتُ بالتأكيد أنه من مواليد عام 1974. تبادْلنا التحية والقصص المشتركة، حين درسنا في المدرسة نفسها. مثل هذه الوقفات كثيرة، وأنت تسير في شارع الحارة. وتحدُث بين دقيقةٍ وأخرى، وهي وقفاتٌ قد تطول نصف ساعة من دون أن تحسّ، وقد تكون لمجرّد دقيقةٍ أو أقلّ. وهي تصبح جزءاً من روتين الوجود في الشارع، فأنت لا تفعل شيئاً في النهار إلا أن تتمشّى في الشارع، وتتحدّث مع الناس، وتتبادل معهم القلق والهموم والنظرة الغامضة إلى المستقبل.
ضحك علاء، وهو يسألني: بعدها الزنّانة بتوكل معنا؟. ... نظرتُ إلى السماء، وقلتُ: لا تتوقّف. ... قال: أكلت كل أكلاتنا. ما خلّت شي. وهو بذلك يشير إلى كتابي "الزنّانة تأكل معي" الذي كتبته بالإنكليزية عن العدوان على غزّة عام 2014. لا تأكل الزنّانة معنا فقط، ولم تأكل كل أكلنا فقط، بل ها هي تأكلنا وتلتهمنا. كل ما نفعله الآن انتظار الزنّانة أن تأكلنا أن تقضي علينا. في لحظةٍ، قد تنقضّ علينا، وتحيلنا قطعاً وتمزّقنا إرباً. ليتها ظلّت تأكل معنا، وليتها ظلّت تراقبنا وتزعجنا، وتمنع عنا إشارة التلفاز، إنها الآن تتدخّل في تقرير مصيرنا وتحديد أعمارنا، والشاب الأرعن خلف شاشة المراقبة والتحكّم في القاعدة العسكرية في المجدل ربما يقرّر كل شيء نيابة عنا، وهو إن شكّ في شيءٍ قد يحيله دماراً، وإذا ما كان مزاجُه معكّراً، لأنه تلقّى رسالة نصية من حبيبته، تُبلغه أنها قرّرت هجرَه، فقد يقرّر أن نهجر نحن الحياة. وقف معنا شابٌّ آخر. تحبّ الناس مشاركة الآخرين، وتشعر بالألفة حين تتحدّث في قضايا حياتها.
تواصل القصف. تبدو هذه العبارة مكرورةً، لأننا نقولها كل يوم، لكنها لازمةٌ من أجل التأكيد على أننا نعيش السياق نفسه، فالقصف هو الموسيقى التصويرية لمسلسل الرّعب الذي نعيشه
بدأ الشاب الأسئلة الروتينية عن الوضع وعن المستقبل، وعن الحلّ، والحلّ يعني نهاية الحرب. كان القلق ينهشه، وهو يواصل هرش يده اليمنى، ثم مسح ذقنه التي بدا أنه غير معتادٍ عليها طويلةً هكذا. نظر حوله إلى طفله الذي كان يرافقه، ثم قال إن بيت جيرانهم تم قصفه وتطاير الركام عليهم. تخيّل جدارا كاملا قطعةً واحدةً عبر علينا من النافذة. الله سترها. يقيم الآن في مدرسة أبو حسين القريبة من البيت شبه المهدوم. في النهار، يذهب إلى البيت، يستخدم بعض مرافقه التي ما زالت صامدة. ابتسم وقال "خزّانات المياه بقي منها خزّان واحد، البقية أكلت شظايا". أقلّ القليل أفضل من لا شيء. نظرتُ إلى السماء أبحث عن الزنّانة التي لم تفارقنا.
