يقول الشاعر الباخرزي في التمني واليأس: "تركتُ الاتكالَ على التمنّي وبتُّ أضاجعُ اليأسَ المريحا". كما يحاول أن يثبت في البيت الذي يليه، الذي قد لا يستسيغ كثيرون نشره لقبيح ألفاظه، فرضية "الراحة" تلك التي يبثها اليأس، بعيداً عن التمنّي وخداعه.
واقعياً، أي اجتماعياً، فإنّ توظيف الصفات الحميدة مخادع وكاذب يستهدف عادة التخدير تجاه ما يجري فعلياً. ففي اللحظة نفسها التي يتمنى فيها شخص ما في مكان ما ويأمل بالحصول على شيء ما، قد يكون أساسياً لحياته، فإنّ شخصاً آخر يملك الكثير منه من دون أيّ جهد. المال مثال جيد، وليلة رأس السنة حاضرة أمامنا في كلّ ما أنفق فيها على حفلات الفنانين مثلاً، أو حتى على رصاص ومفرقعات الاحتفال. تخيل، وهو موجود، أنّ شخصاً يحاول منذ سنة كاملة أن يجمع ثلاثة آلاف دولار أميركي من أجل اقتناء سيارة هرمة، بينما المبلغ نفسه يدفعه آخر في ليلة واحدة ثمناً لبطاقة حفل المطرب الفلاني.
التمني صفة أدنى من الأمل. الأول ينتظر وينتظر ويلامس اليأس الواقع في قعر المشاركة السلبية. لكنّ التمني يتمايز عن اليأس في حركته الداخلية، ولو لم تترافق مع حركة خارجية كالأمل. التمني يحمل بذور القوة النفسية التي يحاول العلم الحديث إثبات جدواها يوماً بعد يوم. لكنّه لا يترافق مع السعي وهو توأم الأمل.
مع ذلك، فإنّ التمني والأمل يشتركان معاً في أمرين، الأول أنّهما صفتان حميدتان بشكلهما الأولي تهدفان إلى بث الراحة في نفس صاحبهما. أما الثاني وهو الأخطر، فهو أنّهما معاً خدعة إذا ما ربطناهما بالواقع الاجتماعي. خدعة لذيذة إلى حد كبير، ذلك أنّ كثيراً من الناس لا يجدون غيرهما طريقاً للبقاء والاستمرار، إذا سلّمنا أنّ الإنسان مفطور على البقاء. لولا ذلك، ربما وجدنا عدد المنتحرين يومياً أكثر مما تستوعبه المدافن، بالترافق مع ما في الواقع الاجتماعي من قهر. التمني والأمل قد يكونان سلاحاً للمقهورين، لكنّهما بالتأكيد، من جهة أخرى، أداة المتسلّطين، يزرعونها في المقهورين كي لا يثوروا عليهم يوماً.
في قول الشاعر نظرية جيدة. فاليأس مريح بطبعه، ومخيف للمتسلّطين. ومن يصل إليه فعلاً هو من يقطع خطوط الخطر الفاصلة بينه وبين التمني والأمل. تلك الخطوط التي تؤدي بصاحب الآمال والتمنيات إلى الشعور بالفشل والانكسار. اليأس واقعي، يرتبط بما رسم للشخص من حدود الممكن والمعقول، تلك التي يحسب البعض نفسه قادراً على الخروج منها فيمضي حياته يمتطي آمالاً وتمنيات، فلا يخرج.. ولا يصل.
مع ذلك، نعلم أنّ الطريق إلى شيء ما، لا الوصول إليه بالضرورة، يمثل حياة نابضة كذلك.
اقرأ أيضاً: سنة حلوة يا فساد