جامعات لبنان الخاصة تعتمد رسوم الطلاب بالدولار الأميركي أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية. ورغم استمرار السعر الرسمي لصرف الدولار على ما هو عليه، قرر بعضها اعتماد سعر أعلى بكثير، وهو ما أثار غضب الطلاب
"انتفاضة 17 تشرين الأول (الحراك الشعبي المطلبي في أكتوبر 2019) لن تنطفئ شعلتها، ما دام قلب طلاب لبنان ينبض ثورة على الفساد والطغيان السياسي والإداري، ونظام حكمٍ يقوم على تجويع الناس وإذلالهم وسرقة أحلامهم وطموحاتهم ومستقبل شباب يرفعون اسم بلادهم عالياً في كلّ دول العالم ويفقدون الشعور بالأمان في وطنهم الأم". بهذه العبارات، تلخّص المجموعات الطلابية شعاراتها في المرحلة المقبلة التي تحمل عنوان مواجهة قرارات الجامعات الخاصة دولرة (اعتماد الدولار الأميركي) رسومها، وزيادتها أضعافاً باعتماد سعر 3900 ليرة لبنانية كسعر صرفٍ للدولار الواحد.
وبدأ الطلاب المستقلّون والنوادي العلمانية (تجمعات طلابية غير تابعة للأحزاب) في الجامعات الخاصة سلسلة تحرّكاتهم بالتزامن مع اتخاذ "الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)" و"الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU)"، وهما الجامعتان الخاصتان الأبرزان في لبنان، قراراً باستيفاء الرسوم التعليمية وفق سعر الصرف 3900 ليرة (وهو سعر وسطي بين الرسمي والسوق السوداء تابع للمصارف التجارية تبعاً لما يعرف بالمنصة الإلكترونية) بدلاً من سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة المعتمد للدولار الواحد، فنظّموا وقفات احتجاجية عدّة أمام الجامعات ومبنى وزارة التربية والتعليم العالي، للضغط باتجاه تجميد الخطوة المدمّرة لمسيرتهم الأكاديمية، والحؤول دون انسحابها على بقية الجامعات الخاصة، قبل تحديد خريطة معركتهم في "إعلان طلاب لبنان" وهو الحدث الاستثنائي الذي نظمته المجموعات يوم السبت الماضي، وعرضت خلاله التحديات وخطوات التصعيد التي ستترجم بـ"يوم غضب طلابي" السبت المقبل. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحدّ الأدنى للرسوم الجامعية السنوية لطلاب ما قبل التخرج، بحسب الاختصاص، على أساس نظام الأرصدة والفصول (فصلان سنوياً بـ15 رصيداً لكلّ منهما، على مدار 3 سنوات أقلّه)، هو 15 ألف دولار أميركي، في "الجامعة الأميركية في بيروت" بعد احتساب المساعدات المالية، ما يعني أنّ 22 مليوناً ونصف مليون ليرة، تحولت فجأة إلى 58 مليوناً و500 ألف ليرة.
