"عذرية المغربيات" عنوان نقاش يعود إلى الواجهة في البلاد، لا سيّما بعد مطالبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وفرع منظمة الصحة العالمية بالمغرب، بمنع فحوصات العذرية للشابات المقبلات على الزواج أو لأخريات على خلفية أسباب أخرى.
وكانت الأمم المتحدة قد دعت بلداناً عدّة، منها المغرب، إلى "التوقف عن الإقرار بكشوفات العذرية للفتيات، وإخبار مسؤولي وخبراء الصحة والسلطات العمومية والأفراد بمخاطر هذه الفحوصات"، مؤكدة أنّ "كشف العذرية للفتاة أمر ينتهك حقوق الإنسان، من بينها الحق في الحماية من التمييز على أساس الجنس والحق في التمتع بأفضل حالة صحية ممكنة".
يؤيّد رئيس الجمعية المغربية للعلوم الجنسية، الدكتور رشيد بوطيب، ما صرّحت به الأمم المتحدة، مشدداً على أنّ تمسك العرف الاجتماعي بإنجاز شهادة عذرية الفتاة قبل الزواج أمر لم يعد مقبولاً في مجتمع بات يعرف متغيّرات عدّة تؤدّي إلى الانفتاح وصون كينونة المرأة وكرامتها وعدم اختزالها في غشاء بكارة وعذرية فقط". ويؤكد بوطيب أنّ "شهادة العذرية للفتاة إجراء يخدش حياتها الخاصة، ويناقض الحريات الفردية التي يكفلها الدستور. وتلك الشهادة الطبية اعتداء على جسدها قبل كل شيء"، داعياً إلى "ضرورة إلغاء اعتماد شهادة العذرية، ومنحها فقط في حالات تستلزم الطب الشرعي لا سيّما قضايا الاغتصاب والاعتداءات الجنسية".
واللافت أنّ الحكومة المغربية لم تصمت أمام مطالب إلغاء شهادة العذرية، إذ إنّ المتحدث الرسمي باسمها مصطفى الخلفي صرّح بأنّ المغرب يقرّ باعتماد شهادة طبية كوثيقة من وثائق الزواج، لكنّها لا تتعلّق بشهادة العذرية. فتلك الشهادة الصحية المشار إليها مرتبطة بالأمراض المعدية.
في المقابل، ثمّة رأي مخالف بين الناس. الحاجة رقية على سبيل المثال، وهي ربّة منزل وأمّ لثلاث شابات متزوجات، تقول إنّ "شهادة العذرية مطلوبة وضرورية عند الأسر التي تحافظ على شرفها، والتهرّب من الإدلاء بهذه الشهادة إنّما هو دليل على تخوّف الفتاة من اكتشاف أمرها. والفتاة التي صانت عرضها لا تخشى شيئاً من عرض عذريّتها على الطبيب". من جهتها، تقول سمية وهي شابة مقبلة على الزواج: "واثقة من نفسي جيداً، وتقديم شهادة طبية على سلامة عذريتي لا يمسّ بي وبكبريائي وكرامتي مثلما يقال، بل هو يزيد من افتخار زوجي المستقبلي بي". تضيف أنّ "تلك الشهادة تريح زوجي نفسياً، كما ترفع من قدري أمام أسرته".
في السياق، يقول الباحث المغربي إدريس الكنبوري إنّ "شهادة العذرية مجرّد تقليد اجتماعي كُرّس في الماضي بسبب انتشار ثقافة أنّ جسد المرأة قفل لا يفتحه سوى زوجها". يضيف أنّ "ذلك كان يقتضي أن ترفع عائلة العروس في ليلة الدخلة الإزار الملطخ بدمها والرقص به كدليل على فخرها. ولا شكّ أنّ ذلك طقس متخلف". ويتابع الكنبوري أنّ "شهادة العذرية تحوّل قيمة الزواج من التساكن إلى العذرية وخلق نوع من التمييز في الزواج بين العذراء والأرملة أو المطلقة على سبيل المثال". ويشرح أنّ "انتشار هذه الفكرة بين الناس أدّى إلى احتقار زواج الأرملة والمطلقة وإلى النظر إلى المتزوّج منهما نظرة دونية، بينما مقاصد الزواج ليست في البكارة. لذلك، لا مشكلة في إلغاء شهادة العذرية في الزواج رسمياً، على أن تبقى اختياراً شخصياً إنّما غير ملزم".
ويلفت الكنبوري إلى أنّه "مع تطوّر الطب، صار من الممكن زرع غشاء بكارة اصطناعي، ممّا يوقع الناس في النفاق ويجعل الزوجة تنظر إلى زوجها كشخص مخدوع طيلة حياتهما. وهو أمر يؤثّر على التساكن بينهما الذي هو مقصد الزواج". ويشدّد على أنّ "الأمور مترابطة وقضية الشرف قضية تربية أسرية وقيم اجتماعية، وعندما تغيب التربية والقيم لا جدوى من شهادة العذرية أو عدمها".
من جهته، يرى الحقوقي عبد الإله الخضري أنّ "شهادة العذرية للشابات المقبلات على الزواج تمثّل اليوم مظهراً من مظاهر الانتقاص من كرامة المرأة، لأنّ موضوع العذرية أمر يخص الشابة في علاقتها الخاصة مع رفيق دربها، ولا صلة للمؤسسات ولا للدولة بها. فلماذا يحشر القانون أنفه في مثل هذه الأمور"؟ ويلفت الخضري إلى أنّ "شهادة العذرية لم تعد إطلاقاً دليلاً على عذرية الفتاة المقبلة على الزواج، إذ إنّ الطب قدّم حلولاً لإعادة ترميم غشاء البكارة"، مضيفاً أنّ "طريقة الزواج التقليدية التي تُقدَّم الشابة في خلالها كعلبة مغلقة إلى الرجل بهدف الاستمتاع والإنجاب، باتت من الماضي. ومتطلبات الحياة الكريمة صارت مسؤولية الرجل والمرأة على حدّ سواء، يتقاسمان أعباءها ويواجهان معاً تحدياتها، وبالتالي على القانون المغربي أن يتأقلم مع مستجدات الحياة المجتمعية".
ويشدّد الخضري على أنّه "إذا كان من غير المقبول التنكّر لقيم المجتمع النابعة من تعاليم دين الإسلام الحنيف، والتي تنهى عن العلاقات الجنسية خارج المؤسسة الزوجية، فإنّ ذلك يبقى محصوراً في قناعات الأشخاص، ولا صلة له بالقوانين الوضعية التي لن تساهم إلا في مزيد من المآسي والانتهاكات التي تطاول حقّ المرأة". ويوضح الخضري أنّ "حالات كثيرة من فقدان العذرية ناجمة عن أخطاء لا علاقة لها بممارسة الجنس قبل الزواج، ومنها ما هو ناجم عن خلل خلقي. لذلك فإنّ إلغاء إلزامية شهادة العذرية للشابات المقبلات على الزواج هو طلب حقوقي سليم وجب تفعيله".