مهن عدّة تنتعش خلال شهر رمضان في المغرب من قبيل بيع الحلويات والفطائر والأسماك وكذلك الخياطة التقليدية وغيرها، في حين تنتكس مهن أخرى مثل العمل في المطاعم التي تغلق أبوابها في هذا الشهر في انتظار العيد.
وبدخول رمضان، يشمّر أصحاب المهن ذات الإقبال الكثيف عن سواعدهم وينشطون لجذب الزبائن من خلال عرض سلع مختلفة وجديدة. فيستفيدون من هذا الشهر لتحقيق أرباح مادية أكبر، في حين يشكو آخرون من تراجع أعمالهم وبالتالي مداخيلهم.
بيع "الشباكية" والحلويات عموماً من أكثر المهن التي تلقى رواجاً في رمضان المغرب. وهذا النوع من الحلويات التقليدية الشهيرة يصنّع من شرائط عجين ويغلّف بالعسل وحبات السمسم، وتلجأ إلى بيعه النساء، لا سيّما الفقيرات والمطلقات، وكذلك الشباب العاطلون من العمل. من شأن ذلك أن يمثّل فرصة لهؤلاء تساعدهم على تحسين أوضاعهم المادية، ولو خلال ثلاثين يوماً فقط. يُذكر أنّ هذه المهنة صارت بحسب كثيرين "مهنة من لا مهنة له".
عبد الله منجل في الثلاثينيات من عمره، عاطل من العمل لا يوفّق إلا بمهن موسمية. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه يختار "بيع الحلويات، خصوصاً الشباكية، نظراً إلى عائداتها الماليّة المحترمة في الشهر الفضيل"، عازياً ذلك إلى "كثرة الزبائن". ويخبر أنّه يحقّق يومياً ما بين 150 و200 درهماً مغربياً (ما بين 16 و21 دولاراً أميركياً) كأرباح صافية من بيع الشباكية، وذلك يُنقذ ميزانيته المتضررة.
بيع الفطائر كذلك مهنة مربحة في شهر رمضان، تلجأ غالباً إليها نساء مغربيات اضطرتهنّ ظروفهنّ الاجتماعية الصعبة إلى ذلك. وهؤلاء بمعظمهنّ إمّا مطلقات أو أرامل من فئات اجتماعية ضعيفة وقليلة الموارد. في السياق، تقول السعدية بناشي وهي أرملة في الأربعين من عمرها إنّها تبيع النعناع في الأيام العادية، "لكنّني أعمد إلى تغيير توجّهي في شهر رمضان من كلّ عام، فأعدّ الفطائر بيدَيّ في البيت ثمّ أبيعها عند ناصية شارع حيّنا الشعبي". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّها "مرغمة على ذلك وليست بطلة"، بمعنى أنّها مجبرة على القيام بذلك، إذ إنّها تعيل طفلين قاصرَين. وتشرح أنّه "ليس لديّ أيّ معيل، وأنا مضطرة إلى العمل في أيّ شيء لأتّقي شرّ السؤال والحاجة". وتتابع بناشي أنّ "بيع الفطائر والمعجنات، مثل الرغايف والبغرير والملوي، في رمضان، يساعدني على تدبّر شؤون أسرتي وسدّ بعض الديون التي تتراكم عليّ".
ومن المهن الأخرى التي تعرف انتعاشاً واضحاً في رمضان الخياطة، خصوصاً التقليدية منها، إذ هو شهر تطغى عليه الروحانية ويكثر خلاله الإقبال على صلاة التراويح، فضلاً عن أنّه شهر يتبعه عيد الفطر. فيتزايد الإقبال على الخياطين من أجل إعداد جلابيب أو "فوقيات" للرجال وقفاطين للنساء. ويطلب الرجال الجلابة المغربية التقليدية التي يزيّنها الخياطون بلمسات عصرية، ليظهروا بها خلال صلوات التراويح وفي تجمعات الأسرة في ليالي رمضان وفي يوم عيد الفطر. الأمر نفسه بالنسبة إلى المغربيات اللواتي يحرصنَ على ارتداء القفاطين والجلابيب التقليدية التي لا تخلو من لمسات عصرية خلال شهر رمضان ويوم العيد.
في المقابل تنتكس بعض المهن خلال شهر رمضان، لا سيّما تلك التي ترتبط بالمطاعم التي تقفل، إذ تعمد إلى إغلاق أبوابها إلى ما بعد عيد الفطر. ففي هذا الشهر، حتى في الليل، لا يقبل الزبائن على المطاعم، نظراً لقصر المدّة الزمنية. في السياق، يقول جلول ضهراوي، وهو صاحب مطعم وسط مدينة سلا (غرب الرباط)، إنّه "خلال شهر رمضان أغلق محلّي، بسبب انعدام الزبائن في النهار كما في الليل". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه يستغلّ هذه "الراحة الإجبارية لإجراء بعض الإصلاحات في المطعم وتحسين مظهره". ويشير إلى أنّ "أصحاب المطاعم ينتكسون في رمضان، إذ هو شهر الصوم. لكنّ آخرين يحاولون جذب زبائنهم من خلال خفض أسعار أطباقهم ليلاً".
من جهتها، تستسلم المقاهي لـ "البطالة" الموقتة في نهارات أيام رمضان، لكنّ مقاهي كثيرة تنتعش ولو نسبياً في ليالي هذا الشهر، إذ يروّح كثيرون عن أنفسهم بعد عناء صوم طويل فيتوجّهون إليها للقاء الأصدقاء وتجاذب أطراف الحديث متحلّقين حول كؤوس الشاي بالنعناع.
انقسام حول شهر الصوم
بقدر ما يتمنّى المغاربة من أصحاب المهن التي تنتعش في رمضان أن يطول هذا الشهر الكريم حتى يستفيدوا من بركاته وعائداته المادية التي تنعكس إيجاباً على أوضاعهم الاجتماعية والأسرية، يرجو أصحاب المهن المنتكسة - وهم كثر - انقضاءه سريعاً حتى تعود أحوالهم إلى ما كانت عليه قبل شهر الصوم.