يقول طارق خياط، وهو طالب ماجستير في "الجامعة الأميركية في بيروت" لـ"العربي الجديد" إنّ "زيادة الجامعات رسومها هي بمثابة إطلاق النار على آخر أمل في هذا البلد لطلاب لبنان؛ الضحايا الأكثر تضرّراً من الوضع الاقتصادي برمّته وارتفاع معدّل البطالة وانعدام فرص العمل، وها هم اليوم عرضة لخسارة سنوات من الكفاح على مقاعد الدراسة، المرفقة أيضاً برسوم باهظة، قد تذهب هدراً بدورها. ربما يختارون طريق الهجرة، علماً أنّ هذه الخطوة باتت شبه مستحيلة، وطريقها مليء بالمطبات نظراً لما يعانيه طلاب لبنان في الخارج نتيجة القيود المصرفية واحتجاز أموالهم وودائعهم بالدولار الأميركي". ويلفت خياط، إلى أنّ "قطاع التعليم هو الوحيد القادر على تخريج أجيال مليئة بالأمل والمواهب والطموحات، لكن للأسف، تستكمل السلطات في لبنان بمختلف قطاعاتها القضاء على مستقبل الشباب، هي التي بفضل سياساتها أفقرت الجامعة اللبنانية (الحكومية) والمدارس الرسمية وأضعفتها، ورفعت منسوب النزوح من الرسمي إلى الخاص، الذي بات اليوم مستهدفاً من قبلها". ويضع خياط قرار اعتماد سعر 3900 ليرة للدولار، في دائرة "المجحف" لا سيما للطلاب الذين تتقاضى عائلاتهم أو هم، رواتبهم ومداخيلهم بالليرة اللبنانية. ويلفت إلى أنّ من غير الصحيح أنّ كلّ طلاب "الجامعة الأميركية في بيروت" هم من الأغنياء أو الميسورين، فكثيرون منهم، يتعلمون بمنحة، أو يعملون لدفع الرسوم الجامعية وهؤلاء عادة ما تكون رواتبهم بسيطة قد لا تتخطى مليوني ليرة بأقصى تقدير، ما يجعل مستقبلهم الأكاديمي مهدداً في حال الاستمرار في القرار، الذي في المقابل، لا يعد ظالماً لفئة مدخولها أو أموالها بالدولار الأميركي وكانت تدفع وفق سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة، من دون أن ننسى الغلاء المعيشي واتجاه الدولة لرفع الدعم عن مواد وسلع غذائية أساسية في حياة المواطن. وهو ما يجعل من زيادة الرسوم ضربة قاضية وشاملة، قد تدفع خياط نفسه الى ترك الجامعة أو البحث عن سبل تأمين الرسوم المرتفعة أساساً والتي رضي بها على أساس 1515 ليرة لا 3900 للدولار الواحد.
وفي وقتٍ، يقرّ فيه خياط بوجود أزمة اقتصادية كبيرة لا تستثني أحداً، فإنّه في المقابل، يلفت إلى أنّ جامعات كثيرة لا سيما "الجامعة الأميركية في بيروت" تتلقى الدعم المالي من سفارة الولايات المتحدة في لبنان، وكان عليها مقاربة الموضوع من زاوية مختلفة، ولا تشمل أقلّه جميع الطلاب، فالمساعدات المالية الخاصة بالرسوم التي تقدّمها للطلاب لا تتخطى 30 في المائة من الرسوم، التي سترتفع أكثر من مرتين ونصف، والأمر نفسه شبيه بالمقاربة الاستعجالية التي اتخذتها إدارة "الجامعة الأميركية في بيروت" بصرف الموظفين، وهي المؤسسة التي يتبع لها بالإضافة إلى الأقسام التعليمية مستشفى من الأهم والأكبر على مستوى لبنان.
