"لماذا تسير النساء خلف الرجال في أفغانستان بمسافة لا تقل عن خمسة أمتار؟ لضمان خلو الأرض من الألغام". كانت هذه من أبرز النكات الساخرة التي تم تداولها بعد بدء الحرب على أفغانستان عام 2001. تقول هذه السخرية السوداء الكثير عن واقع النساء في أفغانستان منذ تأسيس الدولة الإسلامية عام 1992 وما تلاها من حروب، وعن التمييز والإقصاء الذي عانته ولا تزال تعانيه النساء في تلك الدولة. حين يريدون ضرب المثل بالتخلّف الحضاري، أو القوانين الرجعية أو الممارسات البالية بحق النساء تكون أفغانستان بما تعنيه من حكم طالبان الإسلامي المتشدد هي ما يخطر بالأذهان.
النظر إلى الممارسات التي تتصاعد أخيراً في بعض القرى والمناطق في لبنان يؤكد أن الردّة الإسلامية المتشددة ستكون سيدة الموقف في المرحلة المقبلة. هي ربما لا تزال حالات فردية أو أحداث متفرقة، لكنها تؤسس لتيار أيديولوجي ستكون النساء وحريتهن وكرامتهن أول من يدفع الثمن نتيجته. منع الاختلاط أو الفصل بين النساء والرجال بات في تزايد في الكثير من المناسبات. لا تزال حاضرة في الأذهان تداعيات القرارات التي اتخذتها بلديات بعض البلدات والقرى في جنوب لبنان في الصيف المنصرم بمنع الاختلاط عبر عدم السماح بتسجيل النساء والفتيات للمشاركة بسباق ماراثون، أو بإرغام مقهى إنترنت على احترام عدم الاختلاط بين الإناث والذكور، أو ضرورة فصل الرجال عن النساء في المسابح.
ولعل آخر هذه الممارسات ما قامت به إحدى بلديات قرى الجنوب بالفصل بين الشابات والشبان أثناء أحد الاحتفالات في القرية، فجلست النساء في آخر القاعة بينما تصدّر الرجال ــ الذكور المقاعد الأمامية.
سياسة الفصل بين النساء والرجال أو إقصاؤهن تجد جذورها في علاقة القوة ــ السيطرة التي يفرضها المجتمع، لا سيما الديني ــ المتشدد منه على النساء، وخصوصاً على أجسادهن. بكلام آخر، تخبئ ممارسات مثل الفصل بين النساء والرجال في الأماكن العامة، قضايا أكثر تعقيداً تعكس معيار المساواة والعدالة في المجتمعات. فحيث يتم الفصل، لن تكون هناك حقوق اقتصادية ولا سياسية ولا اجتماعية، ولن تكون هناك حرية بالتعبير ولا بالحركة؛ وبالتأكيد، ستكون هناك حالات وحوادث اغتصاب فردية أو جماعية.
من هنا، قد يبدو الأمر مفتعلاً حين نربط منطق تفكير النائب اللبناني إيلي ماروني عندما قال ما معناه إن النساء لا بد أن تكون لهن يد إذا ما تعرّضن للاغتصاب بالممارسات التي تقوم بها الأحزاب الدينية المتشددة في العديد من المناطق حول إقصاء النساء. لكن الرابط بينهما كبير. وكلاهما لهما منبع "السيطرة" نفسه. قد تختصر المقولة التالية طريقة تفكير العقلية الذكورية التشريعية منها أو الثقافية في لبنان: "إخضاع النساء أو السيطرة على أجسادهن سواء بالاغتصاب أو الفصل الجندري أو الإقصاء أو حتى التسليع هو مدخل أساسي وربما وحيد للسيطرة عليهن".
* ناشطة نسوية