تواصل القصف. تبدو هذه العبارة مكرورةً، لأننا نقولها كل يوم، لكنها لازمةٌ من أجل التأكيد على أننا نعيش السياق نفسه، فالقصف هو الموسيقى التصويرية لمسلسل الرّعب الذي نعيشه. وقفتُ، أنا وفرج، على النافذة، كأننا نشاهد مسرحية، ونحن نجلس على بلكونة في أحد مسارح نابولي القديمة. أخبرني أن ابنته وزوجَها وطفلهما وصلوا مساء أمس إلى الجنوب، بعد أن تمكّنوا من الخروج من مخيّم الشاطئ بعد أسبوعين من الحصار هناك. الطريقة سهلة وصعبة كما قال. وهو بذلك يسألني السؤال الدائم: متى سنتحرّك نحن نحو الجنوب. ... سألتُه إن كان يريد شاياً، وهذا يعنى أنني أقترح تغيير الموضوع. قلتُ له، ونحن نشرب الشاي، إن الإنسان مرهونٌ بما يقرّر. صحيح أننا لا نقرّر كل شيء، ولكن على الأقل ثمّة خيارات نتّخذها تشكّل وتصوغ مستقبلنا. عُدنا إلى النافذة ننظر إلى الناس تواصل حياتها وسعيها وراء تفاصيل هذه الحياة. الآن، بعد 38 يوماً، صارت كل تلك التفاصيل أمراً عادياً، وصارت الحياة عاديّة جداً، وصار سعيهم وراء تحقيق القدر المعقول منها إنجازاً كبيراً، يستحقّ الاحتفال به كل طلوع شمس، وهو ما يفعلونه الآن بحديثهم الصاخب الجميل.
(14 نوفمبر)
استُشهد أحمد طعيمة. صُعقت حين رأيت صورته ينعيه الأصدقاء على صفحاتهم، وعلى مجموعات التواصل. رأيته آخر مرّة قبل خمسة أيام، وهو اليوم الأخير لنا كلّنا في بيت الصحافة. كان قلِقاً متوتّراً، وهو يفكّر أين سيؤوي عائلته التي وجَدت نفسَها في الشارع، بعد استهداف الجيش البنايات في الحي القديم من المدينة، حيث يسكن. قال إن البيت صار بلا جدران، وأن عليه أن يجد مكاناً لوالدته وزوجته وأطفاله. خرج ساعتيْن يومها، ثم عاد وقد بشّ قليلاً، بعد العبوس الشديد الذي ملأ وجهه، وهو يقول إنه تمكّن من وضعهم في مدرسة إيواء مؤقتاً، حتى يتدبّر أمراً أكثر استقراراً. قلت له: يا أحمد، محظوظٌ من يجد مدرسة إيواء هذه الأيام، لينام فيها، فالمدارس امتلأت، ولم تعد تستوعب كلّ النازحين. قال: يا دكتور، "بدّك تصفّ ثلاث ساعات على الحمّام عشان ترتاح". ... ضحكتُ وقلتُ: لكل وقتٍ وقتُه. ثم حين اشتدّ القصف حول بيت الصحافة، وبدأ الجيران إخلاء المكان، وكان المشهد يدعو بإلحاحٍ إلى مغادرة حي الرمال بشكل كامل، قال إن عليه أن يذهب، هو الآخر، للإطمئنان على عائلته. لبس درع الصحافة والخوذة، وقال: "بتسكّر الباب لما تطلع". وكالعادة، تبادلْنا التحيّات والأمنيات بالسلامة التامة، ووعود اللقاء بعد انتهاء الحرب. لم أمكُث بعده كثيراً. فبعد نصف ساعةٍ، كنت أغلق الباب وأخرج. هكذا كانت تلك النهاية البسيطة للقاءٍ وفراقٍ عاديٍّ بين الأصدقاء.