من جهته، يقول طارق سرحان، وهو طالب ماجستير في "جامعة القديس يوسف" لـ"العربي الجديد" إنّه انتسب إلى الجامعة على أساس حصوله على منحة كاملة قبل أن يصطدم بالأزمة الاقتصادية التي بدّلت "العرض" ودفعته الى تسديد قسم من الرسوم الجامعية، التي ما زالت على أساس 1515 ليرة لبنانية، لكنّه لن يتمكن من تسديدها في حال اتخذت الجامعة قراراً باعتماد 3900 ليرة لبنانية للدولار، ما قد يدفعه الى ترك الجامعة. ويرفض سرحان، تحميل الطبقتين الوسطى والفقيرة في لبنان "مسؤولية سياسات الهدر والفساد التي تنتهجها الطبقة السياسية، والتي أوصلتنا إلى الأزمة الراهنة، فالمنظومة الحاكمة نهبت المال العام، وأساءت إدارة قطاعات الدولة، حتى أنّها لم تعتمد صيغة أو خطة عملية عادلة ومنطقية في ما خصّ جني الضرائب، التي وضعت كلّ الطبقات الاجتماعية في خانة واحدة" مؤكداً أنّ "الطلاب لن يتحملوا سداد أيّ زيادة على الرسوم في حال قرّرت جامعة القديس يوسف تعديل سعر الصرف، وكذلك لن يفعل الطلاب في مختلف الجامعات الخاصة". ويلفت سرحان الى أنّ "تجمّع الطلاب قال كلمته يوم السبت الماضي في الاجتماع الذي ضمّ مختلف المجموعات الطلابية، العلمانية المستقلّة، التي تحقق انتصارات غير مسبوقة في الانتخابات بوجه لوائح الأحزاب، وسيكرّرها بزخم أكبر وحشد أضخم السبت المقبل، ويتوجه بها إلى وزارة التربية والتعليم العالي لتجميد كلّ قرار بزيادة الرسوم، والتفاهم مع الطلاب في أيّ خطوة مستقبلية، وإلا فسيقاطعونها، كما ستتمسك المجموعات العلمانية أكثر بمشروع العقد الطلابي الذي من خلاله تكرس الإدارة التشاركية التي تتيح للطلاب وممثليهم المشاركة في القرارات المصيرية، وفرض شروطهم، وأبرزها مسألة زيادة الرسوم من ناحية المقاربة والبدائل والخيارات المتاحة ونسب الزيادة. ولن يغيب ملف الجامعة اللبنانية التي تفتقد أدنى معايير التعليم اللائق عن تحركات الطلاب التي ستكون على امتداد جامعات لبنان".
من جهته، قال نائب رئيس المجلس الطلابي وعضو النادي العلماني في "الجامعة الأميركية في بيروت" جاد هاني، السبت الماضي، في المؤتمر الطلابي، إنّ "النادي العلماني هو حالة خاصة في الجامعة الأميركية وشكل انتصاره (في الانتخابات الطلابية) هزيمة لقوى 4 أغسطس/ آب (في إشارة إلى انفجار مرفأ بيروت وتحميل المسؤولية لقوى سياسية فيه) وتفكك القوى الرجعية والزبائنية في الجامعة الأميركية، وحصولهم للمرة الأولى في تاريخ الجامعة على 9 مقاعد يزيد من مسؤوليتهم، في مواجهة الظلم، الذي نتعرض له داخل وخارج الجامعة". ولفت إلى أنّ الإدارة لم تتردد بإعلان الحرب على سبعين في المائة من الطلاب عندما اعتمدت تسعيرة 3900 ليرة، ودولرة الرسوم، وانقلبت على تعميم وزارة التربية والتعليم العالي، بتثبيت سعر الصرف على السعر الرسمي، وهي بذلك، زادت نسبة تصل الى 166 في المائة خلال فصل الربيع، وكأنّها تقول ممنوع لفئة الشباب أن تتعلم. ردّنا واضح وصريح، بأنّنا لن نقبل مطلقاً احتكار التعليم وحصره بفئة الميسورين في البلاد، وسيكون لدينا الدور في تقرير مصيرنا، الذي لن يتحدد بجرّة قلم من مجلس الإدارة، علماً أنّ هدفنا ليس التصادم معها بل حماية الطلاب وهذا واجبنا وسنتوجه الى التصعيد في الأيام المقبلة ورسم إطار واضح يحمي الطلاب حالياً ومستقبلاً من الطغيان الإداري".
واكتفى مقربون من وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب، بالقول لـ"العربي الجديد" إنّ الوزير لن يقبل بإلحاق الظلم بالطلاب، وهو يتابع الملف بدقة، ويتمسك بالتوصية التي رفعها إلى الجامعات الخاصة في يوليو/ تموز الماضي، لناحية أخذها بعين الاعتبار مجمل الظروف التي تمرّ بها البلاد واعتماد الليرة اللبنانية وإبقاء الرسوم الجامعية ضمن قيمتها، أي باعتماد 1515 ليرة للدولار الواحد.