رفضت السودانيّة حاجة عثمان المساومة على حلمها، وإن تأخّر قليلاً نتيجة الظروف. فباتت أول ربانة "كابتن" طائرة في البلاد، وما زالت تطمح لتحقيق المزيد.
قيل لها إن الحلم حق، لكنّ تحقيقه مستحيل في مجتمع يحصر النساء في وظائف محدّدة، ويجعل أخرى حكراً على الرجال، كما هو الحال في السودان. وتعدّ مهنة الطيار من بين الوظائف المحظورة على النساء. إلّا أن حاجة عثمان استطاعت تحقيق المستحيل، وكانت أوّل كابتن سودانية، من بين نحو خمسة آلاف امرأة يقدن طائرات حول العالم. وحصلت على رخصة قيادة من هيئة الطيران المدني في الخرطوم، هي التي تخلّت عن دراسة الطب بعد مرور ست سنوات.
صعوبات ومعوقات كثيرة واجهت عثمان لتحقيق حلمها. عائلتها مثلاً كانت ترغب أن تراها طبيبة، عدا عن الخطوط الحمراء التي تضعها معظم العائلات، منها منع الفتيات من المبيت خارج المنزل وغيرها، علماً أن عمل عثمان كان يتطلب منها السفر باستمرار. لم تيأس، بل كانت قادرة على تجاوز هذه الصعاب في سبيل تحقيق حلمها، حتى أنّ أهلها باتوا داعمين لها.
تخرّجت عثمان (35 عاماً) من الملكية الأردنية للطيران في عام 2010 لتبدأ تجربتها. وفي العام الماضي، التحقت بشركة "تاركو" للطيران السودانية، وباتت تتنقل بين مصر والسعودية والأردن.
أكملت دورات التحليق التدريبي و"السولو (المنفرد)". وبعد نحو 150 ساعة طيران، حازت على شهادة الطيران الدولية من دولة جنوب أفريقيا، وانضمت إلى منظمة نساء في الطيران. تقول لـ "العربي الجديد" إنها بدأت العمل مع شركة تاركو للطيران كأول امرأة تملك رخصة قيادة من هيئة الطيران المدني، لافتة إلى أنها واجهت صعوبات كثيرة إلا أنها استطاعت تجاوزها بفضل عزيمتها ودعم عائلتها التي تفهمت رغبتها. تضيف أن "مجرّد طرح الفكرة على أسرتي المحافظة والمتمسّكة بالتقاليد، والتي تحدّد وظائف معينة للفتاة، كان تحدياً صعباً، فضلاً عن الصعوبات الأخرى المرتبطة بالمهنة، والمجهود الذي تتطلبه".
وترى أنّ إقامتها قرب المطار زاد من تمسّكها بحلمها في التحليق في السماء. "منذ صغري وأنا أراقب حركة الطيران من شباك منزلنا، وأتخيّل نفسي أقود إحدى الطائرات". كبرت وأخبرت شقيقتها عن حلمها، لتكتشف أنه ليس هناك كليات متخصصة في البلاد. وبقي حلمها في داخلها حتى خلال دراستها الطب. ما زالت تذكر اليوم الذي قرأت فيه خبراً في إحدى الصحف المحلية عن أول امرأة مغربية تقود طائرة. وحين افتتحت كلية للطيران في الخرطوم، نجحت في اقناع عائلتها بالالتحاق بها، قبل أن تتوجه إلى الأردن لمتابعة دراستها، وقد التحقت بالملكية الأردنية للطيران، وخضعت لدورات تدريبية عدة.
تقول عثمان إن البعض يرى أنّ مجال الطيران لا يتناسب مع النساء. أكثر من ذلك، يشكّكن في قدرتهن على تحقيق أي مكاسب في هذا المجال. لم تحقّق حلمها بعد، وتطمح إلى زيادة عدد ساعات الطيران، على أمل أن تتمكن من قيادة طائرة "ايرباص 322" .
وتشير عثمان إلى بعض المواقف الطريفة التي تواجهها، لافتة إلى أن السودانيّين يتقبّلون عادة أن تكون المرأة طبيبة أو مهندسة أو قاضية أو محامية، إلّا أنهم لا يتقبلونها تقود طائرة، وهذا قد يشعر كثيرين بالخوف. في العادة، تعرّف عن نفسها بعدما تستقر الطائرة في السماء. كذلك، تلفت إلى أن بعض الركاب يعتقدون أنها رجل حين يقرأون اسمها، وقد يتحول الأمر إلى نقاش بينهم. وأحياناً، لا يتردّد البعض في التوجه إلى قمرة القيادة، لمعرفة إذا ما كانت رجلاً أم امرأة.
من جهته، كان المديرالعام لشركة "تاركو"، سعد بابكر أحمد، قد أعرب عن اعجابه بقيادة عثمان، لافتاً إلى أنّه كونها أوّل سودانية تقود طائرات، فقد فتحت الباب أمام أخريات للدخول إلى هذا العالم، الذي ظلّ حكراً على الرجال لفترة طويلة. أضاف أنّ ما يميّز عثمان هو انضباطها في عملها فضلاً عن التزامها بجداول الرحلات. في الوقت نفسه، أشار إلى أنها دائماً ما تدهش الركاب، بمجرد أن يعلموا أن امرأة ستقود الطائرة.
إلى ذلك، تختلف النظرة إلى قيادة المرأة للطائرات في البلاد، بين من يؤيّد الفكرة ويعدّها فخراً، وبين من يرفضها ويراها خروجاً عن العادات والتقاليد. سارة (28 عاماً) تقول إنها لن تخاطر بأن تسافر في طائرة تقودها امرأة، لافتة إلى أن النساء ضعيفات بطبيعتهن، وقد لا تحسنّ التصرف في حال حدوث طارئ، ما قد يدفعهن إلى مغادرة قمرة القيادة ببساطة. أما آمنة (37 عاماً)، فتؤكّد أنها ستكون مطمئنة جداً لقيادة المرأة، نظراً لقدراتها العالية في التقيد بالقوانيين والتحكم بأعصابها في حال حدوث أي خطر، وبالتالي التفكير بالحلول.
ربّما يحتاج السوادنيون وغيرهم إلى مزيد من الوقت، قبل أن يتقبّلوا تماماً فكرة قيادة المرأة للطائرات، وأنّها والرجل يحصلان على العلوم والتدريبات نفسها.