تشير الوثائق الموجودة في وزارتي البلديات والتخطيط العراقية، إلى أن عدد المقابر الرسمية أو العشوائية المنتشرة في عموم البلاد ارتفع خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية ليبلغ نحو ألفي مقبرة، وكثير منها يتمركز حول المدن وعلى مداخلها خصوصا.
وتصدرت الأنبار، كبرى المحافظات العراقية، القائمة، تليها نينوى وديالى ثم النجف وصلاح الدين وبغداد، في حين لا تزال نحو 500 مقبرة غير مدرجة في سجلات وزارة البلديات، كونها مصنفة مقابر عشوائية، وبعضها لا يحوي أكثر من 100 قبر، حيث أنشأها السكان خلال المعارك وحصار المدن إبان الاحتلال الأميركي للبلاد، ثم مرحلة اجتياح تنظيم الدولة للأراضي العراقية قبل نحو ثلاث سنوات.
ووفقا لما توصلت إليه "العربي الجديد"، فقد افتتحت وزارة البلديات العراقية في فبراير/شباط 2003، قبل الحرب ببضعة أسابيع، المقبرة رقم 700 في البلاد في بلدة الصويرة أقصى جنوب العراق، إلا أن عدد المقابر ارتفع اليوم إلى نحو ثلاثة أضعاف، وبدت المقابر الجديدة أكبر، حيث تتراوح طاقة الواحدة منها بين ثلاثة آلاف إلى 100 ألف قبر.
وتعد مقبرة "وادي السلام" في مدينة النجف؛ الأكبر والأقدم في العراق، وأنشئت بعد فتح الكوفة عقب معركة القادسية وهزيمة الإمبراطورية الفارسية بقيادة سعد ابن أبي وقاص عام 636 للميلاد، ويقدر عدد القبور فيها بنحو 4 ملايين قبر على مساحة تبلغ 7 كيلومترات، متخذة شكل واد يفتح ذراعيه نحو مدينة النجف.
مقبرة "أبو غريب" (20 كلم غرب بغداد) هي ثاني أكبر مقابر العراق، تليها مقبرة الكرخ التي تضم رفات كبار شخصيات بغداد الدينية والعلمية منذ العصر العباسي وما تلاه، وأبرزهم معروف الكرخي وزبيدة زوجة هارون الرشيد وحفيدة مؤسس الدولة العباسية أبو جعفر المنصور، وعدد من ولاة بغداد في العهد العثماني، وتليها المقبرة الملكية وسط بغداد، ثم بعد ذلك مقبرة باب المعظم للمسيحيين.
وبسبب ارتفاع عدد المقابر فعّلت الحكومة العراقية عام 2010، قانون رقم 18 للعام 1938 الذي ينص على وجوب إنشاء المقبرة في مكان لا يقل بعده عن أول مدينة عن كيلو متر واحد، وأن تزود بالماء وغرفتين للحارس وأخرى كمسجد، وألا يزيد طول القبر عن مترين وأن تكون المسافة بين القبر والآخر مترا واحدا فقط، وبشرط أن يتم التأكد أن المقبرة تقام على أرض غير أثرية أو نفطية أو تابعة للقطاع الخاص، أو على مجرى الأنهار.
كما ينص القانون على أنه لا يجوز الدخول إلى تلك المقابر بعد غروب الشمس إلا للمخولين، فضلا عن قوانين أخرى تنظم ملف المقابر.
وحول ذلك، يقول محمد حسين الطائي، الموظف في شعبة شؤون المقابر بوزارة البلديات العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "العدد المعلن قد يكون أكبر بكثير، وهناك عشرات المقابر أقيمت بعد دخول (داعش)، وهي في مناطق غير خاضعة لسلطة الدولة، ومقابر أخرى صغيرة في بطن الصحراء، وهناك نحو 100 مقبرة جماعية لا زالت غير مفتوحة ولا نعرف جثث من تحوي".
وبين أن "العلامة الفارقة في العراق بعد الاحتلال هي كثرة المقابر، ويؤكد ذلك أن مداخل أغلب المدن تحولت لمقابر"، لافتا إلى أن "المقابر داخل المدن باتت تمثل تحديا كبيرا، وهناك حدائق وملاعب تحولت لمقابر كما في الفلوجة"، مرجحا أن "70 في المائة من ساكني تلك المقابر هم من ضحايا الاحتلال الأميركي وما خلفه من ويلات على العراق".
وحذرت منظمة محلية تعني بملف البيئة في العراق من الانتشار العشوائي للمقابر دون تخطيط مسبق، وقال نائب رئيس منظمة "الخضراء"، أحمد الحساني، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومات العراقية التي جاءت بعد الاحتلال خذلت العراقيين أحياء وأمواتا"، وأضاف "مع الأسف المقابر سيئة وهناك حيوانات تدخل القبور، وأغلبها غير صالح للدفن بسبب نوعية التربة أو عدم إحاطتها بسياج، فضلا عن أنها داخل المدن، وبعد مدة لن يكون بمقدرة أحد توسيع بناء أو شارع حولها، كما أن مشهدها داخل المدينة وقرب مدارس الأطفال والأسواق لا يبعث بالتفاؤل أو الأمل".