يعمل أحمد في بيت الصحافة منذ سنوات، وكان فتى البيت بكل ما في الكلمة من معنى، فلا أحد يدخل بيت الصحافة ولا يعرفه، ولا يوجد صحافي في غزّة لا يعرفه أحد، فهو الذي يُحضر القهوة والشاي لكل الضيوف، وهو الذي يجهّز كل المعدّات للصحافيين، وهو الذي يوزّع عليهم الخوذ والدروع والإشارات اللاصقة على السيّارات. هو الرجل التنفيذي في البيت الذي بات ناديا حقيقيا للصحافة الحرّة في غزّة على مدار السنوات العشر الماضية. لم يكتف الشاب الطموح بأن يكون صبيّ القهوة والشاي وحامل المفتاح لكل شيء، بل طوّر نفسه بنفسه، وبدأ بمرافقة الصحافيين إلى مواقع التصوير، وتعلم كيف يمسك الكاميرا، وأخذ يصوّر بنفسه حتى صار يعرف أساسيات التصوير، وصار يمكن الاعتماد عليه في بعض مهامّ التصوير. ومع الوقت، بدأ يمارس مهنة الصحافة بشكل حقيقي. كان يقف ساعة او أكثر في مرّات على باب صالة التدريب، يتعلم مع الآخرين كيف يُصبح صحافياً. بعد أن يوزّع القهوة والشاي على المتدرّبين يقف بعيداً يتلقّى كل ما يقوله المدرّبون، ثم يمضي في صنع مهنته الجديدة.
حين قرّر بلال عمل زاوية مكتبة في بيت الصحافة، كنت أظنّ أن الكتب الموجودة فيها، والتي ساهمتُ في إحضار بعضها، ملكٌ خاص لأحمد. كان يحفظ أسماءها وأسماء مؤلفيها، حتى زاوية الكتب الإنكليزية كان يعرف كل كتاب. ولمّا لم تكن لغته الإنكليزية تساعده، كان يكتفي بمعرفة موضوعه. أمسك مرّة بكتاب بالإنكليزية، وقال: هذا كتابك يا دكتور. ... كان الكتاب الذي حرّرته، وضمّ قصصاً قصيرة لكتاب من غزّة، وأصدرته دار نشر "كوما" في إنكلترا. كان أحمد عالَماً بسيطاً، لكنه ذلك العالم الذي يصلُح لأن يواصل الابتسام والحياة، لكن للحرب لغة أخرى وتوجيهات مختلفة.
بالنسبة لأحمد، إلى جانب أشياء كثيرة أنا صديق بلال، رئيس البيت، الخاص. وبالتالي، لي معاملة خاصة في كل شيء. كنتُ حين أنزل إلى غزّة، وكان هذا يحدث منذ صرتُ وزيراً للثقافة كل شهر تقريباً، وفي مرّات كل أسبوعين. أحرص على قضاء يوم السبت في بيت الصحافة. أصل إلى غزّة الخميس، وأغادر الأحد أو الاثنين. ألتقي، في بيت الصحافة، الأصدقاء والزملاء، وأعقد الاجتماعات الصغيرة المتعلقة بعملي مع الكتّاب والفنّانين. وكان أحمد شديد الحرص على توفير كل أسباب الراحة لي في ذلك كله، ودائماً بوجهه البشوش ومحياه الضاحك ولهجته الودود. كل شيء فيه يجعلك تشعر بالراحة. هذا الحرص الذي تحوّل مع الزمن إلى مودّة، وصار نابعاً من تلك العلاقة التي تطوّرت مع الزمن.
