للتأكيد على ما حدث من إخلال بالتوازن البيئي في مناطق عديدة من السودان، كنا نضرب المثل بما حدث في محمية الردوم مطلع الثمانينات من القرن الماضي. فقد حدث أن أُبيدت النمور بغرض استخدام جلودها في تصنيع الأحذية البلدية (المراكيب) التي يلبسها ويتباهى بها الأغنياء. ولأن غذاء النمور الأساسي هو القرود كان لابد من أن تتكاثر القرود حتى تعجز أشجار الغابة عن إطعامها، فقامت بمهاجمة المزارع، وأجبرت كل مزارع على استنفار كافة أفراد أسرته لحراسة المحصول، فما كان من القرود إلا أن لحقتهم إلى المساكن بحثاً عن الطعام.
القصة تكرّرت قبل عامين في أحياء بمدينة كسلا بشرق السودان، فقد كثّفت القرود الجائعة من هجماتها على المواطنين بعد قيام السلطات الأريترية بترحيل أكوام من النفايات والمخلفات كانت تتغذى عليها القرود عبر الحدود الجبلية. يومها وجّه الأهالي نداءات استغاثة للسلطات المعنية في البلاد لإيجاد حلول فاعلة لظاهرة انتشار القرود في الأحياء السكنية.
واحتلت القرود مساحات من الرأي العام على أثر قضية إحباط محاولات تهريب أنواع منها خارج الحدود. يومها أشار الخبير في عالم الحيوان الدكتور محمد عبد الله الريح إلى أنه "لهذه الحيوانات عائد مادي كبير خارج البلاد، مما جعل عمليات تهريبها مستمرة"، لافتاً إلى أن هنالك أنواعاً نادرة من الحيوانات في السودان يُمنع تصديرها لأنها مهددة بالانقراض، وأنه لتصدير مثل هذه الحيوانات يجب أن تمرّ بعدة مراحل، ويجب أن يكون هنالك ترخيص من قِبل عدة جهات من بينها سلطات أمنية وجهات بحثية وبيطرية".
يؤكد العالم الألماني يالمر كيويل، من معهد ماكس بلانك لعلم التطور البشري أن "مجتمعات القرود الأفريقية تقع الآن تحت ضغط هائل، كما أن أعدادها آخذة في الانحدار"، مشيراً إلى أنه "من أسباب تهديد هذه الحيوانات بالاختفاء التزايد الكبير في الطلب البشري على مساحات الأراضي والأخشاب والموارد المعدنية واللحوم".
اليوم لا حديث لمن يزور محمية الدندر أو المناطق القريبة منها إلا تزايد أعداد القرود، حتى أن بعضها آثر النزوح إلى الجبال القريبة من المساكن والمزارع والشوارع الرئيسية، حيث يمكن للمسافرين عبر الطريق الرابط وسط السودان بشرقه ملاحظة أن القرود تتنظر الحافلات في مواقع محددة لإنزال بقايا طعام الرحلة، وما يجود به مستخدمو الحافلة.
وقد عزا أحد الباحثين في مجال الحياة البرية الأمر إلى قدرة القرود على التصرف ليدلل على ذكائها، حتى أنه أورد حكاية قرود معسكر محمية الدندر التي باتت تستغل لحظة اصطفاف أفراد قوة الحماية في طابور الصباح والمساء لتتسلّل إلى الغرف بحثاً عن طعام، ما جعل القوة العسكرية تتخلى عن التمام العسكري لأجل خاطر القرود.
(متخصص في شؤون البيئة)
اقــرأ أيضاً
القصة تكرّرت قبل عامين في أحياء بمدينة كسلا بشرق السودان، فقد كثّفت القرود الجائعة من هجماتها على المواطنين بعد قيام السلطات الأريترية بترحيل أكوام من النفايات والمخلفات كانت تتغذى عليها القرود عبر الحدود الجبلية. يومها وجّه الأهالي نداءات استغاثة للسلطات المعنية في البلاد لإيجاد حلول فاعلة لظاهرة انتشار القرود في الأحياء السكنية.
واحتلت القرود مساحات من الرأي العام على أثر قضية إحباط محاولات تهريب أنواع منها خارج الحدود. يومها أشار الخبير في عالم الحيوان الدكتور محمد عبد الله الريح إلى أنه "لهذه الحيوانات عائد مادي كبير خارج البلاد، مما جعل عمليات تهريبها مستمرة"، لافتاً إلى أن هنالك أنواعاً نادرة من الحيوانات في السودان يُمنع تصديرها لأنها مهددة بالانقراض، وأنه لتصدير مثل هذه الحيوانات يجب أن تمرّ بعدة مراحل، ويجب أن يكون هنالك ترخيص من قِبل عدة جهات من بينها سلطات أمنية وجهات بحثية وبيطرية".
يؤكد العالم الألماني يالمر كيويل، من معهد ماكس بلانك لعلم التطور البشري أن "مجتمعات القرود الأفريقية تقع الآن تحت ضغط هائل، كما أن أعدادها آخذة في الانحدار"، مشيراً إلى أنه "من أسباب تهديد هذه الحيوانات بالاختفاء التزايد الكبير في الطلب البشري على مساحات الأراضي والأخشاب والموارد المعدنية واللحوم".
اليوم لا حديث لمن يزور محمية الدندر أو المناطق القريبة منها إلا تزايد أعداد القرود، حتى أن بعضها آثر النزوح إلى الجبال القريبة من المساكن والمزارع والشوارع الرئيسية، حيث يمكن للمسافرين عبر الطريق الرابط وسط السودان بشرقه ملاحظة أن القرود تتنظر الحافلات في مواقع محددة لإنزال بقايا طعام الرحلة، وما يجود به مستخدمو الحافلة.
وقد عزا أحد الباحثين في مجال الحياة البرية الأمر إلى قدرة القرود على التصرف ليدلل على ذكائها، حتى أنه أورد حكاية قرود معسكر محمية الدندر التي باتت تستغل لحظة اصطفاف أفراد قوة الحماية في طابور الصباح والمساء لتتسلّل إلى الغرف بحثاً عن طعام، ما جعل القوة العسكرية تتخلى عن التمام العسكري لأجل خاطر القرود.
(متخصص في شؤون البيئة)