في الوقت الذي يهبّ فيه فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948 ضدّ سياسات المؤسسة الإسرائيلية، نصرة للقدس والأقصى وشهداء فلسطين، تلعب النساء دوراً مركزياً على مستوى المشاركة في مختلف النشاطات الوطنية، ويمسكن بزمام الأمور كشريحة أساسية في المجتمع، من دون أن يخشين إرهاب الاحتلال.
لطالما نالت الفلسطينيات نصيبهنّ من الاعتداءات والاعتقالات والملاحقات، لكن اللافت في الهبة الحالية هو التصعيد الإسرائيلي ضدهنّ، خصوصاً لجهة الاعتقالات. ويرى كثيرون أن استهداف الإناث خصوصاً، يأتي نتيجة ظنّ الاحتلال بأنه يشكّل بذلك ضغطاً عليهنّ وعلى عائلاتهنّ وعلى مختلف الشرائح في الداخل الفلسطيني. لكن الوقائع على الأرض تؤكد على أن الممارسات القمعية تزيدهنّ إصراراً وتشبثاً بنصرة الشعب الفلسطيني وقضاياه ومقدساته.
تجربة شابة
عدن طاطور ابنة يافا، واحدة من الفتيات اللواتي اعتقلن عشية التظاهرة التي دعا إليها الحراك الشبابي الخميس الماضي في الناصرة، وعمل الاحتلال على إجهاضها. تخبر "العربي الجديد": "أنا اعتقلت بعد منتصف الليلة التي سبقت التظاهرة مع والدي، كنوع من الضغط عليه. كذلك اعتقلت فتيات وفتيان مع آبائهم أيضاً، بمزاعم التحريض على العنف والإرهاب والتنسقي للتظاهر". وتشير عدن إلى أن "هدف المؤسسة الإسرائيلية من ذلك كان إفشال التظاهرة وترهيب الناس، كأنها تقول لشعبنا إياكم والمشاركة، فهذه الاعتقالات مجرد مقدّمة لاعتقالات أكثر. وهي ترى أن ترهيب الفتيات مهم، وسط ارتفاع عدد المشاركات والمبادرات في النشاطات الوطنية والاحتجاجية. كذلك قد تظن المؤسسة أن ترهيب الفتيات سهل، وفيه ضغط أكبر على الأهالي". وترى عدن أن "هذه المحاولات كانت بائسة. لا شيء يبرر الاعتقالات وما من مسوّغات قانونية لها. لذا، خاب ظن المؤسسة". تضيف: "هذه الممارسات لم تؤثر على عائلتي. على العكس، بقي والدي داعماً لي ولم يخضع للابتزاز. أما أنا، فماضية في نصرة قضايانا. وهذه الاعتقالات لن تردعني. لا شيء نخاف منه، لكن من المهم أن نتنبه جميعنا لما نكتبه على فيسبوك. أحياناً، تبدأ الملاحقة من هناك".
اقرأ أيضاً: فلسطينيات جميلات
مخاوف أب
في مدينة الناصرة، عائلة شيماء أحمد (15 عاماً) قلقة. هي "طفلة" بحسب ما يصفها والدها سعيد، لكن قوات الاحتلال اعتقلتها خلال مشاركتها في تظاهرة سلمية، من دون الاكتراث إلى أنها قاصر. ويقول الوالد لـ "العربي الجديد" إن "الاحتلال لا يميّز بين شاب وشابة، ولا بين بالغ وقاصر، ولا حتى بين شخص معافى وآخر عاجز. ما يحدث لا يُعقل أبداً. شيماء اعتقلت واقتيدت للتحقيق في مركز للشرطة من دون مرافقة". يضيف: "الشرطة استفزّت المتظاهرين واعتدت عليهم واعتقلت عدداً منهم على الرغم من أن التظاهرة سلمية. ونحن اليوم قلقون جداً على ابنتنا". ويتابع: "لا أفهم كيف يعتقلون فتاة بهذا العمر. منذ اعتقالها قبل أيام، لم أرها إلا في المحكمة ولم أستطع التحدث اليها. وقد ترك اعتقالها أثراً نفسياً سلبياً علينا جميعاً. مع الشرطة، لا قانون ولا عدالة، بل عنصرية وترهيب. حتى التحقيق معها كان دون محامي دفاع ولا شخص راشد. وقد مدّد اعتقالها أكثر من مرة وقدّمت لائحة اتهام ضدها". ويشدّد الوالد على أن "من حقنا ومن حق أبنائنا التظاهر والتعبير عن موقفنا. لكن، حتى التظاهرات السلمية مستهدفة. ألمنا كبير جداً بسبب ما تتعرض له طفلتنا وجميع معتقلي شعبنا".
لوائح اتهام ضد قاصرات
من جهته، يتحدّث المحامي حسام موعد، والذي يترافع عن شيماء وآخرين، لـ "العربي الجديد" عن الاعتقالات الجارية. يقول إن "ثمة تزايداً في عدد الفتيات والنساء اللواتي يشاركن في التظاهرات. بالتالي تنتشر أكثر فأكثر ظاهرة اعتقال الفتيات، خصوصاً في العامين الآخرين بعد التحرّك ضد مخطط برافار الذي استهدف أراضي العرب في النقب". وما يختلف هذه المرة بحسب موعد، هو أن "لوائح اتهام قدّمت ضد شابات، بالإضافة إلى اعتقال فتيات قاصرات وتقديم لوائح اتهام ضدهنّ أيضاً. من بين هؤلاء شيماء أحمد وأخرى تبلغ من العمر 14 عاماً تُعد اليوم أصغر معتقلة، بالإضافة إلى أنها تعرّضت للاعتداء. أما التهم الموجهة إلى هؤلاء، فلا يقبلها عاقل. الشرطة تزعم أنهن اعتدين على عناصرها برشقهم بالحجارة وأتين بأعمال شغب". ويوضح موعد أن "المنطق وحتى قانون الأحداث، يقضيان بإخلاء سبيل الفتيات، أو في أسوأ الأحوال وضعهنّ تحت المراقبة في بيوتهنّ. لكن قرار المحكمة تمديد اعتقالهنّ، هو قرار شاذ". يضيف: "الأجواء العامة تؤثر على المحكمة، بالإضافة إلى التهديد المباشر للقضاة من قبل وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان، الذي صرح قبل نحو شهر بأن القضاة الذين لا يتعاملون بصرامة مع مثل هذه القضايا لن يترقوا". ويشدّد على أن الأمر يدلّ على "تصعيد واضح ضد شعبنا في الداخل".
اقرأ أيضاً: "جدعات" في زنازين الاحتلال