ويتخرج من الجامعات التونسية سنويا 65719 طالبا، من 203 جامعات ومؤسسات بحث علمي، وفق آخر إحصائيات وزارة التعليم العالي. وبعد قرابة العقد من تطبيق نظام "إجازة ماجستير دكتوراه"، وتخرّج مئات آلاف الطلاب، يسود اعتقاد عام بأنه لم يقدم شيئا على مستوى التشغيل أو جودة التعليم، خلافا لكل ما تم الترويج له بأنه سيكون جزءا من حل أزمة البطالة.
وتتوجه أصابع الاتهام إلى وزارة التعليم العالي. ويرى كثيرون، بينهم نواب برلمان، أن التخصصات الجامعية لا تناسب ما يطلبه سوق العمل المحلي، ولا يترك أمام أصحاب الشهادات إلا حلا من اثنين، إما الهجرة أو البطالة.
وركز نواب البرلمان، خلال جلسة لمناقشة ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مساء الخميس، في مداخلاتهم على تقصير الوزارة في الإصلاح التعليمي ودعم مجال البحث العلمي، وأن تونس تعرف تضخما في عدد الحاصلين على درجة الدكتوراه العاطلين عن العمل، وتكتفي بتصديرهم إلى دول أخرى.
وأعرب النائب عن نداء تونس، عماد أولاد جبريل، عن استيائه مما أسماه "تلكؤ الوزارة في إجراء الإصلاح المطلوب"، وخاطب وزير التعليم العالي، سليم خلبوص، قائلا إنه لا يزال ينتظر الإصلاح التعليمي الذي لم يحدث، إذ لم تتم بعد مراجعة أي اختصاص جامعي لجعله متناسقا مع سوق الشغل، ووصف الجامعة التونسية بأنها عبء على الدولة، إذ تستنفذ الموازنات مقابل إنتاج أجيال من العاطلين والبائسين.
بيد أن المسألة أعمق من مجرد شهادات لا تلائم السوق، وتتجاوز ذلك إلى جودة التعليم في حد ذاته، بعد أن تراجع تصنيف الجامعات التونسية، منذ سنوات، من مقدمة الجامعات الأكثر جودة إلى ذيل الترتيب. إضافة إلى أن ظروف المعيشة وفرص العمل تعتبر عوامل محددة في بقاء الكفاءات في البلاد أو مغادرتها، ولا يمكن قطعا إرغام المغادرين على البقاء وتحمّل مشقة العيش، لا سيما مع تآكل الطبقة الوسطى.
بيّن وزير التعليم العالي، سليم خلبوص، أن دور الوزارة يختزل في التحفيز والتشجيع على البحث والاستثمار في البلاد، وهي مسؤولية تتشاركها معها بقية الوزارات. وأوضح أن الوزارة أصبحت مؤخرا، بعد زيادة موازنة البحث العلمي بـ51%، قادرة على تمويل المشاريع العلمية، وهو خيار استراتيجي اتخذته الدولة في إطار تفكير موجه لإبقاء الكفاءات في تونس، وتوفير مناخ البحث والاستثمار اللازم لذلك، كما أحدثت منحا مخصصة للبحث يتمتع بها كل أستاذ جامعي أنتج دراسة أو بحثا. وحتى لا تُعطى المنحة بشكل عشوائي أو لبحوث غير مطلوبة في سوق الشغل، حددت الوزارة قائمة البحوث ذات الأولوية.
وأضاف أن "الحديث عن إصلاح من دون رؤية على المدى البعيد، سيكون إصلاحا عبثيا، لذلك حرصت وزارة التعليم العالي على أن يكون تشاركيا، ووفق خطة واضحة شارك مسيّرو المؤسسات الجامعية في وضعها وفق احتياجات الجامعة والاقتصاد الوطني.
ولم ينف خلبوص وجود خلل في المنظومة، وأقر بأن الجامعات تقدم عددا من الخرجين يفوق ما يحتاجه الاقتصاد الوطني، ولا يجد المشغلون الاختصاصات المطلوبة والمهارات اللازمة، وأن الوزارة تعتبر نفسها مسؤولة عن معالجة الوضع عبر إنشاء مراكز مهنية مهمتها منح تدريب إضافي للطلبة والخريجين.