"اسمي إينا موجا، وقد ولدت وتربيت في مالي. كان عمري نحو أربع سنوات حين تعرضت للختان. كبرت وكان صعباً عليّ أن أعرف من أنا ولماذا أخذوا مني هويّتي كامرأة من خلال بتر أعضائي الجنسية. سرقوا كرامتي وهويّتي". بهذه الكلمات، عبّرت المغنية الماليّة الشابة عمّا مرّت به في طفولتها، من جرّاء عملية ختان، ومدى تأثيرها عليها حتى اليوم. وجاءت شهادتها خلال إحدى الفعاليات التي تنظمها منظمة الأمم المتحدة في مقرها الرئيسي في نيويورك خلال الأسبوع الجاري، بهدف التوعية حول الموضوع.
تُشير تقارير المنظمة إلى أن أكثر من مائتي مليون أنثى يتعرضن سنوياً للختان (أي تشويه أعضائهن التناسلية، وإزالة تلك الخارجية بشكل كامل أو جزئي). وتعد هذه الممارسات ضارة صحياً ونفسياً واجتماعياً، وتشكل كذلك انتهاكاً لحقوق الإنسان. تجدر الإشارة إلى أن الختان يمارس في نحو 30 دولة حول العالم، لكن نصف اللواتي تعرّضن للختان، أي نحو مائة مليون أنثى، يعشن في ثلاث دول وهي مصر وإثيوبيا وإندونيسيا. بحسب الأمم المتحدة، فإن عدد الفتيات اللواتي تعرضن للختان وهنّ دون الرابعة عشرة، يصل إلى 44 مليون فتاة، ومن الممكن أن يؤدي الختان إلى نزيف حاد وعقم ومضاعفات صحية خطيرة للنساء أثناء عمليات الوضع.
تقول مستشارة ومنسّقة البرنامج المشترك بين صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية ومؤسسة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في نيويورك، نافيساتو جيه ديوب، إن "الأمم المتحدة والمنظّمات المدنية حققت تقدماً في هذا المجال". وتوضح في حديث إلى "العربي الجديد" أنه "في حال لم تتمكن من وقف هذه الممارسات بحلول عام 2030، فإن عدد الإناث اللواتي سيتعرضن للختان، بحسب التقديرات، قد يزيد ربما بنحو 15 مليون أنثى".
وفيما يتعلق بالوسائل التي تستخدمها الأمم المتحدة في هذا المجال، تشرح أنها "تبنت من ضمن خطة التنمية المستدامة التي اعتمدتها، في سبتمبر/أيلول الماضي، القضاء على جميع العادات التي تضرّ بالفتيات والنساء، من بينها تشويه الأعضاء التناسلية. وهذا يعني أن المجتمع الدولي سيركّز أكثر على هذا الموضوع، وهذا بحدّ ذاته أمر مهم جداً". تضيف: "في الواقع، نشهد تقدماً في هذا المجال، لكنه لا يرقى إلى تطلعاتنا. وإذا نظرنا إلى العالم العربي، سنرى أن مصر حققت خطوات لا بأس بها، بالتعاون مع قيادات دينية كالأزهر، من أجل المساعدة في التخلص من هذه العادة. لكن الأرقام تبقى عالية جداً، لا بل مخيفة".
وتفيد الإحصاءات الأخيرة للأمم المتحدة فيما يتعلق بختان الإناث في مصر، والتي أجريت في عام 2014، بأن ثمّة انخفاضاً في نسبة الختان لدى الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و17 عاماً، من 74 إلى 61 في المائة بين عامَي 2008 و2014. وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض يُعد كبيراً ومهماً، إلا أن الأرقام ما زالت مخيفة هناك. وتصل نسبة اللواتي يتعرضن للختان بين 15 و45 عاماً، إلى نحو 92 في المائة. ولا شك أن انخفاض هذه النسبة جاء بعد عقود من العمل والمثابرة لنساء كسرن المحرّمات وتحدّثن عن الموضوع، كالكاتبة نوال السعداوي وأخريات من منظمات مدنية محلية وعالمية كالأمم المتحدة.
وتشير ديوب إلى أنه "على الرغم من عدم نصّ الكتب المقدّسة على ممارسة هذا العرف، إلا أن بعض المجتمعات تربط الأمر بالدين. لذلك، تحاول الأمم المتحدة العمل بمساعدة أفراد ومؤسسات دينية على التخلص من هذه العادة". تضيف: "عملنا مع الأزهر في مصر ومع الكنيسة الكاثوليكية في إثيوبيا. لكن بعض رجال الدين يرفضون الأمر، خصوصاً في مالي". وتتابع أن "بعضهم رفض التعاون، على الرغم من محاولات لرجال دين من مؤسسة الأزهر لإقناعهم".
أما في اليمن، فتلفت ديوب إلى أن "المجتمع المدني يعمل على التخلص من هذه العادات قبل الأمم المتحدة. لكن بسبب الوضعَين الأمني والسياسي، شهدت هذه البرامج انتكاسة. لكننا قررنا معاودة العمل". وتوضح أنه "عادة ما تطلق الأمم المتحدة برامجها بالتعاون مع السلطات الحكومية أو المحلية، لأنه لا يمكنها العمل في أي من هذه البلاد من دون موافقة تلك السلطات. لكن الوضع الحالي في اليمن يجبرنا على تغيير طريقة عملنا. لذلك، قررنا تحويل المساعدات إلى منظمات المجتمع المدني".
إلى ذلك، تحاول الأمم المتحدة العمل في دول عدة مثل العراق وإيران والهند التي تمارس فيها هذه العادات. وتركّز الأمم المتحدة في عملها على خطوات عدة، أهمها: العمل على التوعية في المؤسسات الدينية والمدارس، وتدريب الصحافيين والإعلاميين، خصوصاً في المناطق النائية التي يعتمد فيها الناس على برامج الراديو أو قنوات التلفزة المحلية لمتابعة الأخبار، بالإضافة إلى الإعلانات المتلفزة أو تلك الإذاعية. من جهة أخرى، تعمل على المستوى الحكومي من خلال سن قوانين تجرّم عملية ختان الإناث.
اقرأ أيضاً: الختان حرمني من الأمومة