منذ نحو عامَين، يُحكى عن اتّجار بالأعضاء البشريّة في العراق. وقد استُخدم ما بقي سليماً من ضحايا الحرب في تلك التجارة، فيما خُطف آخرون وقُتلوا بهدف سرقة بعض أعضائهم. من جهة أخرى، ثمّة معوزون يعرضون أعضاءهم للبيع ليتمكّنوا من العيش.
لم يكن رافع ليتخيّل أنّه في السابعة والعشرين من عمره سوف ينتظر بجسد منهك زرعَ كلية. في حجرة في مستشفى الجمهوري وسط محافظة إربيل في إقليم كردستان العراق، كان بوجهه الشاحب وتنفسه المتقطّع وعيونه الجاحظة يترقّب موعد العملية الجراحية الذي اقترب.
من حوله، كان أشقاء ثلاثة له وكذلك ابن خاله يتناوبون على رعايته. فهو غير قادر على الاستلقاء، ينام وهو جالس يسنده أحد هؤلاء الموجودين، خوفاً من اختناق محتمل من جرّاء الحالات التي تنتابه بين حين وآخر. يقول أحمد (49 عاماً) وهو شقيق رافع الأكبر: "سوف نقوم بالمستحيل لكي يعيش رافع. وجدنا المتبرّع ودفعنا مبالغ طائلة بعدما بعنا كلّ ما نملك، سيارتي ومجوهرات زوجتي. كذلك فعل إخوتي. دفعوا كلّ ما لديهم حتى لا تتكرر المأساة". وعند سؤاله عن أيّ مأساة يتحدّث، يجيب وقد أجهش بالبكاء: "فقدنا شقيقاً قبل سبع سنوات من جرّاء إصابته بفشل كلوي مماثل".
من جهته، يخبر عبد الله (46 عاماً) وهو الشقيق الأوسط عن كيفيّة إتمام صفقة شراء الكلية لأخيه. يقول: "قصدنا المركز المعني بوهب الأعضاء البشرية في بغداد، غير أنّ ذلك أتى من دون نتيجة. عندها، دلّنا أحد العاملين هناك إلى وكيل خاص موجود على مقربة من المركز يستطيع تأمين الكلى. وبالفعل، أوصلنا الرجل إلى السمسار الذي طلب منا نتائج تحاليل رافع الطبية بهدف تأمين كلية مطابقة لما يحتاجه". يضيف "بعد يوم واحد اتصل السمسار ليبلغنا بأنّ المتبرّع موجود، وطلب منا الحضور إلى منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد، حيث عرّفنا إلى المتبرّع. وكان الاتفاق على سعر الكلية. توصّلنا إلى 13 مليون دينار عراقي (نحو 11 ألفاً و250 دولاراً أميركياً) للواهب وخمسة ملايين (نحو أربعة آلاف و325 دولاراً) للسمسار. وتقرّر دفع المال عند دخول المريض والواهب إلى غرفة العمليات الجراحية. حمدنا الله على تسهيل الأمور". يتابع: "لكن، عند العاشرة من مساء ذلك اليوم، اتّصل الواهب قائلاً إنّه تراجع عن قراره. كانت صدمة كبيرة لنا، فاتصلنا على الفور بالسمسار. بعد نصف ساعة، حضر في سيارته في حين كانت سيارة ثانية تتبعه، يستقلها أربعة شباب مسلحين. توجّهنا جميعاً إلى منزل الواهب الذي قال: لن أرضى بأقلّ من عشرين مليون دينار (نحو 17 ألفاً و300 دولار). هذه كليتي والسمسار يأخذ خمسة ملايين". ويكمل عبد الله سرده: "حينها، كشّر السمسار عن أنيابه، وقال للواهب: كنت تتصل يومياً للعثور على زبون. وقد جاءتك الفرصة. إذا كانت هذه حركة منك للالتفاف من وراء ظهري فاعلم أنّك في عداد الأموات لأنّ عيوننا في كل مستشفيات العراق وسوف نصل إليك بأسرع ممّا تتصوّر. بعد ذلك، التفت إلينا قائلاً: وهذا الكلام موجّه إليكم كذلك". ويؤكّد هنا على أنّ "تهديده كان مباشراً وجاداً، وقد رأينا بأمّ أعيننا كيف يتنقّل في بغداد مع شباب مسلحين بكلّ حرية، غير آبه بنقاط التفتيش ولا بالحواجز العسكرية. سلّمنا بالأمر الواقع، واتفقنا على إعطاء الواهب 17 مليون دينار (14 ألفاً و700 دولار). وها نحن اليوم في أربيل، ننتظر إجراء العملية الجراحية".