الفتى الذي لم يبلغ الخامسة عشرة، كان يسير في الزّقاق في طريقه إلى الدكّان الصغير، حيث سقط عليه الرّكام ومات
خلال الأربعة والثلاثين يوماً للحرب، منذ اليوم الأول، كنتُ أرى أحمد يومياً، حيث يفتح باب الصحافة لنا، ويغادر معنا، وكنت أحرص في مرّات كثيرة أن أوصله إلى طرف حي الشجاعية حيث يقيم. وفي الطريق، كان ينشغل بشراء الخبز والحاجيات لعائلته. وفي كل مرّة، كان يُشعرنا كلنا بالقلق والتوتر، وبأنه يخوض معركةً شرسةً من أجل تأمين ذلك، حتى بتنا كلنا نخوض معارك يومية من أجل لقمة العيش في ظل الحصار والقصف المستمرّين. كان يمسح الطاولة، ويضع اللاب توب، ويتأكّد من توصيله بالكهرباء والإنترنت، ثم يجلب إليّ فنجان القهوة الخزفي الصغير أبيض اللون. وكل مرّة أقول له: يا أحمد، أنا أحبّ القهوة في كأس زجاجي شفّاف طويل. وكما، في كل مرّة أيضاً، يقول: يا دكتور، لما تخلّص الفنجان بجيبلك غيره. ... وأعود إلى القول: عشاني، يا أحمد، والله ما بحبّ القهوة بهيك فنجان. ... طبعاً بتّ أعرف كل تلك المواقف وتلك التصرّفات، حيث سيذهب كأنه غير مقتنع، ثم يعود بعد ربع ساعة بكأس قهوة زجاجي شفّاف وطويل، ومعه زجاجة ماء مثلّجة، يضعهما وهو يضحك، ويقول: أحلى كاسة قهوة. ... ثم لا يلبث أن يقول: ما بزبط نقول كاسة قهوة بنقول فنجان قهوة. وحين ينتهي من كل طقوسه تلك، يقول لي بلهجة ودود: اكتُب يا دكتور اكتُب. ... سألني في اليوم قبل الأخير: أكيد كتبت عن محمّد. ... ويقصد محمد الجاجة، الزميل في بيت الصحافة الذي كان معنا قبل تسع ساعاتٍ من استشهاده. هززتُ رأسي، وقلتُ له: مسكين كان ولدا طيبا. ... هزّ رأسه وذهب.
أكتبُ الآن عنك يا أحمد. أكتبُ ما أعرفه وهو قليلٌ عنك، لكنه القليل الذي بات كثيراً، لأنني صرتُ أنتبه إلى أدقّ التفاصيل فيه. أكتب أنك تستحقّ أن تكون موجوداً، ولا تستحقّ هذا الغياب القسري وهذا الرحيل المؤلم. أكتبُ عنك لأنك كنت، طوال كل تلك الأيام الصعبة التي لم تنته بعد، جزءاً من سعيٍ نحو النجاة، وكنتَ طرفاً أساساً في صنع تلك النجاة. تشاركنا كل تلك اللحظات القاسية. تعثّرنا ونحن نبحث عن الخبز والماء، ونحتمي من الشظايا التي انهالت علينا أكثر من مرّة. تسألني: مطوْلة يا دكتور. وكلما هززتُ رأسي بالنّعم تعلو التكشيرة وجهك وتقول: ربنا بهوّنها. ... لم تمنحْك الحياة فرصاً كثيرة حتى ترى نهاية الحرب، بل فجعتك بأن نرى نهايتك.
حاولتُ الاتصال ببلال. أعرف كيف يتألم الآن على فراق أحمد، فهو يدُه اليمنى وهو كل شيء بالنسبة له في بيت الصحافة، فهو لا يعرف عمل شيء من دون أحمد من شراء القهوة إلى الاتصال بالآخرين. آخر مرّة تحدّثت مع بلال، كان ينام في بيت جودت الخضري، في البلدة القديمة، وكنت وعدتهما بأنني سأمر ذات مساء للمبيت عندهما في البيت القديم الذي حول أبو الناجي جزءاً منه إلى مصنع نسيج في أول إحياء لمهنة النسبج الفلسطيني التي انقرضت تقريباً بعد النكبة. الاتصالات في غزّة عزيزة، وفرصة أن تتحدّث لشخص، وتتمكّن من التقاط إشارة فرصة انتهاء الحرب.
