تمييز جديد يتعرض له عشرات آلاف الشباب السوريين ممن تهرّبوا من الخدمة العسكرية النظامية أو حصلوا على الإعفاء منها لسبب أو لآخر، وهو تفضيل المجندين السابقين عليهم في الوظائف المقبلة للإدارات العامة
عام 2015، قال رئيس النظام السوري، بشار الأسد: "الوطن ليس لمن يسكن فيه، أو يحمل جنسيته وجواز سفره، بل لمن يدافع عنه ويحميه" شاكياً يومها من امتناع كثير من الشبان السوريين عن الالتحاق بالقوات النظامية. تابع: "القوات المسلحة قادرة على حماية الوطن، لكنّها تواجه ظاهرة التخلف عن الالتحاق". من وحي هذا الخطاب، أصدر النظام السوري أخيراً، قراراً يعطي أفضلية التوظيف لمن خدم في قواته النظامية، وهو الذي كان قد منح ذوي الشهداء 50 في المائة من شواغر التوظيف المتاحة في مؤسسات الدولة، الأمر الذي أثار سجالاً بين الشباب.
يصرح مسؤول في الحكومة السورية لصحف النظام: "الحكومة تجهز لتوجيهات إلى مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية بحصر التوظيف وفرص العمل ضمن مؤسسات الدولة بالمسرّحين من الخدمة الاحتياطية ودورات الاحتفاظ في الجيش السوري خلال سنوات الحرب". تناقلت وسائل إعلام مقربة من النظام عن مصادر وصفت بالرسمية، أنّ هناك قراراً بأن تكون أولوية التوظيف هي للشباب الذين خدموا في القوات النظامية سواء كانت الاحتفاظ أو الاحتياط، ولم يتخلفوا عن الدعوة للالتحاق. وبيّنت أنّه "في مسابقات التوظيف المقبلة، سيطلب من المتقدمين ورقة بيان وضع من شعب التجنيد، ستبين وضع الشاب خلال سنوات الحرب، إن كان تخلف عن الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية أم لم يُستدعَ من الأصل، وإن كان قد خدم وسرّح بشكل نظامي، إذ سيكون لمن أدى خدمته الأفضلية في التعيين على من تخلف أو فرّ من الخدمة".
تلفت المصادر إلى أنّ "في حال كان عدد المتقدمين من المسرّحين ممن خدموا في الجيش، سيتم حينها أخذ البقية من المتقدمين الذين لم يكونوا جزءا من المؤسسة العسكرية خلال الحرب". وبررت مصادر النظام هذا الإجراء بأنّها تعتقد أنّه يمثل جزءاً من العدالة، فمن دافع عن مؤسسات الدولة ضمن المؤسسة العسكرية خلال الحرب، من حقه ومن واجب الدولة تأمين مستقبله ومنحه الاستقرار، وهو الأقدر على مواصلة خدمتها وحمايتها. وأوضحت أنّ "القرار لا يعني أنّ الدولة ستوظف جميع من أدوا الخدمة العسكرية، إن كان الاحتفاظ أو الاحتياط، من دون أن يشملوا بمرسوم العفو رقم 18 لعام 2018، الخاص بإسقاط العقوبات، التي تتخذ بحق المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية والفرار، دفعة واحدة أو بشكل إلزامي، بل سيكون لهم أولوية في شواغر التوظيف التي تعلن عنها المؤسسات".
في هذا الإطار، يقول، جابر عز الدين (38 عاماً)، وهو واحد من 800 ألف شاب أسقط عنهم العفو الأخير الدعوة للخدمة الاحتياطية، لـ"العربي الجديد": "دعيت إلى الخدمة الاحتياطية قبل نحو أربع سنوات. قلبت حينها حياتي رأساً على عقب، فقد خسرت وظيفتي، وغيرت المدينة التي أسكنها، وحرمت من الحركة أبعد من الشارع الذي أسكن فيه، ولو لم يكن لديّ عمل لا يحتاج إلى التنقل ومساعدة عائلتي وبعض الأصدقاء لكان وضعي في غاية السوء. اليوم، لا أريد من الدولة سوى أن تكف عن ملاحقتي بدعوى الخدمة العسكرية". يضيف: "إذا كان ثمن إعتاقنا من الخدمة العسكرية هو حرماننا من فرصة التوظيف في مؤسسات الدولة، فأنا على استعداد أن أوقع تعهداً بعدم تقدمي إلى أيّ مسابقة توظيف طوال حياتي". يشير إلى أنّه لم يلتحق بالخدمة العسكرية لأنّه غير مقتنع بكلّ الحرب الدائرة في سورية، بالإضافة إلى أسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي وانتقاداته للمؤسسات النظامية.
في المقابل، يعتبر، ثائر محمد (31 عاماً) الذي يكاد ينهي عامه السادس وهو في الخدمة العسكرية ضمن صفوف القوات النظامية، أنّ التوظيف "من حق من أمضى شبابه وهو يقاتل والموت يصاحبه يدافع عن الدولة، في حين كان غيره ينام قرير العين في فراشه الدافئ، ولأنّه لم يلتحق بالخدمة، ما زلنا في العسكرية ولا نعلم إن كان سيأتي يوم ما ونسرّح". يضيف: "على الدولة أن تأخذ بعين الاعتبار السنوات التي أمضيناها في الخدمة العسكرية، إذ لا بدّ من توظيف كلّ شاب يسرح من الخدمة، فهل من المنطق بعد تجنيده كلّ هذه السنوات أن يتحول إلى عاطل من العمل، لا يستطيع تأمين احتياجاته الأساسية؟ كذلك، يجب أن تحتسب سنوات خدمتنا العسكرية من أساس وظيفتنا المقبلة ونتقاضى راتباً موازياً لمن أمضى في الوظيفة المدة نفسها، التي أمضيناها في الخدمة".
من جانبه، يبدي ياسر النجار (35 عاماً)، الذي فرّ بعدما أنهى خدمته الإلزامية وعاماً بعدها في الخدمة الاحتياطية، امتعاضه من قرار النظام حول أولوية توظيف المسرّحين. يقول لـ"العربي الجديد": "بأيّ حق أحرم كمواطن من حق تكافؤ الفرص، الذي نصّ عليه الدستور؟ النظام يقسم الدولة كما يريد فقد أعطى نصف الشواغر لذوي الشهداء، واليوم يعطي الأولوية لمن أكمل خدمته العسكرية، في ظل سياسة التوظيف التي تعتمدها الدولة إذ تستقبل أرقاماً تكاد لا تذكر، ما يعني أنّنا قد ننتظر سنوات طويلة قبل استيعاب كلّ المسرحين من القوات النظامية". يضيف: "في المقابل، لا فرص عمل في القطاع الخاص، ولا استثمارات جديدة، ولا بيئة أو تسهيلات لبدء الشاب مشروعه الخاص، إن كان بسبب الوضع الأمني أو توفر القروض، بالإضافة إلى الركود في الأسواق".
يلفت إلى أنّ "اليأس يتملك الشباب، وأصبح طريق النجاة الوحيد لديهم هو السفر، إلى أيّ مكان من هذا العالم. تصور أنّ هناك شباباً سافروا إلى السودان والصومال، ومنهم من يعمل في لبنان مقابل مصروفه الشخصي فقط، على أن يعيش خارج البلاد، ويستطيع بعد أربع سنوات دفع بدل نقدي قدره 8 آلاف دولار، عن الخدمة العسكرية، وكثير منهم قرر عدم العودة أبداً إلى البلاد".