واهب رغماً عنه
في غرفة المستشفى حيث ينتظر "الفرج"، يقول رافع إنّ أكثر ما يشغله هو "سلامة أخي حسين". الأخير هو واهب الكلية. من جهة أخرى، يطمح رافع كغيره من الشباب إلى "الزواج وتأليف أسرة والعمل حتى لا أبقى عاجزاً وعالة على إخوتي. هم تعبوا كثيراً معي".
من جهته، في المستشفى نفسه، يبتسم حسين (الواهب) محاولاً إخفاء ألمه. هو يبلغ من العمر واحداً وثلاثين عاماً، وكان ينتظر كما رافع موعد إجراء العملية الجراحية. يقرّ أنّ ما دفعه إلى وهب كليته هو "الفقر والعوز". يضيف: "أنا متزوّج ولديّ ثلاثة أطفال. كذلك، أنا مسؤول عن والدتي التي ترافقني هنا. لكنّ راتبي الشهري لا يتجاوز 300 ألف دينار (260 دولاراً)، إذ إنّني أعمل كموظف متعاقد منذ أربعة أعوام، من دون أن يُصار إلى تعييني". ويتابع أنّ "الدَين أثقل كاهلي، ولم أعد قادراً على مواصلة الحياة بهذه الطريقة. فقرّرت بمحض إرادتي أن أهب كليتي مقابل مبلغ مالي، لكي أتمكّن من تلبية احتياجات عائلتي وأطفالي وسدّ بعض من ديوني".
البقاء للأقوى
تشير بعض التقديرات إلى أنّ ما بين 10 و15 عملية بيع أعضاء بشرية تجري يومياً. وتكاد تكون مقتصرة على بيع الكلى، ومعظمها في بغداد. لكنّ مصادر في الشرطة العراقية تفيد "العربي الجديد" بأنّ "ثمّة عمليات بيع للقلوب وأعضاء أخرى تجري بواسطة عصابات". وأخيراً، اعتُقل بحسب المصادر نفسها، "أعضاء شبكة منظّمة تخطف مواطنين ليُعثر بعد يومَين أو ثلاثة على جثثهم في مكبّات للنفايات بعدما انتُزعت منها أعضاء مختلفة". ويقول في هذا الإطار عقيد في شرطة الكرخ فضّل عدم الكشف عن هويته، إنّ "أعضاء الإنسان باتت أغلى من روحه". يضيف أنّ "العراق اليوم غابة والبقاء هو للأقوى، فيما يسقط الضعفاء يومياً. من يريد حماية نفسه ما عليه إلا الهجرة أو الانضواء تحت لواء مجموعات مسلحة". ويلفت العقيد نفسه إلى أنّه "قبل عام، فقدنا شاباً من أبناء هذا المركز (مركز شرطة البياع في جنوب بغداد) اختطف من أمام منزله. ظننا أنّها عملية إرهابية في بادئ الأمر، إلا أنّه تبيّن في ما بعد بأنّهم سرقوا أعضاءه وتركوه في مكب للنفايات وخلفه زوجته وطفله".
لا قانون
في هذا السياق، يقول النائب ميثاق الموزاني عن لجنة الصحة البرلمانية العراقية في اتصال مع "العربي الجديد": "نحن على علم ويقين بأنّ ثمّة عصابات ومافيات تتاجر بالأعضاء البشرية في العراق. كذلك، ثمّة عصابات تعمد إلى خطف الأطفال قبل أن تستأصل أعضاؤهم كذلك لتُباع. فقد وصلت شكاوى عدّة من مواطنين حول تلك العصابات، لكنّنا نفتقر إلى قانون ينصّ على معاقبة هؤلاء. وهذا ما دفعنا في مجلس النواب العراقي إلى إعداد مشروع قانون بهذا الشأن، من المفترض أن يُصوَّت عليه خلال الجلسات المقبلة". يضيف أنّ "هذا القانون عُدّل من قبل الشرع ومختصّين في المحاكم العراقية، وقد تضمّن عقوبات تصل إلى حدّ السجن المؤبّد والإعدام بهدف الردع". وإذ يؤكد الموزاني أنّ "السماسرة يستغلون الفقراء والمعدَمين في المجتمع"، يذكر أنّ "حالات خطف استهدفت بعض مراهقين قبل أن تنتزع كلاهم".