لا يستهدف الألزهايمر المسنّين فحسب، بل عائلاتهم كذلك. العناية بهؤلاء المرضى ليست سهلة على الإطلاق، بالإضافة إلى ما تشعر به تلك العائلات من عجز. وتأتي تكلفة العلاج المرتفعة في تونس لتفاقم الوضع أكثر فأكثر.
"كان ينسى فقط أموراً وأحداثاً بسيطة جداً، لم تمرّ عليها إلا بضعة أيام. لكنّه نسي كلّ شيء اليوم. نسي الطرقات والشوارع والأبناء وحتى اسمه. في البداية، لم نهتم كثيراً للأمر ورأينا ذلك عادياً بالنسبة إلى مسنّ يبلغ من العمر 65 عاماً. لم نتوقع أن يتطوّر الأمر إلى حدّ نسيان كلّ شيء". بهذه الكلمات تحاول فاطمة شافعي اختصار حالة زوجها الذي شخّص لديه مرض الألزهايمر قبل سنتين.
تخبر شافعي أنّها لا تغادر المنزل "إلا نادراً، عندما أتأكد من أنّه تناول كل أدويته. وإذا اضطررت إلى الخروج، فإنني لا أجد حلاً سوى إغلاق المنزل، مخافة خروجه وضياعه في الشوارع مثلما حصل في أكثر من خمس مرات. وأحياناً، أحبسه في غرفة خوفاً من أن يقوم بما يمثّل خطراً على حياته". تضيف أنّ "خلال عرضه على طبيب أعصاب في العاصمة تونس، أكّد لنا الأخير أنّه مصاب بالألزهايمر، وأنّنا تأخرنا كثيراً في عرضه للعلاج".
يوضح طبيب الأعصاب الدكتور محمد بن مبروك أنّ "أعراض عدّة تترافق مع مرض الألزهايمر، من قبيل عدم القدرة على النوم أو العصبية الزائدة أو الاكتئاب. لذا، قد يصف الطبيب أدوية متعددة للمريض، فتتكبّد العائلات بالتالي مصاريف مرتفعة". يضيف بن مبروك أنّ "العائلات تتعب كثيراً في التعامل مع المريض الذي غالباً ما ينسى كل شيء، إذ إنّ تغيّر سلوكه يتطلب مرافقة ومتابعة مستمرتَين".
ويؤكد مرافقون للمرضى في مصالح علاج الأعصاب، أنّهم يعانون كثيراً في عناية مرضى الألزهايمر، "نظراً للمسؤولية الكبيرة وغير السهلة في التعامل مع شخص نسي كلّ شيء وأصبح يتصرّف كالأطفال"، بحسب ما يقول عادل مولدي. يضيف أنّ والده نسي كلّ شيء قبل أربع سنوات، وبات يتعرّض لنوبات عصبية بصورة مستمرة. وهو لم يعد قادراً على الخروج من المنزل بمفرده، الأمر الذي يستدعي مرافقة مستمرة، سواء داخل البيت أو خارجه. وذلك خصوصاً، مع نقص في عدد مراكز رعاية مرضى الألزهايمر أو حتى عدم توفّرها في كل الجهات".
وكانت وزيرة الصحة سميرة مرعي قد تحدّثت عن أكثر من 52 ألف مصاب بمرض الألزهايمر في تونس، مؤكدة حاجتهم إلى الرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية. وأشارت إلى أنّ المجتمع التونسي يتحوّل إلى أكثر هرماً، نتيجة التغيرات الديموغرافية. ومن المقدّر أن تصل نسبة المسنّين في عام 2030 إلى نحو 15 في المائة".
من جهتها، تقول رئيسة "الجمعية التونسية لمكافحة مرض الألزهايمر" عفاف الهمام لـ "العربي الجديد"، إنّ "عدد المصابين بالألزهايمر ارتفع ليبلغ نحو 60 ألف حالة بحسب بيانات هذا العام". يُذكر أنّ آخر تقديرات الجمعية تبيّن أنّ 10 في المائة من شريحة المسنّين في تونس الذين تفوق أعمارهم 60 عاماً مصابون بهذا المرض.
يتطلب علاج مرضى الألزهايمر أدوية مختلفة ومتابعة مستمرة، مع الإشارة إلى ارتفاع تكلفة بعض الأدوية لدرجة لا تستطيع كل العائلات تحمّلها. لذا يتوجّه كثيرون إلى "الجمعية التونسية لمرضى الألزهايمر" لمساعدتهم في البحث عن حلّ يخفف عنهم ارتفاع تكاليف العلاج. مذ تأسست، سعت الجمعية إلى دفع صندوق التأمين على المرض إلى التكفل بعلاج المرضى، نظراً لغياب التغطية الصحية والاجتماعية لكثيرين منهم ولعائلاتهم. فالصندوق يتكفّل بتوفير بعض الأدوية لهؤلاء المرضى.
وتشير الجمعية إلى أنّ مريض الألزهايمر يتطلب متابعة مستمرة ومساعدة طبية دائمة، الأمر الذي يمثّل عبئاً مالياً كبيراً على كاهل عائلته. لكنّ صندوق التأمين على المرض لا يأخذ ذلك في عين الاعتبار. لذا تأمل الجمعية أن يضمّ هذا المرض إلى قائمة الأمراض المزمنة التي يتكفّل بها الصندوق. لكنّ وزارة الصحة تشير إلى أنّ الدولة عملت على توفير الأدوية الخاصة بهذا المرض في كل المستشفيات. كذلك، يأتي الألزهايمر بحسب ما تفيد في المرتبة الثالثة لجهة التكلفة المادية بعد أمراض السرطان وأمراض القلب والشرايين.
تجدر الإشارة إلى أنّ أوّل مركز طبي خاص بالألزهايمر أنشئ في تونس في يناير/ كانون الثاني 2015. ويبيّن مدير المركز رياض قويدر لـ "العربي الجديد" أنّ "طاقة استيعاب المركز تبلغ 50 سريراً. كذلك يضمّ المركز أطباء متخصصين في الطب العام والأعصاب والشيخوخة والطب النفسي، بالإضافة إلى اختصاصات أخرى ذات صلة". يضيف أنّ "المركز يهتم بكلّ ما يتعلق بمرض الألزهايمر سواء من ناحية العلاج وتطوّره في العالم، أو من ناحية تكلفته المرتفعة في تونس ومحاولة إيجاد الحلول للتخفيف من المصاريف وتكلفة العلاج المرتفعة، عبر تدخّل صناديق التأمين على المرض في تونس. وذلك لأنّ عائلات المرضى بمعظمها تشكو من ارتفاع التكاليف لسنوات عدّة".