صار الزّقاق قصراً لا يمكن مقايضته بكلّ قلاع الأرض، فهو المكان الأكثر حميمية والأكثر توفيراً للراحة، أو للقليل منها الذي نحتاجه
قصف الجيش في الليل منطقة النادي جنوب المخيم، وقتل عشراتٍ من سكّان البيوت الثمانية التي تهدّمت بشكل كامل في الاعتداء. كأنني سمعتُ القصف وأنا نائم، ولكن من ميزة الاعتياد على الأشياء أنك تبدأ بالخلط بين الحقيقة والوهم، وبين النوم والصحو. سمعتُ الإنفجار، ولعلّ البطّاينات الداكنة التي غطّى بها فرج وأدهم النوافذ المهشمة، أضافت مزيدا من العتمة لحلكة الليل الداكنة التي تلفّ الصالون حيث أنام، فلم أتمكّن من تيّقن أي شيء. لم أفتح عيني. لم أر شيئاً. كان الصوت عنيفاً مثل بقية الانفجارات التي يُحدثها القصف المستمر في كل النواحي، لكنه بدا أقرب وأقرب مما يمكن أن أتخيّل. لم أمارس هواية التخمين والتفكير في مكان القصف. نمتُ كما يجب أن أنام. الآن بتّ أنام بشكل أكثر وأعمق ربما. الليلة وضعتُ رأسي على المخدّة قرابة الثامنة مساءً ونمت. نعم كأطفال رياض الأطفال والمدارس بتّ أنام مبكّراً، وبالطبع سأصحو مبكّراً. أضع رأسي عند الثامنة، فلا شيء يمكن أن نفعله بعد أن نتحدّث ونحاول جاهدين أن نستمع للأخبار من أي إذاعةٍ نتمكّن من التقاط إشارتها. ظل فرج في الليل يحمل الجهاز ساعة بيده رافعاً إياه فوق رأسه يحرّكه يميناً وشمالاً حتى يتمكّن من التقاط البث. لم يكن الصوت واضحاً بشكل كافٍ، وكان صوت المذيعة على القناة الوحيدة التي باتت متوفرة بشكل أكثر وضوحاً، وهي قناة "مكان" الإسرائيلية واسمها سماح تسأل المحلّل عن خطط الجيش. وكان تحليله يضيف المزيد من القلق علينا، وهو يركّز على خطط الجيش علينا، على شمال غزّة. ماذا يمكن أن نفعل أكثر من ذلك. لا شيء. بعض الشباب ما زالوا يتحدّثون في الشارع متوارين عن الطائرات بمداخل البيوت والمحلات. ثم سيخمُد الصوت بعد قليل، فالليل غدّار يأخذ الناس إلى الموت الأبدي، لأنهم لا يروْن ظله قادماً في العتمة.
التقط الجنود صوراً أمام المجلس التشريعي الذي يشكل قلب حي الرمال ومركز المدينة الجديد في حدائق الجندي المجهول ومحلات الترفيه والمطاعم والبوتيكات. كان المجلس أول مكان خطب فيه ياسر عرفات، حين وصل إلى غزة بعد اتفاق أوسلو. وقف على شرفة المجلس التي يقف عليها الجنود الآن، وكان الناس بمئات الآلاف في ساحة المجلس، وفي حدائق الجندي المجهول يتسلقون الأشجار وأعمدة الإنارة يستمعون لفاتحة عهد جديد. كان الجيش حين احتلّ غزّة قد حطّم الجندي المجهول، وأول ما عمله عرفات أنه أعاد نصب تمثال الجندي المصنوع من الرخام الأبيض بندقيته تشير إلى القدس، حتى جاء الإنقسام، وجرّ أحدهم الجندي في طرقات غزّة، تاركاً النصب بلا جندي يشير إلى القدس.
