واقع دفع العديد من الشباب إلى عدم الاستسلام والتفكير في مشاريع جديدة ومبتكرة، منها ما قد يكون غريباً على المجتمع العراقي، إلا أنه سرعان ما يعتاد عليه، مثل ما قامت به الشابة براء البياتي الحاصلة على شهادة الهندسة من جامعة بغداد، إذ دشنت بنفسها مشروع بيع الكتب على الرصيف، قبل أن تتطور إلى امتلاك دار للنشر.
وتقول البياتي لـ"العربي الجديد"، "بعد تخرجي من كلية الهندسة جلست في البيت كباقي أقراني من الخريجين الشباب دون الحصول على فرصة عمل، لكن لم أترك اليأس يتسلل إلى نفسي ويكسر طموحاتي، فقررت أن أدشن مشروع بيع الكتب الذي بدأ صغيراً على الرصيف، واليوم أنا صاحبة مكتبة في شارع المتنبي".
وتضيف "في إحدى زياراتي لشارع المتنبي التقيت بصاحب دار نشر، عرضت عليه فكرة العمل بشكل تطوعي مع الدار بمقابل حصولي على الإصدارات التي تصل إلى الدار مجاناً لأطلع عليها وأقرأها، رحّب بالفكرة وبدأت بالعمل، فتخصصت في "السوشيال ميديا" الخاصة بدار النشر، ومن هنا بدأت بمراسلة دور النشر العربية والكتاب العرب لتوفير النشر العربي لشارع المتنبي وتحديداً في دار النشر "سطور".
وتتابع، "كنت أقوم بهذا إضافة إلى تواجدي كل جمعة لعرض الكتب في الشارع على رفوف خاصة بالدار، وبعد فترة من الزمن تمكنت من شراء محل صغير في شارع المتنبي يتناسب ودخل عائلتي، ومنه أصبحت اليوم صاحبة دار نشر، وأنا اليوم أول مكتبية في شارع المتنبي منذ تأسيسه وثاني مكتبية في العراق بعد شرقية الراوي (1942 - 2017) رحمها الله، وأيضا أول صاحبة دار نشر في العراق لهذه الحقبة الزمنية".
ولا تخفي البياتي الصعوبات التي واجهتها في عملها، خاصة مع النظرة الضيقة للمرأة ودورها المحصور في البيت، غير أن الشابة لم تلتفت إليها، وواصلت مسيرتها في اتجاه تعزيز النقاط الإيجابية التي منحها لها هذا العمل، على حد تعبيرها.
ووجّهت البياتي رسائلها إلى الشباب بأن لا يستسلموا للبطالة واليأس، بل أن يبحثوا دون توقف، ويغامروا في مشاريع يحبونها، "لأن العمل أساس ديمومة الحياة، المهم أن يبدأ الإنسان حتى لو كان العمل بسيطاً فالمجهود والتجربة كفيلة بتطويره".
كما خصّت البياتي المرأة بصفة عامة برسالة دعتها فيها إلى التركيز على التثقيف وتطوير إمكانياتها "من أجل فرض وجودها في كل مجالات الحياة كما عهدناها في عهد أبائنا وأجدادنا، لأن المرأة حينما تكون مثقفة تساهم في تطوير جيل مثقف لبناء عراق زاهر".
وقد وجدت الشابة براء عبر مشروعها، تشجيعاً ودعماً، ويقول بهاء اللعيبي (55 عاماً) لـ "العربي الجديد"، أواظب على شراء الكتب التي أحتاجها من البياتي منذ كانت تبيع في إحدى البسطات، وذلك تشجيعاً لها، وأنا فخور بها ولي بنت بعمرها جليسة البيت بعد أن تخرجت من كلية الآداب، بصراحة لا توجد فرص عمل، وأنا معجب جداً بشخصية براء وإصرارها على تحقيق حلمها.
وتوافقه هناء الرحبي (24 عاماً) الرأي مؤكدة أن البياتي نموذج يحتذى به، وتقول لـ "العربي الجديد"، إنّ المرأة العراقية، اليوم، في مواجهة صعبة مع ظروف استثنائية لا ترحم، والبياتي كسرت الكثير من القيود بمواجهة سوق كبيرة كشارع المتنبي لتقف فيه الوحيدة التي تبيع الكتب وتتلقفها وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية".