داخل الفان (الميكروباص) المفتوح النوافذ، وهو يجد الطريق سالكاً أمامه على غير عادة يوم الجمعة الماضي من محيط مطار بيروت الدولي إلى منطقة مرفأ بيروت، تجلس امرأة سورية نازحة على المقعد قبل الأخير مع ابنين توأمين في السادسة، وابنة في عامها الثاني تضعها في حضنها.
الصبيّان يلاحقان السيارات بأنظارهما وأيديهما. كلٌّ منهما يختار واحدة ويقول إنّها "الأجمل" وستكون له عندما يكبر. أما الطفلة فتبتسم وتشير إلى وشم قابل للمحو على يدها وتضحك ملء صوتها.
هم فقراء ممّن حرمتهم الحرب في سورية من كثير من أسباب الحياة لعلّ من بينها التعليم سواء في الوقت الراهن... أو لاحقاً بحسب التحديات. هم نموذج لفقراء غيرهم في لبنان محارَبون في لقمة عيشهم، أما مستقبلهم ففيه كثير من الغموض، في أقصى درجات التفاؤل.
في الأسبوع نفسه، كان تلاميذ البكالوريا (الثانوية العامة) في لبنان قد بدأوا امتحاناتهم الرسمية. يلفت الانتباه في امتحان اللغة العربية وآدابها في اختصاص الاجتماع والاقتصاد، نصّ للكاتب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي (1876 - 1924) من كتابه "النظرات" يدعو فيه - من جملة ما يدعو - إلى وقف التمييز بحق الفقراء، مبيّناً مزايا حميدة لهؤلاء مقابل الأغنياء في كثير من شؤون الحياة.
نسبة الفقر في لبنان كبيرة جداً إذ إنّ 30 في المائة من السكان تحت خط الفقر، وترتفع النسبة في حالة النازحين السوريين إلى أكثر من 70 في المائة (الأمم المتحدة).
يثير اختيار نص المنفلوطي تساؤلاً، خصوصاً أنّ الامتحان ذاك هو لتلاميذ الاجتماع والاقتصاد الذين يفترض بهم أن يتوجهوا بعد نجاحهم إلى كليات تحوّلهم إلى باحثين محترفين. فرضية المنفلوطي هي من المسلّمات الطبقية المعهودة ذات الصبغة الدينية، التي وإن صحت لمكان وزمان معينين فإنّها لا تتناسب مع واقع اجتماعي مختلف في زمانه ومكانه، وله خصوصياته الاقتصادية والثقافية.
يكبر التساؤل المثار إذ نصل إلى السؤال الأخير في تحليل النص ويقول: "يرى الكاتب أنّ للفقر حسنات كثيرة، بيّن السبب الذي دفعه إلى ذلك، ثم ابدِ رأيك معللاً". لم يدرس التلاميذ "هرم ماسلو" الذي يشير إلى أنّ النقطة الأعلى في الهرم وهي تحقيق الذات تحتاج إلى بنى أساسية قبلها تبدأ من الاحتياجات الفسيولوجية ثم احتياجات الأمان ثم الاحتياجات الاجتماعية ثم تقدير الذات وصولاً إلى تحقيق الذات. التلاميذ معظمهم فقراء، كحال الأسرة النازحة أعلاه، ولا يراد لهم من خلال الامتحان إلاّ أن يرضخوا لـ"حسنات" يقدمها فقرهم.
لا تعليل أفضل من مقولة أحد المسنين وهو يستذكر أهله: "لطالما ضحكوا علينا إذ أعطونا سندويشات الصعتر إلى المدرسة كي نحفظ درسنا جيداً... فهل رأيتَ أحداً أكل اللحمة ورسب؟".
اقــرأ أيضاً
الصبيّان يلاحقان السيارات بأنظارهما وأيديهما. كلٌّ منهما يختار واحدة ويقول إنّها "الأجمل" وستكون له عندما يكبر. أما الطفلة فتبتسم وتشير إلى وشم قابل للمحو على يدها وتضحك ملء صوتها.
هم فقراء ممّن حرمتهم الحرب في سورية من كثير من أسباب الحياة لعلّ من بينها التعليم سواء في الوقت الراهن... أو لاحقاً بحسب التحديات. هم نموذج لفقراء غيرهم في لبنان محارَبون في لقمة عيشهم، أما مستقبلهم ففيه كثير من الغموض، في أقصى درجات التفاؤل.
في الأسبوع نفسه، كان تلاميذ البكالوريا (الثانوية العامة) في لبنان قد بدأوا امتحاناتهم الرسمية. يلفت الانتباه في امتحان اللغة العربية وآدابها في اختصاص الاجتماع والاقتصاد، نصّ للكاتب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي (1876 - 1924) من كتابه "النظرات" يدعو فيه - من جملة ما يدعو - إلى وقف التمييز بحق الفقراء، مبيّناً مزايا حميدة لهؤلاء مقابل الأغنياء في كثير من شؤون الحياة.
نسبة الفقر في لبنان كبيرة جداً إذ إنّ 30 في المائة من السكان تحت خط الفقر، وترتفع النسبة في حالة النازحين السوريين إلى أكثر من 70 في المائة (الأمم المتحدة).
يثير اختيار نص المنفلوطي تساؤلاً، خصوصاً أنّ الامتحان ذاك هو لتلاميذ الاجتماع والاقتصاد الذين يفترض بهم أن يتوجهوا بعد نجاحهم إلى كليات تحوّلهم إلى باحثين محترفين. فرضية المنفلوطي هي من المسلّمات الطبقية المعهودة ذات الصبغة الدينية، التي وإن صحت لمكان وزمان معينين فإنّها لا تتناسب مع واقع اجتماعي مختلف في زمانه ومكانه، وله خصوصياته الاقتصادية والثقافية.
يكبر التساؤل المثار إذ نصل إلى السؤال الأخير في تحليل النص ويقول: "يرى الكاتب أنّ للفقر حسنات كثيرة، بيّن السبب الذي دفعه إلى ذلك، ثم ابدِ رأيك معللاً". لم يدرس التلاميذ "هرم ماسلو" الذي يشير إلى أنّ النقطة الأعلى في الهرم وهي تحقيق الذات تحتاج إلى بنى أساسية قبلها تبدأ من الاحتياجات الفسيولوجية ثم احتياجات الأمان ثم الاحتياجات الاجتماعية ثم تقدير الذات وصولاً إلى تحقيق الذات. التلاميذ معظمهم فقراء، كحال الأسرة النازحة أعلاه، ولا يراد لهم من خلال الامتحان إلاّ أن يرضخوا لـ"حسنات" يقدمها فقرهم.
لا تعليل أفضل من مقولة أحد المسنين وهو يستذكر أهله: "لطالما ضحكوا علينا إذ أعطونا سندويشات الصعتر إلى المدرسة كي نحفظ درسنا جيداً... فهل رأيتَ أحداً أكل اللحمة ورسب؟".