يوم أمس وفيما كنّا نجلس في الزقاق الطويل قرب بيت أهلى، نحاول أن نلتقط إشارة الإنترنت تساقطت علينا حجارة وغبار ونثار من القصف العنيف الذي استهدف بيتاً في الطرف الشرقي لشارع الحارة. كالعادة، تشعر أن القصف بجوارك، في الزقاق المجاور. أول شيء فعلناه وضعْنا أيدينا على رؤوسنا نحتمي من القصف. امتلأ شعري بالغبار. أمسكتُ ياسر من يده وقلت له أن يحاول الجلوس على الأرض وتغطية رأسه. لم نكن نعرف أين القصف، فالشظايا قد تواصل التساقط علينا. هدأ الصوت بعد دقيقة، وبات واضحاً أن القصف ليس في الزقاق أو الأزقّة المجاورة. خرجنا إلى الشارع، كانت سحابة الدخان والغبار تتصاعد من جهة البناية الرفيعة الطويلة داخل الحارة التي اصطلاحاً نسمّيها "البرج"، حيث هدمت الطائرات أجزاء منها. حضر الإسعاف، ونجح في إخراج بعض المصابين، وحمدنا الله أنه لم يوجد شهداء، وسنحمده بعض نصف ساعة مرّة أخرى، ونحن نعتذر لأنفسنا أن هناك فقط شهيدا واحدا. الفتى الذي لم يبلغ الخامسة عشرة، كان يسير في الزّقاق في طريقه إلى الدكّان الصغير الموجود في طرف الحارة، لعله يجد فيها شبساً أو شوكولاتة أو أي شيء يذكّره بأن طفولته لم تغادره، حيث سقط عليه الرّكام ومات. سيمرّ وقت قبل أن يكتشف أهل الحارة جثمانه تحت الحجارة، فلا أحد توقّع وجوده هنا في تلك اللحظة، حيث وقعت الكارثة.
أنظر إلى ملابس الصيفية الخفيفة التي ألبسها منذ بداية الحرب، وأفكّر في كيف يمكن لي أن أتدبّر ملابس شتوية لتمضية الأيام المقبلة
بات هذا الزّقاق مكاني المفضّل في الحارة. الزّقاق الذي توفر فيه إنترنت. يبدو أننا اكتشفنا أحد أسرار الحارة، فصاحب الشبكة التي تزوّد الحارة بالإنترنت وضع أجهزة تقوية خاصة في هذا الزقاق، خدمة لبعض أصدقائه، حتى يتمتعوا بإنترنت قوي. أفشى إلي أخي إبراهيم أحد هؤلاء الأصدقاء بالسرّ، فصرت أجلس معهم في الزّقاق ساعتين أو ثلاثا، قبل أن تختفي الإشارة. كنّا قرابة عشرة أشخاصٍ نجلس في أماكن مختلفة من الزّقاق مشغولين بأجهزة الهواتف النقالة، نقرأ الأخبار ونتبادل المعلومات. صار هذا الزقاق قصراً لا يمكن مقايضته بكل قلاع الأرض، فهو المكان الأكثر حميمة والأكثر توفيراً للراحة، أو للقليل منها الذي نحتاجه.
بات ظهري يؤلمني بشكل كبير. يترك النوم المستمرّ على الفرشة الرقيقة على الأرض وجعاً لم أعد قادراً على تحمّله، أو بالأحرى لم أعد قادراً على تخبئته والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام. لستُ وحدي، فأكثر من نصف سكّان قطاع غزّة ينامون في مراكز إيواء على فرشات ربما أقلّ سمكاً. حتى إذا اشتكيت، لا شيء يمكن أن يخفّف من ذلك. بدأت الريح تهبّ عاصفة خفيفة، وتتمايل الأشجار في كل اتجاه، وتتراقص البطّاينات التي غطّى بها فرح وأدهم النوافذ، وبتنا على أعتباب مطر وبرد قارص. أنظر إلى ملابس الصيفية الخفيفة التي ألبسها منذ بداية الحرب، وأفكّر في كيف يمكن لي أن أتدبّر ملابس شتوية لتمضية الأيام المقبلة.
جاء المطر وجاءت رائحتُه. تذكّرت كيف تحبّ هناء أول رائحة تفوح من الأرض ومن الشجر حين تمطر السماء أول مرّة. وقفتُ على النافذة أعبئ صدري بكثير من تلك الرائحة، وبكثير من تلك الذكريات.